• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : السيد الشهيد محمد باقر الصدر لمحات من سماته الشخصية وومضات من فكره : القسم الثالث .
                          • الكاتب : علي جابر الفتلاوي .

السيد الشهيد محمد باقر الصدر لمحات من سماته الشخصية وومضات من فكره : القسم الثالث

ومما تميز به الشهيد الصدر ( رض) معالجته أطروحة الخلافة بعد وفاة النبي ( ص ) سيما وان الرسول الأكرم )) كان يدرك منذ فترة قبل وفاته ، أن اجله قد دنا ، وأعلن ذلك بوضوح في حجة الوداع ـ ولم يفاجئه الموت مفاجأة . وهذا يعني انه كان يملك فرصة كافية للتفكير في مستقبل الدعوة بعده(( محمد باقر الصدر ـ نشأة الشيعة والتشيع .

فهل يعقل أن يترك النبي ( ص ) وهو خاتم الأنبياء وصاحب الرسالة ألتغييريه لبناء الأمة في الحاضر والمستقبل كون الإسلام خاتم الأديان هل يعقل أن يترك أمته من دون قائد بعده ، وليس وجود قائد أيما قائد كاف لاستمرار الرسالة لتحقيق أهدافها الإسلامية الرسالية التي أرادها الله بل الضرورة تفرض وجود قائد اقرب ما يكون إلى مبادئ النبوة ، ومُعَّداً أعداداً رسالياً خاصاً وبأشراف مباشر من النبي محمد ( ص ) هذه الضرورة )) تفرض على القائد الأول يعد للتجربة قائدها الثاني الذي تواصل على يده ويد خلفائه نموها الثوري ، وتقترب نحو اكتمال هدفها ألتغييري في اجتثاث كل رواسب الماضي الجاهلي وجذوره ، وبناء امة جديدة على مستوى متطلبات الدعوة ومسؤوليتها (( السيد الشهيد ( قدس ( .

ووفق هذه المنهجية التي أراد النبي محمد ( ص ) لها الاستمرار من بعده اعدَّ الرسول الأكرم الإمام علي ( ع ) لهذه المهمة الرسالية ، يقول السيد الشهيد ) قدس ) (( الشواهد كثيرة على أن النبي ( ص ) كان يعد الإمام أعداداً خاصاً لمواصلة قيادة الدعوة من بعده ، فالشواهد على إعلان الرسول القائد عن تخطيطه هذا ، وإسناده زعامة الدعوة الفكرية والسياسية رسمياً إلى الأمام علي ( ع ) لا تقل عنها كثرة ، كما نلاحظ ذلك في حديث الدار وحديث الثقلين وحديث المنزلة ، وحديث الغدير ، وعشرات النصوص النبوية الأخرى )).
 


بعد هذه الحجج العقلية والنقلية يسوق السيد الشهيد ( قدس سرّه ) احتمالات الموقف ما بعد وفاة الرسول الأعظم ( ص ) بطريقة منطقية عقلية . فالاحتمال الأول أما أن يكون الرسول ( ص ) قد أهمل أمر الدعوة الإسلامية بعد وفاته و ((ترك مستقبلها للظروف والصدف (( ، وهذا احتمال لا يمكن افتراضه لأنه لا ينسجم وطبيعة الرسول محمد ( ص ) وحرصه على مستقبل الإسلام والدعوة حتى وهو على فراش الموت حيث قال ( ص )) ( ائتوني بالكتف والدواة اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً (( فهذا يدل على أن الرسول حريص كل الحرص على آلمستقبل وعلى استمرار منهج النبوة من بعده ، وتحصينها من الضياع أو الانحراف.

والاحتمال الثاني أن الرسول لم يهمل أمر الدعوة واهتم بمستقبلها إلا انه ترك أمر اختيار القائد من بعده إلى الأمة عن طريق الشورى ، وهذا الاحتمال يستبعده السيد الشهيد أيضاً لأسباب عديدة منها واقعية وموضوعية وهذا منهجه في البحث ومن جملة ما ذكره السيد الشهيد في هذا المجال قوله )) أن النبي لم يمارس عملية التوعية على نظام الشورى لان هذه العملية لو كانت قد أنجزت لكان الطبيعي أن تنعكس وتتجسد في الأحاديث المأثورة عن النبي ( ص ) وفي ذهنية الأمة ... مع أننا لا نجد في الأحاديث عن النبي ( ص ) أي صورة تشريعية محددة لنظام الشورى(( ـ نشأة الشيعة والتشيع .

وبقي الاحتمال الثالث الذي يحدد موقف الرسول ( ص ) من الدعوة بعد وفاته وهو (( أعداد ونصب من يقود الأمة . وهذا هو الطريق الوحيد الذي بقي منسجماً مع طبيعية الأشياء ومعقولاً في ضوء ظروف الدعوة والدعاة )) وهكذا فان الوقائع العملية وسلوك النبي في هذا المجال هو الذي )) يضمن مستقبل الدعوة وصيانة التجربة في خط نموها .. والذي تبنى هذا المنهج هو التشيع الذي تبنى التجربة النبوية في أن يختار (( بأمر الله سبحانه شخصاً يرشحه عمق وجوده في كيان الدعوة ، فيعده أعداداً رساليا وقيادياً تتمثل فيه المرجعية الفكرية والسياسية للتجربة ، وليواصل بعده ـ بمساندة القاعدة الشعبية الواعية من المهاجرين والأنصار ـ قيادة الأمة وبناءها عقائدياً ، وتقريبها باستمرار نحو المستوى الذي يؤهلها لتحمل المسؤوليات القيادية )) ويضيف السيد الشهيد ( قدس )) ( وهكذا وجُد التشيع في إطار الدعوة الإسلامية متمثلاً في هذه الأطروحة النبوية التي وصفها النبي ) ص ) بأمر من الله ـ للحفاظ على مستقبل الدعوة (( .

وإذ يطرح السيد الشهيد رؤاه الفكرية لصيانة الرسالة الإسلامية من الانحراف كما أراد الله تعالى لهذه الرسالة من تحقيق أهداف اجتماعية وإنسانية ، حيث جعل الله تعالى ضمانة عدم انحرافها التزام خط الرسول ( ص ) ومن بعده التزام خط علي ( ع ) والأئمة المعصومون ) ع ) لبناء قاعدة الرسالة والدعوة للحاضر والمستقبل ، ومن خلال فهم علي ( ع ) والأئمة المعصومين ( ع ) من بعده للرسالة والدعوة بترسيخ المنهج السليم في الحفاظ على كيان الإسلام الشامل والصحيح . وإذ يطرح السيد الشهيد ( قدس ) هذا المنهج لا يطرحه بصفته المذهبية بل يقدمه أطروحة أسلامية متكاملة لجميع المسلمين وبطريقة علمية عقلية تنأى عن التعصب والانغلاق ، بل يطرحه بالطريقة المنفتحة المرنة التي تجمع المسلمين عموماً على المبادئ المشتركة خارج أطار التمذهب والتعصب انطلاقاً من وعيه وشعوره بالمسؤولية تجاه أمته ودينه المهدد من أعداء الإسلام بمختلف اتجاهاتهم إذ أن هؤلاء الأعداء يحاربون الإسلام كمنهج للحياة ، ولا يميّزون بين مسلم وأخر إلا بما يخدم أهدافهم حيث نراهم أحياناً يتبنون مذهباً من المذاهب ويحاولون نصره على المذاهب الأخرى من اجل خلق الفتنة الداخلية لقتل الإسلام من الداخل ، سيما إذا وجدوا في المذهب الذي يدعمونه بذور التعصب الأعمى تجاه المذاهب الإسلامية الأخرى إذ يغذون هذه العصبية لغرض الهدم وزرع بذور التمزق الذي يقود إلى الضعف وإذا وجدوا رجال دين مسلمين يحملون هذه الأفكار المنحرفة فان أعداء الإسلام يحتضنوهم ويقدمون لهم كل الدعم خدمة لأهدافهم في زرع بذور الفرقة والعداء بين المسلمين ، ومن هذا المنطلق أدرك السيد الشهيد هذه النوايا السيئة لأعداء الإسلام فحمل أسلام أهل البيت إسلام المحبة والإنسانية فطرحه بصورته الناصعة كدين عالمي يدعو إلى العدالة ونبذ الظلم ويدعو إلى التزام الإنسان والدفاع عن حقوقه التي منحها الله تعالى له من الحرية والكرامة والعيش الكريم والتي صودرت وحوصرت من النظريات الغربية الوافدة . هذا الطرح الكلي الذي تبناه السيد الشهيد دعاه إلى إن يطرح منهج أهل البيت ( ع ( ، بطريقة تتناسب ومسؤوليتهم في قيادة الأمة إذ أن((هناك دور مفروض للائمة في نص الشريعة الإسلامية ، في عالم التشريع ، وهو دور صيانة تجربة الإسلام ، تجربة المجتمع الإسلامي التي أنشأها النبي ( ص ) ، وكان المفروض أن هذه القيادة تتسلسل في هؤلاء الأئمة ألاثني عشر ( ع ) واحداً بعد الأخر (( . محمد باقر الصدر ـ أهل البيت ..تنوع ادوار ووحدة هدف .

هذا الدور والتسلسل الذي اختاره الله تعالى حفاظاً على الإسلام من الانحراف ، فيما لو تولى الأمر أناس آخرون له ثلاث مراحل حسب تشخيص السيد الشهيد ( قدس ) : حسب ما ذكره في كتابه أهل البيت .

المرحلة الأولى )) وهي تفادي صدمة الانحراف ، هذه المرحلة التي عاش فيها قادة أهل البيت ( ع ) مرارة الانحراف ، وصدمته بعد وفاة رسول الله ( ص ) ... الأئمة ( ع ) في هذه المرحلة قاموا بالتحصينات اللازمة بقدر الامكان .. فحافظوا على الرسالة الإسلامية نفسها (( ، فمن اضطلع بهذه المسؤولية من أهل البيت ( ع ) الأمام علي والإمام الحسن والحسين وعلي بن الحسين .

المرحلة الثانية )) وهي التي شرع فيها قادة أهل البيت ( ع ) ـ بعد أن وضعوا التحصينات اللازمة .. ضد صدمة الانحراف ـ ببناء الكتلة المنضوية تحت لوائهم (( وفي هذه المرحلة لا يعني أن المسالة حدية بحيث تنتهي مرحلة وتبدأ أخرى أنما هناك تداخل ، ولكن هناك اولويات أيضاً ، فمرحلة التحصين ضد الانحراف لا يعني أنها انتهت بل أصبح خطرها اقل بحيث يأتي دور الأمام لبناء حالة جديدة أخرى يتطلبها الظرف الموضوعي إضافة إلى حماية التحصين بدرجة من الدرجات ولكن الجهد الأكبر للائمة ( ع ) انصب في هذه المرحلة على بناء الجماعة التي تبنت مشروع أهل البيت ( ع ) بمساعدتهم في فهم الإسلام وبناء مرتكزاته الأساسية والأئمة الذين قاموا بهذا الدور إضافة إلى الأمام علي بن الحسين الذي اعتبره السيد الشهيد نهاية المرحلة ولكن ليس بصورة حدية بحيث يمكن أن تقول )) هذه اللحظة هي نهاية المرحلة وبداية أخرى وإنما هذا التصور يتفق مع طبيعة الأحداث المتصورة في خط تاريخ الإسلام))   أهل البيت ... محمد باقر الصدر .

فيعتبر السيد الشهيد زمان الأمام الباقر ( ع ) الذي استمر بمنهج إبائه في التحصين ضد الانحراف بالإضافة إلى دوره في توعية المجموعة المنضوية تحت لواء الأئمة ( ع )) ( حتى تكون هذه الجماعة ، هي الرائد والقائد والحامي للوعي الإسلامي الذي حصن بالحد الأدنى ، هذا العمل مارسه الأمام الباقر ( ع ) على مستوى القمة واستمرت إلى زمن الأمام الكاظم((

المرحلة الثالثة : بدأت بحياة الأمام الكاظم ( ع ) حيث هي متداخلة مع المرحلة السابقة ، ففي هذه المرحلة بالإضافة إلى استمرار الأئمة عليهم السلام في التحصين وبناء الوعي الجماهيري خاصة عند الجماعة التي تبنت مذهب أهل البيت ( ع ) ، إلا أن هذه المرحلة (( لا تحدد بشكل بارز من قبل الأئمة ( ع ) أنفسهم ، يحددها بشكل بارز موقف الحكم المنحرف من الأئمة أنفسهم ، وذلك لان الجماعة التي نشأت في ظل المرحلة الثانية التي وضعت بذرتها في المرحلة الأولى نشأت ونمت في ظل المرحلة الثانية .... وبدا للخلفاء أن قيادة أهل البيت ( ع ) ، أصبحت على مستوى تسلم زمام الحكم والعود بالمجتمع الإسلامي إلى حظيرة الإسلام الحقيقي )) وهذا خلّف بشكل رئيسي ردة فعل للخلفاء تجاه الأئمة ( ع ) من أيام الأمام الكاظم ( ع ) ـ محمد باقر الصدر ( قدس ( .

أن اتجاه السيد الشهيد ( قدس ) في دراسة حياة الأئمة ( ع ) بصورة كلية ، لتأكيد مفهوم أن كل أمام من الأئمة ( ع ) له دور معين يتحدد حسب الظروف الموضوعية الواقعية زمن الأمام فعندما حارب الحسين يزيداً حتى استشهد أنما لقيام الحجة لهذا الموقف كذلك موقف الأمام الحسن ( ع ) مع معاوية أنما الظروف الواقعية هي التي تفرز الموقف الذي يلتزمه الأمام حيال أي حالة وهو يتصرف بحكم كونه إماماً معصوماً منُّصباً باختيار ألهي ولياً وخليفة للرسول الأكرم ( ص ) ، فعندما ندرس حياة الأئمة ( ع ) بصورة جزئية تظهر مثل هذه المواقف في الحياة التفصيلية للإمام لكن عندما ندرس حياة الأئمة ( ع ) كلية وفق الخط الإسلامي الذي يسيرون فيه تتلاشى هذه الفروقات والتناقضات في المواقف والتي تبدو ضمن الحالة الجزئية أنها مختلفة الواحد عن الأخر ، ومن هنا يتوضح أهمية منهج السيد الشهيد ) قدس ) في دراسة حياة الأئمة ( ع ) بصورة كلية ، لكن . هذا لا يعني إلغاء التعرف على الحياة الجزئية التفصيلية لكل إمام إذ أنّ هذه الحياة الجزئية هي التي تؤسس لدراسة الحياة الكلية للائمة ( ع ) وفي هذا الصدد يقول السيد الشهيد في كتابه  أهل ... البيت ... )) أن هذه الدراسة الجزئية نفسها ضرورية لإنجاز دراسة شاملة كاملة ملائمة ككل ، إذ لابد لنا أولاً أن ندرس الأئمة بصورة مجزئة تستوعب إلى أوسع مدى ممكن حياة كل إمام ، بكل ما تزخر به من ملامح وأهداف ونشاط ، حتى نتمكن بعد هذا أن ندرسه ككل ونستخلص الدور المشترك للائمة ( ع ) جميعاً ، وما يعبرون عنه من ملامح وأهداف وترابط  
من هذا نستنتج إن الأئمة عليهم السلام )) مشروع سياسي وفكري لقيادة الأمة واستلام سدّة الحكم وإدارة الحياة العامة ، وان كل واحد من هؤلاء الأبرار مارس دوراً فيه من الخصوصيات والاشتراك مع ادوار الآخرين بحيث يشكلون بمجموعهم مجموعة فريدة ومتكاملة
 (( شبهات عقائدية – عمار ابو رغيف
 
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=5515
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 05 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20