• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : فجر ليبيا ولادة من دخان حرائق العرب .
                          • الكاتب : صالح الطائي .

فجر ليبيا ولادة من دخان حرائق العرب

ما كان تفتيت الوطن العربي وإسقاط أنظمة الحكم فيه ليتم إلا من خلال مشروع كبير، وما كان لهذا المشروع أن يمر إلا إذا ما ألبس أثوابا مزركشة، وطلي بألوان زاهية مبهجة جميلة، وأطلقت عليه أسماءً تعد بالأمل والانفتاح والفرح، مستوحاة من بهجة الربيع.
من هنا، من هذه الوهاد المتعرجة القاسية، جاءت تسمية (الربيع العربي) التي أطلقت على هذا المشروع التخريبي الكبير؛ الذي استنزف كافة قدراتنا البشرية والعمرانية والاقتصادية والفكرية، وحول شعوبنا إلى مجاميع هائجة تتقاتل فيما بينها، وتغفل عن عدوها.
من هنا انطلقت عاصفة الدمار ومرت مساوئ هذا الربيع الهوجاء في العراق وتونس وليبيا واليمن ومصر وسوريا، ضمن خطة محكمة للتحكم بجغرافيتنا المشارقية والمغاربية، وحصل ما حصل.
وكم كانت دهشتنا حينما رأينا العاصفة تختار أهدافها بعينها دون غيرها، فتتجاوز نظما أقل ما توصف به، أنها: متخلفة رجعية دكتاتورية استبدادية، لتوقد الحرائق في أهداف أخرى أقل منها تخريبا وخطرا. وحينما تكلمنا عن هذه الانتقائية لامنا البعض، وشكك البعض الآخر بنوايانا، وعدنا البعض من عملاء تلك الأنظمة التي أزعجنا سقوطها بذلك الشكل المخزي.
اليوم بعد مرور أربع سنوات على عاصفة الخراب؛ لا زالت تلك البلدان التي قوضت العاصفة نظمها، تعيش على كف عفريت داخلي ممكن أن ينطلق من عقاله ليحرق ما بقي فيها مما لم تصبه أيام القهر والهمجية الأولى بالخراب، وهي حتى وإن بدت مستقرة ظاهريا؛ فإن استقرارها مجرد هدوء تتقد في أرجائه العواصف والصواعق التي تنتظر فرصة الانقضاض. ولنأخذ على سبيل المثال ليبيا التي كلما بدا وكأنها تجاوزت الأزمة، تطل الفتنة الملعونة برأسها هنا أو هناك، مرة تطالب بنظام الأقاليم الممهد للتقسيم، وأخرى تهدف إلى استمرارية تغيير الحكام حسب الهوى، وثالثة تأسيس جيوش موازية للجيش النظامي قوامها الأشخاص الذين تطوعوا لخوض مشروع التغيير الأول؛ ممن أطلقوا على أنفسهم أسماء توحي وكأنهم حرروا بلدهم من مستعمر خارجي، ثم تحولوا بعد (التحرير) المزعوم إلى إخوة أعداء يتقاتلون فيما بينهم لفرض سيطرتهم.
من هذه المجامع النافرة جماعة أطلقت على نفسها اسم (فجر ليبيا) هي عبارة تحالف تم تأسيسه بتوحيد عدد من الميليشيات الإسلاموية، مثل: درع ليبيا الوسطى، غرفة ثوار ليبيا في طرابلس، معسكر27، فضلا عن ميليشيات إسلاموية أخرى من مصراته وغريان وزلتين والقاعدة ومسلاته والزاوية وصبراته، والحرس الوطني الذي يتزعمه وكيل وزارة الدفاع وعضو الجماعة المقاتلة الليبية السابق خالد الشريف.

إن مجرد اتخاذ هذه الميليشيات صفة (الإسلامية) يؤكد بما لا يقبل الشك انتمائها أو تعاونها مع تنظيم القاعدة الإرهابي، ومع الحركة السلفية الجهادية، وباقي التنظيمات الإسلامية المتطرفة في العالم، والدول الداعمة للإرهاب.
ومجرد اتحادها فيما بينها وابتعادها عن التنظيمات الأخرى يؤكد فئويتها وجمودها وانغلاقها. وبالتالي يؤكد أن مشروعها لن يقف عند حدود بعينها، وأنه سيبقى نقطة غليان إلى أن يحقق لهم الجلوس على كرسي الحكم كما حدث في البلدان الأخرى ومنها مصر.!
والدليل أنه بعد كل الجرائم التي اقترفتها هذه الميليشيات المنضوية تحت مسمى (فجر ليبيا) منذ الأيام الأولى للتمرد في 2011 والذي عرف باسم (تحرير طرابلس)، وبعد الخراب والدمار الكبير الذي أحدثته في ليبيا خلال السنوات المنصرمة، عادت قبل مدة من اتلزمن فشنت هجوما للاستيلاء على مطار طرابلس الدولي وما يجاوره من معسكرات الجيش النظامي؛ الذي يشكل أهل منطقة الزنتان غالبية رجاله، والزنتان جماعات غير مؤدلجة، أبرزها كتائب القعقاع، الصواعق، المدني، وكتيبة حماية المطار، فضلا عن قوة عسكرية من أحياء طرابلس مثل فشلوم وبوسليم وحي الأكواخ، شنت فجر ليبيا هذا الهجوم لمجرد أن التيار المدني تفوق على التيار الإسلامي في جلسة مجلس النواب المنتخب، وبالتالي تسبب هجومهم الذي قاده عضو المؤتمر الوطني العام السابق عن مدينة مصراته "صلاح بادي" في إحداث أضرار مادية جسيمة في المال العام والخاص بما في ذلك الحريق الكبير الذي شب بخزانات الوقود الرئيسية في طريق المطار بطرابلس والتابعة شركة البريقة لتسويق النفط فضلا عن تضرر عدة مبان وتدمير وتخريب الطائرات المدنية التي كانت رابضة بمطار طرابلس والتابعة لشركات ليبية وأفريقية، كما تسبب القصف بالصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى بأضرار جسيمة في مباني ومنشآت المناطق المحيطة بالمطار فضلا عن القتلى الجرحى.
ثم عادت هذه الميليشيا الإسلاموية فشنت يوم 13/6/2014 هجوما بالطائرات الحربية ضد ميناء السدرة النفطي الهام؛ حيث قصفت خزانات الوقود فيه مما أدى إلى احتراق خمسة خزانات كبيرة، تعجز السلطات المحلية عن السيطرة على نيرانها حتى هذه الساعة، والتي باتت تنذر بالتمدد مما استدعى الحكومة الليبية طلب العون الدولي.
ومنه يتأكد أن فجر ليبيا كأنموذج للميليشيات التي قادت وفجرت حمم (الربيع العربي) تريد أن تستمد الضوء من الحرائق التي تشعلها في البنى التحتية والاقتصادية للبلاد، وقد يدعوها ذلك إلى إحراق البلاد كلها بنار أزلية لكي تستحق هذه التسمية بجدارة وامتياز.
وما تلك إلا صور أخرى من صور فوضى (الربيع العربي) الذي مد أذرعه إلى كثير من بلداننا بتخطيط خارجي ودعم مباشر من الحركات الإسلامية المتطرفة، والبلدان التي تتبع ـ كما تدعي ـ منهج الإسلام في الحكم، فتقطع يد السارق وتجلد المخالف.
وهنا يثبت الإسلام السياسي المعاصر مرة أخرى فشلة في تقبل التغيير وعدم قدرته على التماهي مع التطور. ويؤكد أن من يريد القضاء على الإرهاب عليه أولا أن يجفف منابعه التي توفرها له تلك البلدان والمنظمات؟!



 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=55676
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 12 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29