• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : فهل من متعض!؟ .
                          • الكاتب : حيدر حسين سويري .

فهل من متعض!؟

رغم قِدَمِ فن القصص، إلا أنهُ حافظ على جمهوره، فهو فنٌ راق، يوصل الحكمة والدرس للآخر، دون أن يخصه بالذكر أو يجرحه، وأغلب القصص تحوي نصيحةً وموعظة، فهل من متعض!؟
 كان بهلول يمشي يوماً في أزقة بغداد, فلقيه رجل تاجر، فقال لبهلول: أريد استشارتك في أمر التجارة
قال بهلول: وما الذي تريد إستشارتي فيه؟
قال التاجر: إن عملي التجارة، فأردت شراء متاع أحتكره ثم أبعه لمن يدفع لي فيه ثمناً باهضاً
ضحك البهلول حتى بان ضرساه وقال: إن أردت الربح في تجارتك فاشرِ حديداً وفحماً
شكره التاجر على ذلك، وإنطلق إلى السوق، فإشترى حديداً وفحماً، وأودعهما في المخزن، حتى مضت عليها مدة مديدة، ولا زالا على حاليهما في المخزن، ولما إحتاج إلى ثمنهما وكان قد إرتفع تلك الأيام سعرهما, باعهما بأفضل ثمن، وربح عليهما ربحاً كثيراً، لكن التاجر إغتر بنفسه وماله غروراً عجيباً، حتى لم يكد يعد الناس وزناً، وأخذ يتحدث هنا وهناك عن عقله، وذكائه وفطنته
وذات يوم مر التاجر ببهلول، ولم يُعر هذه المرة بهلول أهمية، ولم يشكره على ما أشار به عليه سابقاً، بل أثار بوجه بهلول الغبار وسخر منه وقال:
أيها المجنون ما الذي اشتري وأحتكر هذه المرة؟
ضحك بهلول وقال:
إشتر ثوماً وبصلاً وأودعهما في المخزن
خطا التاجر خطوات،
ثم رجع إلى بهلول وقال، وقد بلغة الغرور والعجب:
عليك أن تفخر بمشورة
تاجر موفق، وشهير مثلي إياك
لم يجبه بهلول بشيء
رصد التاجر لشراء الثوم والبصل كل ما يملك من أموال، وذهب صباح الغد إلى السوق لشرائهما، على أمل الربح الكبير ببيعهما، وبعد أشهر مضت على البصل والثوم وهما في المخزن، جاء التاجر فوجد الثوم والبصل قد تعفنا ونتنا, حينها ضرب التاجر بكلتا يديه على أم رأسه وصاح : ياللخيبة!، ياللخسران!
إمتعض التاجر من بهلول، وازداد حنقاً عليه وغضباً، لأنه فقد رأس ماله بسبب بهلول، فأخذ يبحث عنه في كل مكان حتى عثر عليه، فلما رآه، أخذ بتلابيبه وقال: أيها المجنون ماهذا الذي أشرت به علي!؟
لقد أجلستني على بساط الذل والمسكنة!
خلص بهلول نفسه من التاجر وقال: ماذا حدث؟
قص التاجر على بهلول وصوته يرتعش من شدة الغضب مما جرى له
سكت بهلول عن التاجر، وهو يعلم عم يتحدث التاجر، حتى سكت الغضب عنه، ثم قال له: لقد إستشرتني أولاً فخاطبتني بخطاب العقلاء، فأشرت عليك بما يشيرون، لكنك لما أردت إستشارتي ثانيةً، خاطبتني بخطاب المجانين، فأشرت عليك بمشورتهم، فإعلم إن ضرك ونفعك مخبوئان تحت لسانك، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
الوصوليون ومنهم الساسة، يظنون أنهم عباقرة زمانهم! فبعد أن يصلوا على أكتاف الأخرين يتنكرون لهم، وهم كُثر، ولكن الشرفاء الذين تنكر لهم الناس، وهم عباقرة بالقول والفعل، لم يثنهم ذلك التنكر، ولم يتقاعسوا، فقدموا النصح، ولم يستمع لهم أحد، واليوم طبقوا نظرياتهم على أرض الواقع، فهجمت الاقلام المأجورة، محاولة التشكيك بنجاح تلك الافكار والنظريات.
أقول: كفاكم بالله عليكم، لقد سإمنا نعيقكم، أنتم وسادتكم الغربان من أصحاب الفخامة، دعونا نشق طريقنا، ونبني مستقبلنا، فإن لم يكُ بكم نفع، فلا تضروا. 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=54001
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 11 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28