.. أتردد ثم يجرني قلمي لاكتب شيئاً عنك ..!! ثم أتردد .. !! ، حتى ينسلّ قلمي خلسة ليسرق حبراً ، فلا يجد منه إلا فؤادي ، نعم يا صاااحي هذه هي أيامي كما ترى تقلبها كلاب الحوأب بين النواويس و كربلاء ، حتى ينثر حبره الأحمر على وريقات البردي ، ليصرخ الحلاج في حلوله : ( أنا مَن أهوى و مَن أهوى أنا نحن روحان حَلَلنا بدنا ) ليعتكف بحر العلوم في سيره و سلوكه : ( .. بعد تخطي هذه المرحلة عليك تحصيل الهادي .. ) ، فيسرق دانتي رسالة الغفران ليقول في الكوميديا الإلهية : ( نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الاول ) ، فيعاود التردد ماسكاً ممحاته ليحرق ما تبقى من أحلام البردي ثم فؤادي ... ، و من ثم أتضرع في ليلة دهماء سُرِق منها القمر ، مناجياً السماء : ( الغوث الغوث الغوث خلصنا من النار يارب .. ) ، و كإن صدى كلماتي تلحنها السماء : ( و لعل الذي ابطأ عنك هو خير لك لعلمي بعاقبة الامور .. ) ، فينتابني الذهول .. بدلاً من ترنيمتي تلك ؟! .. ، حتى اتوسل قلمي ليتصبر عليّ فهذه إرادة السماء ، و لكن تجثم على صدري رغبة لقائك ، ثم يحاول قلمي أن يوقد جذوةً في صدري ، و يصر على أن يُسمعَني لحناً كأنه الماضي و الحاضر ، و تستعر رغبتي للقائك فهي مسألة حياة أو موت كما صورها ، حتى أمسيت أفكر وأفكر ، و عساني بنينوى و أستغيث بالقبة : ( ياااا كعبة الأحرار أنا عاشق ... ) كررتها كثيراً و بصوت يشبه عنين الناعور ، فلم يجبني إلا نقوشٌ من أنفاس الجواهري كُتِبتْ على القبر الشريف أعطتني درساً من دروس الصبر : ( و كأن يداً من وراء الضريح حمراء مبتورة الإصبع ) ، و باتت الطرقات تجول فيَّ ، و تبثُّ الرعب في قلبي ، و ساورني الشك و ضاجعني الوهم ، حتى وصلت إلى شاطئ الضياع ، فقررت الرجوع من نينوى بإحدى مركبات الأجرة و إذا بالمذياع يرتل : ( قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا .. ) ، يااا إلهي كيف غابت عني إرادة السماء ؟! ، حينها أدركت معنى (( التسليم )) ، فرميت نفسي من المركبة و أنا أركض إلى نينوى ، و معركة الطف خطفتها ذاكرتي حتى وصلت الحسين ( عليه السلام ) و هو يكرر ( لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم و إنا لله و إنا إليه راجعون ) عند كل قتيل فتحول الإدراك إلى اعتقاد في صدري ، عندها وقفت أستلهم الثورة .. فوارث و العهد ، ثم اتجهت عيناي إلى الكوفة : ( يا يوسف فاطمة سلمتكم أمري ..)
|