• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الوراثة البيولوجية للإمام الحسين عليه السلام .
                          • الكاتب : حسن الهاشمي .

الوراثة البيولوجية للإمام الحسين عليه السلام

يبقى مكنونا في علياء السماء مباركا شامخا لا تدانيه توافه الأرض الزائلة للمباينة الطبعية بين ما هو سماوي الخصال وأرضي قد يتلوث بالذنوب والآثام، ولا يزال يتسامى في الخلق الرفيع والسيرة الوضاءة ولا يكون انموذجا كاملا لأهل الأرض فحسب، بل إن الملائكة في السماء تتزاحم للإهتداء بنور فيضه الذي يشع لهم كما هو لأهل التقى في هذه البسيطة، وانما وصل إلى هذه المنزلة الرفيعة لأنه تقلب في أحضان طاهرة وانتهل من مراتع صافية وأخذ من العيون الزاخرة بالعلم والحكمة والأخلاق، وطالماتربى في أحضان من الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه، فكان منه امتدادا وهاجا كما أنه منه امتدادا أنسابا، فاختلط الأمتدادان مكونا تلك الأسرة الكريمة التي هي ملتقى النبوة والامامة في أهل بيت أراد الله تعالى أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا.
نعم الاُسرة هي أوّ لما يعكس شخصية أفرا دالمجتمع وأخلاقهم وثقافاتهم ،وفي الغالب تمتدّ جذور الحكماء فيا لأجداد والاُسرالحكيمة ،والأنبياء وأوصياؤهم الذين يتسنّمون ذروة الحكمة ،ينحدرون من سلالة الأبرار والصالحين ،ولانجد أحداً من رجال العالم بإمكانه بلوغ شرف الإمام الحسين عليه السلام وأخيه الإمام الحسن عليه السلام وكرامة اُسرتهما ،حيث إنّ جدّهما خاتم الأنبياء ووالدهما سيّد الأوصياء واُمّهما فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين...
نقرأفيزيارةسيّدالشهداءالتيرويتعنالإمامالصادقعليهالسلام:أشهَدُأنَّكَكُنتَنوراًفِيالأَصلابِالشّامِخَةِ،وَالأَرحامِالمُطَهَّرَةِ،لَمتُنَجِّسكَالجاهِلِيَّةُبِأَنجاسِها،ولَمتُلبِسكَمِنمُدلَهِمّاتِثِيابِها.(مصباحالمتهجّد : ص717).
وعلىالعكسمنذلكالأشراروأصحابالخصالالذميمة،فإنّهميتربّونعادةفيالأحضانالسقيمةوالملوّثة،وتمتدّجذورهمفيالاُصولغيرالصالحةوالاُسرالخبيثة.
وتفيدرواياتالمصادرالمعتبرةبأنّالإمامالحسينعليهالسلامتحدّثفييومعاشوراءخلالخطبةملحميةحولتأثيراُسرةابنزيادالملوّثةفيتخييرالإمامبينالقتلوقبولذلّةمبايعةيزيد،ودورطهارةاُسرتهعليهالسلامفيامتناعهعنقبولالذلّة:ألاوإنَّالدَّعِيَّابنَالدَّعِيِّقَدرَكَزَبَينَاثنَتَينِ،بَينَالسَّلَّةِوَالذِّلَّةِ،وهَيهاتَمِنّاالذِّلَّةُ،يَأبَىاللَّهُلَناذلِكَورَسولُهُوَالمُؤمِنونَ،وحُجورٌطابَت،وحُجورٌطَهُرَت،واُنوفٌحَمِيَّةٌونُفوسٌأبِيَّةٌ،مِنأنتُؤثَرَطاعَةُاللِّئامِعَلى‏مَصارِعِالكِرامِ.(بحارالأنوار : ج101ص197ح32) وهكذافقدأسهمتاُسرةسيّدالشهداءالطاهرةالكريمةفيتكوينشخصيتهالعظيمةوالأبيّةللضيم.
ولميكنالإمامالحسينعليهالسلاممنسلالةالأنبياءالعظاموالقادةالكرامفحسب،بلإنّسلالةالأئمّةمنبعدهتنحدرإليهأيضاً،وخاصّةبقيةاللَّهالأعظمالإمامالمهديعليهالسلامالذييدورالعالماليومحولمحوروجوده،ولاشكّفيأنّهسوفيملأالأرضقسطاًوعدلاًكما ملئت ظلما وجورا.
وفي هذا السياق إن زيارة "وارث" هي أشهر زيارة للإمام الحسين عليه السلام على الاطلاق، تقرأ في مشهده المبارك أو في أية بقعة على الأرض، لما لها من معاني جمة في اقتفاء أثر الأنبياء والصالحين في سيرة وسلوك الإمام الحسين عليه السلام في واقعة الطف وقبلها عبر صفحات حياته المباركة، وإنما سميت بالوارث لتأكيدها على إن الإمام الحسين عليه السلام هو الوارث الفعلي لحركة الأنبياء لا سيما أولوا العزم منهم، ولأن فيه الوراثة التكاملية في انتقال الخصائص الشخصية والاجتماعية من جيل إلى جيل أو فئة إلى فئة أو من شخص إلى شخص وهي ما تعرف بالوراثة البيولوجية ونراها في مدياتها الإيجابية مندكة في شخصية الإمام الحسين عبر تواصله الجنيني بأمير المؤمنين والرسول الأعظم وانبياء الله عيسى وموسى وابراهيم ونوح وآدم عليهم السلام، ولما اغترف منهم شيم الصفوة والخلة والعبودية والوثاقة والولاية عن الله تبارك وتعالى بكل فخر ومقدرة واعتزاز، ولم يأت ذلك اعتباطا وانما بمفردات توفرت في الإمام الحسين عليه السلام كان جديرا بتبوء هذا المقام الرباني المقدس، وفي الوقت نفسه نرى تلك الوراثة ولكن في مداها السلبي متوفرة في يزيد واتباعه الذين ازدحمت صفحات حياتهم بالخصال الذميمة لما توارثوها من ابائهم واجدادهم الذين هم بلا شك ممن حاربوا ووقفوا بالتضاد أمام حركات الإصلاح السماوي وعلى مر الزمان.
ومن هنا فإن الوراثة البيولوجية تنشطر إلى شطرين اساسيين وهما الوراثة المنبثقة من رحم الحضارة الإلهية والوراثة الطافحة من براثن الحضارة الجاهلية وشتان ما بينهما، فالإنسان مجموعة من المواريث الحضارية التي ينقلها كل جيل إلى الجيل الذي يأتي من بعده، بعد أن يتلقاها من الجيل السابق وينميها ويطورها سلبا أو ايجابا، وهكذا تتحرك الحضارة الانسانية عبر الاجيال، وتنتقل من جيل إلى آخر، وتنمو وتتطور بموجب قانون الوراثة، وتنتقل الأفكار والعقائد والتصورات والأعراف والتقاليد والاخلاق من جيل لآخر، ولا يمكن أن تكون الحضارات مرة واحدة وفجأة وخلال جيل واحد، وانما تتكون بصورة تدريجية عبر قرون طويلة وخلال التاريخ، وما نراه اليوم من تطور تكنولوجي في حضارتنا الأرضية إنما هو من تراكم العلوم والاختراعات على مدى قرون متمادية من الزمن ولن يأتي فجأة ومرة واحدة.
وتأتي الخصائص الحسينية التي جسدتها واقعة الطف امتدادا لهذه المواريث الحضارية والأخلاقية التي ورثها الحسين عليه السلام من اسلافه الطاهرين الأنبياء والصديقين، فالإخلاص لله تعالى والتضحية والبذل والعطاء والشجاعة والصمود والصرامة والصبر وعزة النفس وإباء الضيم والاستقامة في الدعوة الى الله والتمرد على الطاغوت وغير ذلك من سمات الإمام الحسين عليه السلام التي هي بحق من مكنونات ذاته المقدسة بالإضافة إلى أنها مواريث حضارية وقيم رسالية عريقة ورثها من آبائه الطاهرين في هذه الرسالة الربانية من آدم صفوة الله، ونوح نبي الله، وابراهيم خليل الله، وموسى كليم الله، وعيسى روح الله، والمصطفى رسول الله، وأمير المؤمنين ولي الله، فالحسين حصيلة هذه المسيرة الحضارية الإلهية ونتيجتها هذه الشجرة المباركة التي تؤتي ثمرها كل حين بإذن ربها.
وهذا هو سر أصالة وقوة معركة الطف وما تجلى فيها من خصائص الحركة الربانية في التاريخ وسر امتداد وبقاء هذه الواقعة في التاريخ، وفي الطرف المقابل نجد أن الجيش الأموي كان يرث في ساحة الطف خصائص الجاهلية من ظلم واستكبار وتهافت على حطام الدنيا وقهر وقسوة وارهاب واضطهاد، وهذا هو ديدن المعسكر الجاهلي الذي يفوح منه الغدر والخيانة وانهم بالتضاد لكل من رفع راية التوحيد والعدل، ويا لهمن صراع مرير بين الحق والباطل إلى أن يبعث الله تعالى المخلـِّص المنقذ في آخر الزمان ليدمغ الباطل ويرفع لواء التوحيد في ارجاء المعمورة.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=54098
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 11 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20