• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نوستراداموس الشاعر المسلم – الجزء الأول .
                          • الكاتب : سليمان علي صميدة .

نوستراداموس الشاعر المسلم – الجزء الأول

  إشكالية التلغيز 

فن التلغيز أو التشفير أو التجفير أو التعمية يكاد يكون فنا عربيا صرفا و هو الشكل المتطور للألغاز و الأحاجي كفن شفوي منتشر منذ القديم بين عامة الناس . و قد أفرد الكثير من الكتاب العرب كتبا عديدة حول هذا الفن . و أولهم الخليل الفراهيدي (ق 8 م) الذي حرر رسالة مفقودة هي كتاب المعمى .ثم كتب الكندي ( ق 9 م ) رسالة في استخراج المعمى . ثم جاء مؤسس فن التعمية ابن  الدريهم ( ق 14 م ) فصنف كتاب مفتاح الكنوز في إيضاح المرموز و الغالب على الظن أن نوستراداموس قد اطلع على تصنيف ابن الدريهم و تعلم منه فن التعمية و التلغيز .

و الدارس للرباعيات يستغرب كيف استطاع الشاعر أن  يمزج بين مفاهيم و مصطلحات دينية و أسطورية و تاريخية مختلفة فرنسية و إغريقية و  رومانية و عبرية و عربية  تقتضي مجهودا موسوعيا لا تتوفر أصلا لشاعر عاش في القرن السادس عشر الميلادي . و يستغرب أيضا كيف تمكن الشاعر من أن  يصيغ كل ذلك في شكل رباعيات تتحدث عن مستقبل غامض و مجهول و تكون صادقة في تنبؤاتها .

و الأغرب من ذلك أن  في بعض الرباعيات إبداعا و إتقانا  يتجاوز المجهود البشري لغة و فكرة كأن  يصف حالة الروح بعد الموت . و قد احتار في أمرها الدارسون .

2,13

Le corps sans ame plus n'estre en sacrifice,  //  Iour de mort mis en nativité :// L'esprit divin fera l'ame felice,// Voyant le verbe en son eternité.                       

بدون روح لن يكدح الجسد //في لحظة الموت تكون الولادة //الملاك الرباني يجعل الروح في سعادة //الكلمة في الأبد إذ تشاهد.

كيمياء اللغة جعلت الكلم ينساب و ينثال من معدن صاف غير بشري فلا تعقيد و لا التواء بل هناك مطلق الحقيقة يعانق صفو الضروري من اللغة فكانت المقطوعة تحفة شعرية نادرة . و الشاعر هنا يتحدث عن روحه لحظة الموت فكأنما هو يرثي نفسه رثاء فيه حزن و تعزية تحولا إلى  فرح و سعادة : الحزن لأنه سيفارق الحياة  و السعادة لأنه سيزلف إلى عالم الخلود و تسقى روحه بماء الحياة  ( الناس نيام إذا ماتوا استفاقوا) .

و لعل الاستنتاج الأقرب للصواب أن  نوستراداموس إذا  كان  قد اعتمد على الزايرجة و الجفر و الاستحضار فإنه لا يعدو أن  يكون وسيطا  هيأ نفسه و أفلح في الاتصال بعالم غير بشري  ليتزود بكلام أو أخبار عن العالم البشري ثم نقل ما  سمع في شكل رباعيات أو سداسيات . فشعره و ما احتوى عليه من تنبؤات و ألغاز لا يعدو أن  يكون شكلا من أشكال الإلهام في قالب شعري . و الإشكال الذي لم نجد له إجابة  هو هل أن الشاعر  استعمل اللغة العربية أصلا في تطبيق قواعد الزايرجة فتكون المتحصلة في شكل بيتين من الشعر العربي ثم ترجمهما إلى رباعية فرنسية أم أنه أخضع القواعد التطبيقية لتلك العلوم إلى اللغة الفرنسية فكانت النتيجة أبيات رباعية فرنسية .

و إذا كان شعره لا يعدو أن  يكون إلهاما فإن هذا الاستنتاج ليس تقديسا لأشعار المنجم  كما قد يتوهم البعض بل هو مجرد رفع لإشكال و وضع الأمور في نصابها  و شأن   الشاعر هو شأن  سطيح و ابن عربي  و كافة شعراء الأجفار. زد على ذلك أن  إخبارهم عن المستقبل لا يعدو أن  يكون وصفا عاما  للحدث دون التوغل في التفاصيل الدقيقة ( مطلق الغيب ) التى لا يعلمها إلا الله سبحانه و تعالى .

إن أغلب المخبرين عن المستقبل عربا و غير عرب قديما و حديثا يستعملون كلاما موزونا ملهما إما شيطانيا فيه صدق و كذب أو ملائكيا كله صدق . و المتنبئ لا يكون عندئذ إلا وسيطا فقط . ولكن تحليلنا للرباعيات لا يعدو أن يكون تحليلا لنص  كتبه شاعر .

 

الملك الملغز

إن  الشاعر في استشرافه لشخصيات المستقبل قد انتهى إلى أمر غير حياته تغييرا جذريا . فهناك شخصية مركزية ذكرها في أشعاره و احتار في أمرها هل هي بشرية أم سماوية . و لم يرفع الالتباس إلا بعد أن تمثلت له تلك الشخصية عيانا أمام بصره  . فالخلوة في غرفته السرية هيأت له صفاء روحيا جعله قادرا على تلك المشاهدة  .  و إن عبارات مثل ( حظيت عيناي .. تتأمل ..) لتؤكد الرؤية العينية اليقينية التي لا لبس فيها  تماما مثلما تجلت فاطمة الزهراء ع لثلاث فتيات من قرية فاطما البرتغالية  و أحدثت حركة في الشمس شاهدها آلاف البرتغاليين في بداية القرن الماضي.

يقول الشاعر مخاطبا الملك هنري الثاني في رسالة  طويلة ( ترجمتها من الفرنسية القديمة إلى  الحديثة  ميراي كورفاجا - كتاب تنبؤات نستراداموس  ص 96):

« Votre splendeur royale et votre profonde humanité à l'égard des hommes et de Dieu sont si grandes , ô roi mille fois clément  que vous seul êtes digne de porter le titre de roi très chrétien .

Je vous prie seulement de croire dans votre immense sagesse , que mon désir est d'obéir à votre sérénissime majesté depuis que mes yeux ont eu le privilège de contempler votre éclatante splendeur égale à celle du soleil et que , quelle puisse  être l'importance du travail que j'ai accompli, je ne puis que demeurer  votre très humble serviteur. »

"إن  بهاءك الملكي و إنسانيتك العميقة تجاه البشر و الله هي جد عظيمة أيها الملك الرحيم ألف مرة .إنك أنت الوحيد الأجدر بلقب الملك  المسيحي جدا . إنني أتوسل إليك فقط ( بأن  تتقبل ) إيماني بحكمتك العظيمة . و غايتي أن  أكون مطيعا لبهاء جلالتك منذ أن  حظيت عيناي بأن  تتأمل بهاءك المشعشع الشبيه بالشمس . و مهما تكن أهمية العمل الذي أتممته ( التنبؤات) فلا أعدو  أن  أكون  خادما مطيعا لك ."

إن  الملك هنري الثاني هو ملك فرنسي كان على اتصال بنوستراداموس وكان هو وزوجته يصدقان  بتنبؤات المنجم تصديقا تاما و  تبادلوا  الزيارات أكثر من مرة . و لكن هذا الملك  هو عادي جدا و قد لقي حتفه بطريقة سيئة للغاية  و لا يمكن إطلاقا أن  تنطبق عليه الأوصاف و العبارات الماضية حتى و إن  كانت من قبيل المبالغات . إذن ليس هو المخاطب. و أغلب الدارسين اتفقوا على هذا الأمر. يقول فانبيون : (إن هذه الرسالة تخاطب شخصا يتمتع بصفات استثنائية لم يظهر بعد على مسرح التاريخ.)

 إن الفقرة الماضية تعطينا مفتاحا أساسيا لفهم شخصية المستقبل العظيمة التي تعرف عليها الشاعر. و لئن كان الإشكال قد زال عنده وفقا لعبارة (منذ أن حظيت عيناي بأن  تتأمل بهاءك المشعشع الشبيه بالشمس) فإن أمرها لا يزال إلى اليوم يتخبط فيه الكثير من الدارسين بل منهم من يتوهم أن تلك الشخصية هي ملك فرنسي قادم سيخلص المسيحيين في حروب آخر الزمان  .

 إن المنجم قد وجه رسالة طويلة إلى هنري الثاني شرح فيها تنبؤاته و كلما تعلق الشرح بآخر الزمان إلا و ألغز في نثره و استعمل أسماء و كلمات شبه رومنسية و إدراك كنهها ليس بالأمر الهين. و لكن ما يهمنا هنا هو عنوان  الرسالة فقط و ما فيه من إلغاز.

و قبل ذلك  نشرح  رباعيتين  و ذلك لنستبين منهج الشاعر في التلغيز:

10,96

Religion du nom des mers vaincra,    //Contre la secte fils Aduluncatif,  //Secte obstinee deploree craindra//    Des deux blessez par Aleph et Aleph.

دين اسم البحار ينتصر //ضد طائفة ابناء ادالينكاتيف //طائفة عنيدة متألمة تخشى //من الطرفين جرحى بالآلاف         

ما يشد الانتباه في هذه الرباعية أن الشاعر استعمل كلمة عربية واضحة و هي Aleph et Aleph. أي آلاف و آلاف مما يؤكد أنه يعرف اللغة العربية . في البيت الأول هناك إشارة  إلى البلد nom des mers)) أي أن اسمه مرتبط بالبحار و اسم البحرين أو الجزائر مرتبط بالبحر  و الاسم الثاني هو المقصود في الرباعية و هو جمع مفرده جزيرة و لا تكون الجزيرة إلا في البحر: (  الجزائر جمع جزيرة و هو مصطلح بحري أطلقه العثمانيون على كافة البلاد باشتقاقه من اسم العاصمة، وتمت تسمية العاصمة بالجزائر على يد بلكين بن زيري مؤسس الدولة الزيرية في الجزائر وذلك عام 960 م حيث أطلق عليها جزائر بني مزغنة نظرا لوجود أربع جزر صغيرة قبالة المدينة.)  و يفهم البيت الأول كما يلي : (دين الجزائر ينتصر) . و هو يذكر ببيت ابن باديس :

                      شَعْـبُ الجـزائرِ مُـسْـلِـمٌ ** وَ إلى الـعُـروبةِ يَـنتَـسِـبْ

 

أما البيت الثاني فمفتاحه في كلمتين اثنتين :

( Fils) = الابن  و تنطق : Fis   = ( فيس ) إذ  اللام  (L) فيها لا ينطق . أليس الملفوظ به هو الاختصار الشهير FIS ( Front Islamique du Salut  =  جبهة الإنقاذ الإسلامي ) قد ألغزها الشاعر في الابن أي Fils  اعتمادا على منطوق الحروف  ؟

  * الحروف المرسومة:    Fils    =  الابن

  * الحروف الملفوظة:    fis      =  جبهة الإنقاذ الإسلامي

 (Aduluncatif ) : هذا اسم غريب لا يتسنى للفرنسيين أن  يفهموه و لو حاولوا لربطوه بأساطير إغريقية أو رومانية أو عبرية . و لكن أهل العربية يمكن أن  يتحسسوا فيه كلمة عربية ما . إنك لو حذفت اللاحقة if و السابقة Ad لوجدت كلمة عربية معرفة طالما ترددت على مسامعنا في تسعينات القرن الماضي . أليس ما تبقى من اللفظ (uluncat) هو بالضبط  ( الإنقاذ ) الوارد في (جبهة الإنقاذ الإسلامي  ) ؟ لقد أثبت الشاعر اللفظ مقترنا بأداة التعريف الــ = ul . و التاء   tعوضت الذال غير الموجودة  في الفرنسية.

T  a  c  n  u  l   u

ت  ا   ق  ن  ا   ل  ا   = الإنقاذ

و الرباعية بأكملها تترجم على المنوال التالي :

(إسلام الجزائر ينتصر //  على تنظيم جبهة الإنقاذ الإسلامي // و هو تنظيم عنيد وخاسر و مخيف // فالضحايا بين الطرفين بالآلاف و الآلاف.)

و في نهاية القرن الماضي بلغ عدد الضحايا اكثر من 100 ألف ضحية .

و قد ذكر الشاعر الجزائر في رباعيات أخرى و أشار إليها بكلمة (les Iles  ) أي المرادف الفرنسي لكلمة الجزائر .

2,30

Un qui les Dieux D'anibal infernaux //Fera renaistre, effrayeur des humains //Oncq' plus d'horreur ne plus dire iournaux,//Qu'avint viendra par Babel aux Romains.

 هذه الرباعية تتحدث عن شخصية شهيرة هي مصدر رعب و شر للبشرية  شبهها بحنبعل  و لها من الرعب مما يجعل كل الصحف تتحدث عنها كما كان يتحدث الرومانيون عن بابل. و الاسم الحقيقي لتلك الشخصية مركب و ملغز في  كلمة anibal :

-  nib تقرأ من اليمين إلى اليسار تصبح : بن

-  nibal : تقرأ من اليمين أيضا مع قلب b  إلى  d تصبح ni d al = ladin  = لادن

إذن الشخص المعني هو بن لادن الذي أحدث من الضجيج و التهويل و الإشاعات  ما جعله يتصدر الصحف العالمية سواء في حياته أو موته . و هناك رباعيات أخرى  تحدثت عن هذا الشخص .

إن الرباعيتين الماضيتين تكشفان عن نوع من أساليب الشاعر في التلغيز و التعمية .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=50988
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 09 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29