إن كان للحرب نتائج وأهداف يتوخاها مُشعِلوها، فإن ما تستوفيه من استحقاقات مادية وبشرية لا تتناسب بأي حال مع نتائجها وأهدافها مهما بلغت، وكلما تطورت وسائل الحرب اتسعت رقعة الاستحقاق وأمعنت في استيفاء المزيد منها، فالحرب العالمية الثانية راح ضحيتها أكثر من 70 مليون انسان على ما قيل، سوى ما دمرته من عشرات المدن تدميراً شبه كامل.
اما الحروب في العراق، فلا تغيب عن ذاكرة العراقيين صورُ حروبٍ متوالية شهدوها خلال أربعة عقود مضت من دمار ومظالم وأعزة فقدوهم، ومع ان الحروب السابقة لم تكن قليلة البأس، لكن آثار الحرب الاخيرة التي يشنها داعش على العراق هي الابلغ والاوجع والابقى في وجدان العراقيين وعلى كل شبر من أرضهم، إليكم بعض صورها :
1- لا يستطيع أحد إنكار مدى الانشقاق الذي ولّدته هذه الحرب بين أبناء الشعب الواحد، فانتساب داعش للمدرسة السنية، حمّل سنة العراق، لا سيما في المدن المغتصبة، كل أوزارهم في نظر شركائهم في الارض من شيعة وإيزديين ومسيحيين وشبك، رغم ان كثيرين من أهالي هذه المدن أدركوا بعد وقت قصير خطأ ترحيبهم بظهور هذا الداء بين ظهرانيهم.
2- ان صدور فتوى بالجهاد من مرجع أعلى للشيعة إثر ظهور داعش، واستجابة الآلاف منهم لنداء المرجع وصدهم لداعش ودحره في اكثر من موقع، ورغم ان الفتوى لم تقصد حماية الشيعة وحدهم من هذا خطر الذي لا يستثني بلاؤه من العراقيين أحداً، إلا ان كثيراً من سنة العراق راحوا يحمّلون هؤلاء الملبّين استحقاقات ومظالم وآثار القتال الجاري في مناطقهم، ولا يخفى ما قد يخلفه ذلك من ضغائن وأحقاد وثارات بين الطائفتين الكبريين، قد لا تمحوها إلا سنين طوال.
3- ان تعاطف او خضوع أهالي المناطق التي سيطر عليها داعش، وانخراط الكثير من أبنائهم في صفوف التنظيم ومشاركتهم في القتال معهم، أجبر قوات التحرير من حشد شعبي وجيش وشرطة على التعامل بريبة مع سكنة المناطق المحررة، يقابله توجس وقلق من الأهالي انفسهم، دفع الاكثر منهم للهجرة والتشرد وترك منازلهم خوفاً من الملاحقة، ما خلق هجرة واسعة النطاق حولت كثيراً من المناطق الى مدن أشباح، وترجح المؤشرات بقاء هذه الحالة مدة ليست بالقصيرة.
4- إن انعدام شعور عناصر داعش بالمسؤولية تجاه اي شيء في العراق، وعدم مبالاتهم بالمال العام والخاص، جعلهم لا يتورعون عن تخريب الطرق الكثيرة بالعبوات وتفخيخ الدور الخاصة وتفجير البنايات العامة وإحراق المعامل والآليات ونسف الجسور الضخمة والاستراتيجية كأبسط إجراء يوقف ملاحقة قواتنا لهم، كجسر الزركة والخازر وجسر سامراء- تكريت وجسر العظيم وغيرها، خلف دماراً في العراق لا يستطيع تصوره إلا من شاهده بعينيه.
5- أهم من ذلك كله، ما خلفته هذه الحرب من دمار اخلاقي وقيمي، فقد تسربت أخلاق داعش وطقوسها في الحرب والحكم حتى الى أعدائها ومن يجاهد لقتالها، من ذبح وتمثيل وعنف وتعذيب وقسوة، فأصبح البعض لا يتردد من نشر ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي تبجحاً واستهتاراً، رغم وضوح حرمته وقبحه ولا انسانيته.
|