• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : قصة قصيرة شيء ما يختنق .
                          • الكاتب : اسراء البيرماني .

قصة قصيرة شيء ما يختنق

ارتشف القهوة ببطئ .. إصطنع ابتسامة باهتة على محياه البارد .. في ظهيرة صيف قائظ .. دارت مروحة الهواء ببطئ في سقف الصالة وقد أحدثت صوتا لقلة التزييت ، وقتما كان يجالسها لأول مرة بعد عقد القران .. هبط الصمت كغلاف الأوزون مخلفاً ثلة من الخرسى على مقاعد متباعدة بعد غداء مكلف .. تبادلوا الابتسامات الشاحبة و تبادلت الأعين النظرات .. نطقت والدته محاولة كسر الصمت :-
 - كم مرة طلبت منك تزييت مراوح المنزل يا عزيزي 
 (نسيت ( قالها و هو يكز على أسنانه -
بدت كطفلة ساذجة أمامه بتكلفها المفرط في الحلي و انتقاءها القروي للملابس .. تقلِّب خاتم الخطوبة الذهبي العريض الذي بدا اكبر من محيط إصبعها .. أخذت تقلِّبه بغبطة .. عريس لم تكن لتحلم به .. ترمق الخاتم بنظرة و ترمقه بأخرى .. تبتسم ابتسامة عريضة فتكشف عن أسنان مفلجة! 
حدثها :- 
 لو انكِ اخترتِ خاتما اصغر لناسب اصبعك اكثر -
- أمي تقول هذا - مٌكْنة - لا بأس به .. أمي تقول ربما ستسمن يدك لاحقا -  
نظر اليها بشيء من الاشمئزاز ولا زال يتصنع الابتسامة مجاملةً لضيفة الظهيرة مع عائلتها الصاخبة !
انصرف مستأذناً بعدما غمز لوالدته بأن تتبعه .. نهض بأمتعاض .. بالكاد يحبس استياءه .. شق الهواء بقامته الرشيقة على نحو من العجلة .. و انصرف صوب المطبخ ، تبعته امه على عجل ، أمسكت بذراعه قائلة:- 
 - ما بك ؟
. اود التقيؤ و حسب ... إي فتاة هذه .. لا ارغب بها .. تثير قرفي - 
- - اصمت .. أي جنون هذا ؟! انها ابنة عائلة لها وزنها في المدينة و قد قصمت ظهرك بمهر ليس بالهين .. ابنة وديعة و مهذبة .. لا أرى بها عيبا .. العيب في الغشاوة التي تحجب عينيك عن الواقع .. اصحٌ بني .. الزواج ليس مجرد كتلة مشاعر لاهبة في حشاشة جوفك .. غدا ستنساها و ستكون هذه البنت كل حياتك .. البدايات صعبة دائما
 - انت من قصمتِ ظهري امي .. ليست هي .. انت من اخترتها .. انت من اقتنعت بها .. انت من ارتضيتها لي زوجة .. هي ليست اختياري .. تعرفين من هي اختياري جيدا .. ليتني لم اطاوعك .. اي مأزق اوقعت به نفسي يا ربي ؟؟
كانت كلماته كمطارق تطرق رأس امه .. إمبراطورة المنزل و حاكمة العائلة ، منذ ان صبت جام غضبها عليه وقتما اختار حبيبته المثلى و انثاه الوحيدة لمجرد عدم اقتناعها بها .. أبت بجبروتها ان تحقق رغبته بأختيارها شريكة لحياته و مضت بأرادة ديكتاتور أصم تنتقي لولدها شريكة حياته كما تنتقي حبات البندورة !! ظنت انها ارغمته ونجحت و انتهى كل شي .
علامات الاستفهام حلقت فوق رأسها ، فكرت في تدارك الموقف بطريقة او بأخرى .. حاولت ان تسكت ولدها .. تهرب من وغز ابر التأنيب .. اللوم .. القاء كامل المسؤولية على كاهلها .. مرت تلك الدقائق بهيستريا لم تنفك عن ارهاق دماغها .. تتعبها صور عن ما ينتظر الجميع مستقبلاً.. تهرب منها بطريقة او بأخرى .. انصرف من امامها بأستياء مجبرا على مجالسة الضيفة الجديدة ..
اقترب منها زوجها هامسا في أذنها وقد أسندت جسدها على إحدى الطاولات و أطرقت برأسها إلى الأرض:- 
 لكل مرحلة قميص -
 - ماذا تقصد ؟
 - تعرفين قميص عثمان و ما حصل بسببه .. و قميص يوسف و مآزقه ..اليوم اشربي من مياه قميص ولدك المخلوع لعلك ترتوي ..في الواقع .. نحن من نصنع هذه القمصان لنبرئ أنفسنا من مسؤولياتها ثم نلق باللائمة على سراب ..
 - ما هذا الكلام المبهم ؟ 
  كلامي واضح .. أتقرب غدا بحفلاته الصاخبة و أنت ترقصين على الأوجاع القادمة- 
يا رجل . فأل الله و لا فألك- 
  - هه .. اليوم و غدا لك يا ... أيها الأم الرؤوم
الأيام تمر بتتابع .. باستياء .. تمر بحنق .. ترهقه اللغة الجديدة في الانصياع لرغبات تتنافى و إرادته ..
يعاوده الحنين .. يتشظى التوق الى حبيبته القديمة.. تشاكس في صدره روحها التي تسكنه .. وقتما تركها متأثرا بهيستريا الوعيد !! أي وعيد قد يكون !!؟؟ وعيد النفي المؤبد من قصر الخورنق مثلا ؟؟
وجهها ينتابه كنوبات الجنون كل حين ، شعوره المستمر بالذنب تجاهها .. إحساسه بالجبن .. بالهزيمة .. 
يترقبها كل صباح مختبأً خلف الأشجار .. تسير كوردة ذابلة أنهكها إعصار .
ينتظرها كمستجدِ الندى من مدن النيران .. تهرب بعينيها بعيدا .. تتجاهله كخيال مآته مبتور الظلال .. 
تتردد قهقهاتها القديمة في أذنه كـ - سأبقى أعتريك وجعاً .. أحتل أحلامك .. سأرتع كجرس تأنيب في مرابع ضميرك حتى تطلبني شفاء . 

كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : حيدر هادي السلامي ، في 2014/10/01 .

جميلة النهايه



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=51646
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 09 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28