• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : في الطّريقِ الى كربلاء (6) السّنةُ الثّانية .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

في الطّريقِ الى كربلاء (6) السّنةُ الثّانية

   تُعتبر مسيرة الاربعين المليونية واحدة من أعظم مظاهر الرأي العام في العالم فضلا عن العراق، وهي تشيرُ الى اتجاهاته بشكل دقيق وواضح.
   وللرّأي العام، دائماً وأبداً، دورٌ كبيرٌ جداً في التأثير على السياسات العامة ورسم الاستراتيجيات، بل والضغط على السّلطات لتغيير سياساتها وقناعاتها مهما كانت ظالمة ومستبدّة وبوليسيّة، فالرّأي العام يُسقط أنظمة ويغيّر حكّام ويبدّل سلطات ويستعيضُ خططاً باخرى، ففي تجارب الشعوب والامم الكثير من الأمثلة الحيّة التي تشير الى هذه الحقيقة، وكلّنا يتذكر في مثل هذه الايام دور الرأي العام في مجلس الطاغية يزيد بن معاوية لعنهما الله في الشّام عندما اجبرهُ على الموافقة على ان يعتلي الامام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليه السلام المنبر ويلقي خطابه التاريخي الذي فضح فيه الطلقاء وأبناء الطلقاء الذين حرّم عليهم رسول الله (ص) الخلافة، يزيد وابوه وجده ومن لف لفهم، عليهم جميعاً لعنةُ الله.
   فعلى الرغم من رفض الطاغية يزيد القاطع لاعتلاء الامام للمنبر، خوفا من الفضيحة، الا انّ ضغط الرأي العام وإلحاح الحضور على وجوب قبوله بالأمر مهما كانت النتيجة هو الذي اجبره اخيراً على ان يقبل بالأمر الواقع ويرضخ للطلب المر والصعب ويوافق على اعتلاء الامام للمنبر ويلقي تلك الخطبة العصماء التي نزلت على رأس الطاغية كالزلزال فدمّر عرشهُ الكارتوني البائس على رأسه ورأس بني أمية وال مروان، وهو في عقر داره وفي قمّة زهوه بانتصاراته المزعومة والواهية امام ضيوفه الذين خدعهم بالحقيقة ليكشف عنها خطاب الامام السجاد (ع) والذي حوّل (انتصاره العسكري) الى هزيمة نفسية وسياسية ودبلوماسية وعقدية بطريقة رائعة في المحتوى والاداء.
   ولا اريدُ هنا ان استرسل في ذكر الأمثلة التاريخية الكثيرة جداً بهذا الصدد، فالامر واضح لا يحتاج الى كثير ادلة وبراهين لاثباته، انما أردت ان اتساءل وأقول؛
   متى يكون الرأي العام مؤثرا وفعالاً؟ وما هي شروطه؟ وبعبارة ادق ومباشِرة يمكن ان اصيغ السؤال كالتالي:
   اذا كان عندنا في العراق كل هذا الرأي العام المليوني العظيم، فلماذا يصعب علينا التغيير اذن؟ لماذا يصعب علينا الإصلاح السياسي مثلاً او الاجتماعي او التعليمي او ما أشبه؟ لماذا تسترسل السلطات مثلاً بممارسة الفساد المالي والاداري سنين طويلة من دون ان يقدر الرأي العام على فعل ايّ شيء لمواجهته والاخذ على يد الحاكم الفاسد؟.
   لو عرفنا شروط صناعة الرأي العام الفعّال والمؤثر والضّاغط، فسنعرف الجواب على كل هذه التساؤلات.
   انّ اوّل واهم شروط هذا النوع من الرأي العام، هو وحدة الاتّجاه والهدف، اما اذا كانت الاتجاهات مختلفة وأحياناً متناقضة. واذا انقسم الهدف الى أهداف عدّة، فان محصّلته تساوي صفر، وتلك هي مشكلة الرأي العام في العراق الجديد، انه مليوني بلا شك وعظيم بلا ريب، ولكنه مختلف الاتجاهات ومتعدّد الأهداف، ولذلك يضعف تاثيره ولا يحقق المطلوب. 
   ولتوضيح الفكرة اضربُ مثلاً بيوم الغضب العراقي قبل ثلاث سنوات عندما قرر العراقيون التظاهر ضد حكومة السّلف الفاسدة والفاشلة، ما الذي حصل وقتها؟.
   ليلتها اختلف الرأي العام على اصل الموضوع، هل نتظاهر ام لا؟ وفي اليوم الثاني اختلف المتظاهرون على نوعية الشعارات التي يرفعونها، فمنهم من اكتفى بشعار (كذّاب كذّاب) الذي طاف به الشوارع، وجماعة رفعت شعار (الشعب يريد إسقاط) واُخرى رفعت شعار (الشعب يريد الكهرباء) وثالثة رفعت شعار (يسقط المحافظ) وهكذا، اذا بالرّاي العام يختلف في كل شيء، في اصل الموضوع وفي الهدف وفي الشعارات وفي كل شيء، ولذلك نخرَ الرأي العام نفسه بنفسه من الداخل وبتأثير عوامل من خارجه، فكانت النتيجة انه لم يترك أثراً الا اللّمم، فبعد ان كان متوقعاً انه سيزحف الى المنطقة الخضراء ليكنس السياسيين ويطردهم منها، وان كانوا ليلتها قد تَرَكُوا المنطقة الخضراء عن بكرة ابيهم اذ لم يقضِ ليله فيها احدٌ منهم خوفاً من زحف الرأي العام في اليوم التالي بمن فيهم القائد العام للقوات المسلحة الذي قضى ليلته في العراء، اقصد خارج المنطقة الخضراء، اذا بهذا الرأي العام، وبسبب انّه تحوّل الى طرائق قدداً في الهدف والشعار، لم يتجاوز اثرُه اكثر من إسقاط محافظ او اثنين وإقالة بعض المسؤولين من الدرجة الثالثة او الرابعة، لا ادري، قدّمتهم الحكومة المركزيّة والحكومات المحليّة ككبش فداء ليس الا، ثم عاد الكذب والدجل والفساد الحكومي والشعارات الفارغة على ما كانت عليه لم يتغّير شيئاً من الواقع.
   اذا اردنا ان يكون الرأي العام فعالاً ومؤثرًا علينا أولاً وقبل كل شيء؛
   أولاً؛ تحديد الهدف على وجه الدقة، فان ذلك يساهم بشكل كبير ومباشر في تحقيق التأثير المرجو.
   ثانياً؛ ولتحقيق ذلك، ينبغي ان يكون الهدف وطنياً خالصاً وليس دينياً او مذهبياً او أثنياً او مناطقياً، فالهدف الوطني فقط هو الذي يحشّد الرأي العام خلفه، لانه همٌّ مشترك بين كل اطياف المجتمع العراقي، اما الأهداف والشعارات الاخرى فلا يصطف خلفها الا من ينتمي اليها ومن يشعر بانّ الامر يعنيه فقط.
   ثالثاً؛ ان يكون الهدف معقولا وليس مثالياً او ليس في وقته، اذ كلما كان الهدف معقولا وواقعياً وفي وقته كلما تمكّن من حشد الرأي العام بشكل اشمل وأوسع وأفضل.
   رابعاً؛ ان يلتزم بتوجيهٍ واحد، فعند السعي لصناعة راي عام ينبغي ان يضع الجميع قياداته الخاصة، حزبية كانت او عشائرية او دينية او ما الى ذلك، جانباً، لان تعدد القيادات يؤدي، والحال هذه، الى تعدّد التوجيهات، وتعدّد التوجيهات يسبّب تعدّد الشعارات وبالتالي يزرع الخلاف والاختلاف في الرأي العام الامر الذي ينتهي به الى التمزّق والتفرّق، وبالتالي يُضعف تأثيرهُ فلا ينتج الشيء الكثير.
   ومن اجل ان نكرّس ثقافة الرأي العام في المجتمع ونفعّل دوره في عملية الرقابة والإصلاح والتغيير، اقترح ما يلي؛
   1/ الاهتمام بتاسيس مراكز الأبحاث والدراسات، خاصة المتخصّصة منها.
   2/ الاهتمام بإنشاء المؤسسات المعنية بتنظيم الاستبيانات، فان ذلك يرسم ويقرأ المعالم الأولية للرأي العام في البلاد ازاء القضايا قيد الدرس والبحث.
   3/ الحثّ على وجوب ان تكون النقابات المهنية والحقوقية وعموم منظمات المجتمع المدني، خاصة المهتمة بالسياسة وقضايا الرقابة، مستقلّة بمعنى الكلمة، لتؤدي دورها بعيداً عن الدولة ومؤسساتها، ولتبتعد عن تاثيرات الاحزاب خاصة الحاكمة منها، فهي يلزم ان تكون مرادفة للمؤسسات الرسمية وليس في جيبها او تحت عباءتها او تحت أمرتها بانتظار الإشارة الصادرة منها.
   4/ تدريس (الرأي العام) في المناهج التعليمية ليتحول الى ثقافة؛ ما هو؟ ما هي أهميته؟ كيف نصنعه؟ كيف نوظّفه؟ وكيف نحصد اثره في الواقع؟.
   2 كانون الاول 2014
                       للتواصل:
E-mail: nhaidar@hotmail. com
Face Book: Nazar Haidar 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=54666
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 12 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28