• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : رفقاً ببقايا الدولة .
                          • الكاتب : د . حميد مسلم الطرفي .

رفقاً ببقايا الدولة

 كانت المسافة بين قريته التي يعيش فيها  وبين مدرسته الابتدائية عام 1967م في مركز الناحية  حوالي ثلاثة كيلومترات  يذهب لها صباحاً ويعود ظهراً ، وكان خمسة من معلمي المدرسة يسكنون في ناحية أخرى تبعد اربعة عشر كيلو متر والطريق الواصل بينهم  وبين مدرستهم ترابي وفي الستينيات كان المطر غير ما هو عليه اليوم كانت دورة المناخ في (السبع المعصرات) وليس في ( السبع العجاف ) فحينما تُمطر السماء  يتعذرعلى المعلمين الخمسة  الوصول بالسيارات  فيأتوننا  بالساحبات  وكأني أراهم اليوم وقد خلع بعضهم حذاءه ورفع بنطلونه إلى ركبته كي يصل الى مدرسته واذا اضطرهم الأمر كانوا يبيتون عند اصدقائهم قريباً من المدرسة ويضيف صاحبي في طوال العام بامكاني أن اتذكر كم مرة كان درس الانكليزي او الرياضيات شاغراً !! أتذكر أن الدوام كان في 18/9 وينتظم تماماً في 25/9 أي بعد أسبوع أتذكر  كيف يأخذ عامل النظافة في المدرسة المرضى من الطلاب الى المستوصف الصحي ومعنا كتاب من الادارة لينظر الطبيب أيّنا يستحق الاجازة فيؤشر ذلك رسمياً ويعود الباقون الى صفوفهم وذات يوم ارتبك عامل النظافة وهو يرى الطبيب في غرفته فحيّاه قائلاً ( صباح الخير مستوصف ) فرد عليه الطبيب مازحاً ( اهلاً وسهلاً مدرسة ) ويسترسل صاحبي بالقول أتذكر ذات مرة كتب الطبيب قبالة إسم احد الطلبة متمارض ولم اعرف حينها معناها الا حينما عدت الى المدرسة فتطورت أصداء القضية وارسلوا على ولي امر الطالب وصارت حديث التلاميذ وعرفت حينها ان المتمارض هو الذي يدّعي المرض كذباً وزوراً وعوقب عقوبةً صارمة . أتذكر أن نفوس الناحية كان يديرها ثلاثة موظفين أمين السجل المدني وإثنين من الموظفين وكانت معاملة استصدار هوية الأحوال المدنية لا تستغرق سوى يوم أو يومين . أتذكر كم من الفقراء في ناحيتي ولكن أتذكر هيبة الدولة وسطوة القانون بمأمور مركز (مفوض شرطة ) وسبعة من أفراد الشرطة وسيارة واحدة كنا نسميها ( مسلحة ) . لو تحدث أحد في ذلك الزمان الذي يحكي عنه صاحبي  أن هناك دور أول وثان وثالث للطلاب أو أن موظفاً يستطيع أن يأتي بإجازة مرضية يوقع عليها ثلاثة أطباء ومدير المستشفى وهو لا يشكو من شيء ومتى شاء أو أن قبول الجامعات يعدل ثلاث مرات ليعد بذلك العمداء ثلاثة قوائم لاحقة تلغي السابقة أو أن في كل دائرة ربع موظفيها ليس لهم عمل والآخرون يعملون بجد ساعة أو ساعتين في اليوم فقط  كمعدل أو أن العطل الرسمية تقرر على حين غفلة وكل محافظة بما تراه مناسباً !!!.... لو تحدث أحد بهذا في ذلك الزمان لقالوا عنه مجنون أو ساحر كذاب . لسنا بصدد الحديث عن الحريات العامة ، والانتخابات والديمقراطية وشكل النظام السياسي فذلك كله سيء ولا نحتاج لتوضيحه ، ولكن الحديث عن الدولة ، هيبة الدولة ، مؤسسات الدولة ، قوانين الدولة . حُكِم على أرسطو بالاعدام وكان الاعدام عن طريق تناول السم فزاره أصدقاؤه بالسجن وقد هيأوا له كل أسباب الهروب بدون أي محذور أو ضرر على أحد فأبى ذلك وقال نحن ندعو أن يحترم القانون وما دام الحكم وفقاً للقانون ساتناول السم وساموت ، قد تبدو القصة مثار نقاش ولكن الأصل حفظ النظام العام من الواجبات . فلنحافظ جميعاً على ما تبقى من الدولة وهيبتها وليس من مصلحة أي مواطن متمدن أن تتعرض هيبة الدولة للضعف أو الزوال لا سامح الله .  
 
hmft1961@gmail.com



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=54423
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 11 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28