• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نظرة قرانية للمجتمع .
                          • الكاتب : حسن الجوادي .

نظرة قرانية للمجتمع

 بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلاة على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى اله الاطهار
 
الإنسان والمجتمع الإنساني موضوع وهدف أساسي في القرآن الكريم[1]وقد صدر القران العزيز قرار في ذلك وأوضح في بيانه أهمية اللبنة الاجتماعية فتناولت آياته المباركة موضوعات شتى تخص المجتمع الإنساني بوصفه يسمع الخطاب وان كان أكثرهم لا يسمعون ، وان هذه النصوص كثيرة والتكلم حولها يستغرق وقتاً وجهداً الا اننا سنكتفي بالحديث عن إحدى أهم الآيات في هذا الخصوص .
 
قال تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). الحجرات: 13
(جاء في تفسير القمي وهو رد على من يفتخر بالأحساب والأنساب ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة : يا أيها الناس ان الله قد اذهب عنكم بالاسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها ان العربية ليست بأب ووالدة وإنما هو لسان ناطق ، فمن تكلم به فهو عربي ، ألا انكم من آدم وآدم من تراب وأكرمكم عند الله أتقاكم)[2]
 
هنا يتجلى إعلان الحرب الإلهي على القومية والعنصرية والطبقية والبرجوازية ، التي تكون هي المقياس والمائز بين الناس، فلم تكن الحرب على نفس القومية والوطنية والحدود والجغرافية وانما الحرب على من يجعل هذه المسميات والاعتبارات هي الفارق وهي المقوم فما يزال الصراع والتناقض بين الطبقات مستمراً ( ويشتد كلما تطورت الآلة وذلك لان الآلة كلما نمت وكلما تطورت أدت الى تخفيض في مستوى المعيشة من خلال تحكم الرأسمالية المالكة في العامل)[3] (في مقابل الامتيازات الاجتماعية التي كان الناس يتمايزون بها ، كالقوة ، والمال ، والقبيلة ، والنسب ، واللون ، جاء القرآن بميزان للفضائل وهو المسارعة والإستباق إلى مراتب الكمالات الانسانية علمية وعملية ، وأن كرامة الانسان بحقيقتها ومراتبها تدور مدار ما هو عند الله ، لا ما هو عند الناس ، وهو التقوى بنطاقها الواسع من الإتقاء عما يوجب كدورة اللطيفة الانسانية ويكون حجابا بينه وبين مبدء الكمال والجمال والجلال)[4] فتصبح فجوة وشق في المجتمع ويتولد الشحن والفرقة وعدم الاتحاد والتعايش بين أبناء المجتمع اذا ما كانت تلك المعايير هي التي تراعى ، وهذا ما حذر منه القران الكريم ولم تكن هذه الظاهرة مستقبلية كي يحذر منها القران فمن ازمنة ودورات متعاقبة كانت موجودة هذه الكارثة ، فعن الامام الصادق عليه السّلام أنه قال (وقع بين سلمان الفارسي رضي اللَّه عنه وبين رجل خصومة ، فقال الرجل لسلمان : من أنت وما أنت فقال سلمان : أما أولي وأولك فنطفة قذرة ، وأما آخري وآخرك فجيفة منتنة ، فإذا كان يوم القيامة ونصبت الموازين فمن ثقلت موازينه فهو الكريم ، ومن خفت موازينه فهو اللئيم)[5]ولذلك نجد ان النبي الاعظم وأهل بيته (عليهم السلام) حذروا وبينوا خطورة هذه المشكلة الكبيرة (وروي أن رجلا سأل عيسى بن مريم : أي الناس أفضل ؟ فاخذ قبضتين من تراب فقال : أي هاتين أفضل ؟ الناس خلقوا من تراب ، فأكرمهم أتقاهم)[6]
 
فوائد: 
 
1ـ ان أبواب الدين الاسلامي لم تغلق في وجه أحد ، فان المزايا الدينية فيه للجميع وليست ملكا لفئة خاصة ، فلا فرق بين العامة والخاصة والرجل والمرأة والأبيض والأسود ، كلهم مساوون في نظر الاسلام وليس لأحد ميزة على أحد[7]
 
2ـ أن الانسان مجبول على طلب ما يتميز به من غيره ويختص به من بين أقرانه من شرف وكرامة ، وعامة الناس لتعلقهم بالحياة الدنيا يرون الشرف والكرامة في مزايا الحياة المادية من مال وجمال ونسب وحسب وغير ذلك فيبذلون جل جهدهم في طلبها واقتنائها ليتفاخروا بها ويستعلوا على غيرهم . وهذه مزايا وهمية لا تجلب لهم شيئا من الشرف والكرامة دون أن توقعهم في مهابط الهلكة والشقوة ، والشرف الحقيقي هو الذي يؤدي الانسان إلى سعادته الحقيقية وهو الحياة الطيبة الأبدية في جوار رب العزة وهذا الشرف والكرامة هو بتقوى الله سبحانه وهي الوسيلة الوحيدة إلى سعادة الدار الآخرة ، وتتبعها سعادة الدنيا[8]
 
3ـ فنداؤه تعالى بيا أيها الناس مع قوله : من ذكر وأنثى . . وأتقاكم دليل قاطع وواضح على ان دعوة القرآن إنسانية عالمية تعتبر الإنسان أخا للإنسان مهما كانت عقيدته وقوميته وجنسيته ، ومثل هذه الآية معنى ووضوحا قول الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) : « الناس سواسية كأسنان المشط ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأحمر على اسود ، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى[9]
 
4ـ وهكذا فإن القرآن يشطب بالقلم الأحمر على جميع الامتيازات الظاهرية والمادية ، ويعطي الأصالة والواقعية لمسألة التقوى والخوف من الله ، ويقول إنه لا شئ أفضل من التقوى في سبيل التقرب إلى الله وساحة قدسه . وحيث أن \" التقوى \" صفة روحانية وباطنية ينبغي أن تكون قبل كل شئ مستقرة في القلب والروح ، وربما يوجد مدعون للتقوى كثيرون والمتصفون بها قلة منهم ، فإن القرآن يضيف في نهاية الآية قائلا : إن الله عليم خبير . فالله يعرف المتقين حقا وهو مطلع على درجات تقواهم وخلوص نياتهم وطهارتهم وصفائهم ، فهو يكرمهم طبقا لعلمه ويثيبهم ، وأما المدعون الكذبة فإنه يحاسبهم ويجازيهم على كذبهم أيضا[10]
 
5ـ فالتفاضل الإلهي بين الافراد يستند - في الأصل - على الجهد البشري في العمل الاجتماعي والصفاء الروحي والشخصي للفرد ، وحق الطاعة للخالق عز وجل ؛ لأن جعل الافراد عن طريق الاجتماع شعوباً متميزة يحتاج بصورة أساسية إلى جهودهم في التعاون والتكاتف لبناء صرح الأنظمة الاجتماعية العظيمة . ولما كان المجتمع الانساني مبنياً على تفاوت قابليات الافراد في التحصيل وبذل الجهد أولاً ، ولما كانت الثروة العينية والقيمية في تحرك وتداول مستمر بين الافراد ثانياً ، أصبح نشوء الاختلاف في تملك الثروة وبذلها أمراً حتمياً . ويدل هذا الاختلاف على تنوع وتفاوت الأدوار والوظائف الاجتماعية بين الافراد ؛ وهذا التنوع يتطلب اختلافاً في درجات العيش ضمن الطبقة الواحدة فحسب ، ولا يتطلب تعدداً للطبقات الاجتماعية كما تؤكد المدرسة التوفيقية[11]
 
 
******************************************
[1] ـ المجتمع الانساني في القران الكريم: السيد محمد باقر الحكيم 
 
[2] ـ تفسير علي بن ابراهيم القمي: ج2،ص322
 
[3] ـ ينظر: المدرسة القرانية: السيد محمد باقر الصدر، ص163
 
[4] ـ منهاج الصالحين: الشيخ وحيد الخراساني، ج1،ص89
 
[5] ـ الوافي: الفيض الكاشاني، ج26، 398
 
[6] ـ مجمع البيان: ج9،ص230
 
[7] ـ القران في الاسلام: السيد محمد حسين الطباطبائي، ص30
 
[8] ـ الميزان في تفسير القران: ج18،ص327
 
[9] ـ التفسير الكاشف: الشيخ محمد جواد مغنية، ج7،ص115
 
[10] ـ الامثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج16،ص561
 
[11] ـ النظرة الاجتماعية في القران الكريم: الدكتور زهير الاعرجي، ص24



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=51632
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 09 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28