• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : 96 عاما على هزيمة القوات البريطانية في الكوت .
                          • الكاتب : خالد محمد الجنابي .

96 عاما على هزيمة القوات البريطانية في الكوت

بتاريخ 29/4/1916 ، كانت الهزيمة النكراء التي تلقتها القوات البريطانية في الكوت بعد 147 يوما من الحصار التي تم فرضه على المدينة ، خلال ماعرف في بادىء الامر بحملة وادي الرافدين ، تلك الحملة التي شنتها بريطانيا ضد الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى في العراق حيث تم انزال القوات البريطانية في مدينة الفاو والتي واصلت تقدمها إلى الشمال حتى الموصل ، علما ان الدولة العثمانية تمكنت من غزو العراق في مطلع القرن السادس عشر ، ولم يكن للامبراطورية العثمانية سيطرة محكمة على كل مناطقه ولم تحاول الامبراطورية قط أن تبني نظام للأدارة لدرجة أنه كانت تحتاج إلى مدة أربعة أشهر لقافلة لكي تصل إلى العاصمة ، وبمطلع القرن التاسع عشر بدأت التعديلات وهكذا حاولت الأمبراطورية حل هذه المشكلة وبدأت العمل في خط للسكة الحديد ( برلين – بغداد ) في مطلع سنة 1888 وأكتمل معظمهُ في سنة 1915 بوجود أربعة فجوات فقط في المسار ، وأنخفضت الرحلة إلى 21 يوماً فقط من أسطنبول إلى بغداد ، من العوامل التي دفعت بريطانيا لأْرسال قواتها إلى هذه المنطقة كانت الشركة الإنجليزية - الإيرانية للنفط وهي من الشركات العاملة في المنطقة والتي كان لها أمتياز أعمال التنقيب عن حقول النفط عبر ايران بأستثناء أقاليم (أذربيجان, غيلان, ماذيندران, أسدراباد, خورسان) ، في سنة 1914و قبل الحرب وقعت بريطانيا عقدا مع هذه الشركة لأمداد البحريه البريطانية بالنفط ، بينما كانت الكويت عامل أستراتيجي آخر ، لم تتوقع الدولة العثمانية أي أحداث مهمة في هذهِ المنطقة ، كانت منطقة العمليات الحربية في العراق محصورة في الأراضي المحاطة بنهري دجلة والفرات حيث كان التحدي الأكبر هو تحريك القوات والأمدادت عبر المستنقعات والصحراء والتي تحيط بمنطقة الصراع ، كان الجيش السادس العثماني موجود في المنطقة في بداية الحرب العالمية الأولى حيث كان لدي العثمانيين وحدتين فقط متمركزتين في المنطقة وهما الفيلق السابع الفرقة الخامسة والثلاثون والسادسة والثلاثون في الموصل والفيلق الثامن بالفرقة الـ 37 و 38 في بغداد ، في تشرين اول 1914 وبعد تبادل لأطلاق النار أثناء مطاردات جوبن  و برسلو  في البحر الأسود (هو أشتباك بحري وقع في البحر الأبيض المتوسط في مطلع الحرب العالمية الأولى عندما حاولت عناصر أسطول البحر الأبيض المتوسط البريطاني أعتراض الفرقة الألمانية للبحر المتوسط وتمكنت السفن الألمانية من مراوغة الأسطول البريطاني وعبرت مضيق الدردنيل لتصل إلى أسطنبول حيث كان وصولهم عامل مساعد ساهم في دخول الأمبراطورية العثمانية الحرب في صف القوى المركزية ، وعند بدء حملة القوقاز الروسية بعد هجوم بيرجامنن  وهو أول أشتباكات حملة القوقاز , بقيادة الجنرال بيرجامنن الذي كان قائد الفيلق الروسي القوقازي الأول أخذ بمبدء المبادءة ضد العثمانيين وأنتهت بأنتصار مبدأي للجيش العثماني وعندما فشل الهجوم الروسي وتكبد روسيا خسائر فادحة وصلت إلى 40% من القوات الروسية ، قام وزير الحربية العثماني أنور باشا بتوجيه الفرقة الـ37 من الفيلق الـ13 إلى القوقاز للمعاونة في معركة ساركيماس وهي معركة بين الجيش العثماني والروسي من 22 كانون اول 1914 وحتى كانون ثان 1915 وجزء من حملة القوقاز العسكرية والتي أنتهت بانتصار روسي حيث كانت الأستراتيجية العثمانية مبنية على أن تكون قواتهم سهلة الحركة وأن تصل لأهداف محددة في توقيتات زمنية معينة مبنية على مباديء تكتيكية ألمانية وبسبب سوء تسليح وتدريب القوات العثمانية لحرب الشتاء لحقت بالجيش العثماني خسائر فادحة في معركة جبال الله اكبر ، وجراء ذلك أنكمش مركز قيادة الجيش السادس وأصبحت قيادة الجيش السادس هي قيادة جبهة العراق مع الفرقة 38 فقط تحت قيادتها ، ولقد أصبح الملازم كولونيل سليمان عسكري بك القائد ، وقام بأعادة حشد جزء من قوات الفرقة 38 في مدخل شط العرب , وباقي الدفاعات تمركزت في البصرة ولم تملك هيئة الأركان العامة العثمانية في وقتها حتى خريطة جيدة للعراق ، فحاولت رسم خريطة بمساعدة بعض الأفراد الذين كانوا يعملون في العراق سابقاً قبل الحرب وبالرغم من فشل هذة المحاولة الا إن ناظر الحربية أنور باشا قام في النهاية بشراء خريطتان من ألمانيا ، وعند بدء الحرب العالمية الأولى , أرسلت بريطانيا قوة عسكرية لحماية مصافي عبادان أحد معامل تصفية النفط الأولى , وأشتملت عملية التخطيط البريطانية على أنزال قوات في شط العرب وقد تم تكليف الفرقة السادسة مشاة بالجيش الهندي البريطاني بهذهِ المهمة ، في 6 تشرين ثان 1914 , بدأ الاحتلال البريطاني للعراق وكان الهجوم الأول بقصف من البحرية على الحصن القديم الفاو ، في ولاية البصرة عند مصب شط العرب في الخليج العربي ، وكان في مواجهة الأنزال البريطاني في الفاو ما يقارب من 350 جندي عثماني وأربعة مدافع فقط ،وبحلول منتصف تشرين ثان , تم أنزال نصف فرقة البونا على الشاطيء ، وتحركت فرقة البونا إلى مدينة البصرة ، وبعد أسبوعيين , هاجم الجيش البريطاني مدينة البصرة ضد قوة عثمانية مكونة من 2900 مجند عربي من قيادة المنطقة العراقية بقيادة صافي باشا ، وتمكنوا من أحتلالها ، تم أسر صافي باشا و 1200 أسير معه ، ولقد كان جيش العثمانيين الأساسي بقيادة خليل باشا يتمركز على بعد 275 ميل شمال غرب بغداد ، وقاموا بمجهود ضئيل لطرد البريطانيين ، وصل إلى بغداد ناظر الحربية العثماني أنور باشا ، وأدرك خطأ التقليل من أهمية حملة بلاد الرافدين ، ولهذا عين الفريق محمد فاضل باشا الداغستاني قائداً لجيش العشائر المتطوعين لقتال الجيش البريطاني في جبهة الكوت ، ولقد أمر الفرقة 35 والفريق محمد فاضل باشا بالعودة إلى مواقعهم القديمة ، ولقد فقدت الفرقة 38 قائدها في معركة ثم أعيد تكوينها بعد ذلك ، وفي شهر كانون اول تولى سليمان عسكري بك قيادة منطقة العراق ، ولم يكن لدى الجيش العثماني أي موارد أخرى لتحريكها إلى المنطقة حيث كانت معركة جالليبولي ماتزال دائرة ، في شبهة جزيرة جالليبولي في تركيا من 25 نيسان 1915 وحتى 9 كانون ثان 1916 أثناء الحرب العالمية الأولى وهي عبارة عن هجوم إنجليزي – فرنسي للأستيلاء على العاصمة أسطنبول وتأمين طريق الأمدادات إلى روسيا ، ولقد أنتهت هذة المحاولة بالفشل الذريع للقوات المهاجمة وتكبد الطرفان العثماني والحلفاء خسائر فادحة ، وقام سليمان عسكري بك بأرسال خطابات إلى شيوخ العرب في محاولة منهُ لتنظيمهم لمحاربة البريطانيين , ولقد أراد أسترجاع شط العرب بأي ثمن ، في 12 نيسان هاجم سليمان عسكري بك المعسكر البريطاني في منطقة الشعيبة بقوة 3800 مقاتل ، وفي الصباح الباكر هوجمت تلك القوات من الشيوخ العرب ولم تسفر عن أي نتيجة ، وتوقف الهجوم مع أول هجمة مرتدة للخيالة البريطانية ، وأنتهت العملية بمقتل 1000 جندي وأسر 400 آخرين ، أنتهى الأنسحاب على بعد 75 ميل أعلى النهر عند آل حميسيا , وأصيب سليمان عسكري بك في الشعيبة , وفي النهاية أطلق النار على نفسهِ حزناً على الهزيمة في مشفى في منطقة البرجسية قرب البصرة ، لقد أدى الأندفاع السريع للقوات البريطانية أعلى نهر دجلة إلى تغيير توقعات بعض القبائل العربية بشأن الطرف الذي سوف ينتصر في ذلك الصراع , ولقد كان هناك بالفعل بداية ثورة عربية في حملة سيناء وفلسطين العسكرية مدركين أن الجيش البريطاني أصبحت لهُ اليد الطولى في الصراع الدائر وبالتالي أنضم العرب إلى بريطانيا في هذهِ المنطقة ، وقاموا بالأغارة على المستشفيات الحكومية وقتلوا الجنود في ولاية العمارة ، نتيجة النجاح البريطاني غير المتوقع أعادت القيادة البريطانية تقييم الخطة فقاموا بأرسال الجنرال سير جون نيكسون في نيسان 1915 لتولي القيادة .، ولقد أمر تشارليز طاوزند للتقدم نحو بلدة الكوت بل وحتى إلى بغداد إذا تمكن من ذلك ، تقدم تشارليز بجيشه الصغير إلى أعلى نهر دجلة , ونجح في تحقيق عدة أنتصارات على عدد من الجيوش العثمانية التي أرسلت أليه لوقف تقدمه , وأزداد قلق ناظر الحربية العثماني أنور باشا من احتمال سقوط بغداد ، فقام بأرسال جنرال ألماني عمرهُ 75 عاماً هو كولمار فون دير كولتس لتسلم القيادة العامة للقوات ، ولقد كان الجنرال مؤرخ تاريخ حربي وقد ألف العديد من الكتب العسكرية الكلاسيكية وأمضى سنوات طويلة كمستشار عسكري في الامبراطورية العثمانية في حين ارسل العميد نور الدين ليكون القائد في الميدان ، وفي 22 تشرين ثان تمت المواجهة بين الجيش العثماني أمام خصمهِ البريطاني في معركة سلمان باك التي تقع على بعد 25 ميل جنوب بغداد .، وأستمرت المعركة لمدة خمسة أيام , ولم تكن معركة موفقة للطرفين حيث أنتهت بانسحاب كلا الجيشين من الميدان وأدرك الجنرال طاوزند ضرورة الأنسحاب الكامل من المعركة وسحب فرقتهِ بطريقة منظمة إلى إمارة الكوت وأستقر هناك وتحصن بها ولكن مالبث أن لحقت بهِ الفرق 45و38و35و44 العثمانية بقيادة نور الدين باشا وقوات ملحقة من القبائل العربية , وعادت القوات البريطانية المنهكة والمستنزفة إلى دفاعات إمارة الكوت .، وأكتمل الأنسحاب في 3 كانون اول وفي خلال تلك الفترة خسر الجيش البريطاني 4500 قتيل , أما نور الدين باشا فقد خسر 9500 قتيل من أصل 35000 ولقد فقدت الفرقة 45 حوالي 65% من قواتها ، في 7 كانون اول , بدء حصار الكوت , ومن وجهة نظر العثمانيين أدى حصار الكوت إلى منع الجيش السادس من أداء أي عمليات أخرى ، ومن وجهة نظر الجيش البريطاني فإن الدفاع عن الكوت والأجبار على التراجع إلى ولاية البصرة كان خاطئاً حيث أن الكوت كانت معزولة ، ويمكن الدفاع عنها ولكن يصعب أمدادها ، لقد ساعد الجنرال الألماني كولتز القوات العثمانية على بناء مواقع دفاعية حول الكوت , ثم أعادة تنظيم الجيش السادس إلى فيلقين الفيلق ال13 والفيلق 18 ، وقام نور الدين باشا بأصدار أوامره بأعادة تنظيم دفاعات الجيش السادس الذي يحاصر الجيش البريطاني ، فتم بناء مواقع دفاعية جديدة أسفل نهر دجلة منعت أي محاولة لأنقاذ الجنرال طاوزند الذي اقترح محاولة لكسر الحصار ولكن هذهِ الخطة رفضت من قبل السير جون نيكسون ، ولكنه بعد فترة قبل الأقتراح ، وأسس نيكسون تحت قيادة الجنرال ايلمر قوة أنقاذ ، وأستخدمها في ثلاث محاولات كبيرة لكسر الحصار العثماني ولكن كل تلكِ المحاولات باءت بالفشل ، وفي 20 كانون اول , قام ناظر الحربية أنور باشا بأستبدال نور الدين باشا بالعقيد خليل بيك ، لم يرغب نور الدين باشا أن يعمل مع جنرال ألماني ، وأرسل برقية إلى وزارة الحربية يقول فيها: " لقد أثبت الجيش العراقي بالفعل بأنهُ لا يحتاج إلى الخبرة العسكرية للجنرال كولتز باشا " وبعد أول محاولة فاشلة تم أحلال الجنرال نيكسون بالجنرال لايك ،لقد أستخدم العقيد خليل الحصار لكسر الجيش البريطاني , ووصلت للجيش البريطاني كميات ضئيلة من الأمدادات عن طريق النقل الجوي ولكنها لم توفي أحتياجات القوات البريطانية وأصبحت تواجهة اما المجاعة أو الأستسلام ، في خلال الفترة بين كانون اول  و آذار 1916 , قام ايلمر بشن مجموعة هجمات في محاولة منه لكسر الحصار وأختراق خطوط العثمانيين ، وبالتتابع وقعت تلك الهجمات في مجموعة معارك شرسة أبتدأت بمعركة "شيخ سعد " ومعركة"وادي الفلاحات" ومعركة"الصناعيات" ومعركة"مضيق الحنة" ومعركة " الدجيلة" ومعركة "سابس" ، ولقد حاولت سلسلة الهجمات تلك أن تكسر حصار الجيش العثماني ولكنها فشلت جميعها وكانت الخسائر فادحة لكلا الطرفين ، وفي شهر شباط ، تلقى الفيلق الثامن أمدادات عسكرية ممثلة في الفرقة الثانية مشاة بينما شح الطعام وتدهورت معنويات الجيش البريطاني في إمارة الكوت ، في 12 آذار 1916 ، قتل الفريق محمد فاضل باشا الداغستاني في معركة سابس بعد أن سقطت قنبلة مدفع على خيمته ، فأصدر ناظر الحربية أنور باشا بياناً رسمياً في رثاءه وشيع بموكب عسكري مهيب وكانت جنازتهِ محمولة على عربة مدفع ، يحيط بها كبار رجال الجيش ثم دفن في مقبرة الخيزران ببغداد ، في 19 نيسان توفي الفيلد مارشال الألماني كولتز بعد اصابتهِ بمرض الكوليرا وبعد هذا تكررت المحاولات البريطانية للوصول إلى المدينة عن طريق النهر بواسطة سفينة بخارية ولكنها باءت بالفشل ، وفي النهاية أستسلمت القوات البريطانية بقيادة  طاوزند في 29 نيسان 1916 بعد ن منيت بهزيمة نكراء ووقع 13000 جندي منهم 8000 بريطاني في أيدي الجيش العثماني أسرى ، انها الهزيمة المهينة التي تكبدتها القوات البريطانية في مثل هذا اليوم بمدينة الكوت .

 

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=5331
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 04 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28