• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نستورد كل شيئ؟!! .
                          • الكاتب : د . صادق السامرائي .

نستورد كل شيئ؟!!



المجتمعات التي تستورد كل ما تحتاجه , كيف تتجرأ على القول بأنها مجتمعات ذات سيادة , وقوة وقدرة على تحقيق العزة والكرامة والأمن والأمان؟!!

منذ الصغر وأنا أعرف أن الدراجة الثلاثية العجلات الحمراء اللون التي كنت أركبها ألمانية الصنع , والأدوات التي نستعملها في البيت ليست من صنع بلادي , وحتى الحليب معظم الأحيان يكون فرنسيا , فالحليب المجفف خصوصا كان مستوردا , والشاي والقهوة والرز والسكر.

منذ الصغر وعندما أجيل النظر في البيت والمدرسة والشارع وبيوت الأقارب والمعارف , يبدو كل شيئ مستورد كالراديو والتلفاز وآلة التسجيل والتصوير , والسيارة والعربة , وحتى قطع الأثاث وأواني الطعام , والملابس والكثير جدا من الحاجات , أما الطائرات والسلاح والعتاد فحّدث ولا حرج!!

نشأنا جميعا على أننا نستورد , وتحققت في أعماقنا سايكولوجية الإستيراد أو الإعتماد على الغير حتى في الطعام , أي أن المجتمع قد تربّى على أن يكون عاجزا مُستهلِكا , ويغذي هذا السلوك العدو الأكبر ألا وهو (النفط) , الذي عزز هذه الآليات التدميرية , حتى أصبحنا غير قادرين على إطعام أنفسنا , فاستوردنا الحنطة والرز والخضراوات , وربما سنستورد التمر أو قد إستوردناه فعلا.

وهكذا فأن الأرضية النفسية والسلوكية والفكرية للإستراد قد إنغرزت في اللاوعي الجمعي , وبسببها لا تكون هناك ممانعة لإستيراد أي شيئ آخر , ويمكن تصدير كل ما لا يخطر على بال إلينا , من أفكار وتصورات وإنحرافات وأضاليل , وحركات وفئات وتجمعات , وموجودات سلبية مُدمِّرة , لأن المجتمع بأسره مؤهل للإستيراد.

فكل ما يحصل في مجتمعاتنا اليوم هو مُصنع في مُجتمعات أخرى ومُصدّر إلينا , ولا يمكننا أن نرفضه , لأننا من أعجز المجتمعات المعاصرة على التصنيع , فتجدنا نستورد مضادات ما صُدّر إلينا من الويلات , ونحارب بالسلاح المستورد قِوى وتنظيمات مسلحة تقاتل بذات السلاح!!

حتى صار المُستورَد يقاتل المُستورَد في ديارنا!!

ذلك جانب مما يحصل في مجتمعات إعتمدت على النفط في تحقيق أعلى درجات الهوان والإضطراب والتداعي والخسران , ولا تزال تستورد وتستورد , ولا تدرك أنها تستورد ما يدمرها ويَرهنها , ويصادر حاضرها ومستقبلها وأمنها وسيادتها , ويحولها إلى توابع في فلك الإعتماد على الآخرين وتسليم الأمر لهم.

وما دمنا مجتمعات تستورد , فأن كل شيئ يمكنه أن يُصدّر إليها , وخصوصا بضاعة الإرهاب الجديدة ذات الربحية الفائقة والنتائج المثمرة!!

بل أن ما عندنا من معتقدات وتراث وقيم ومُثل وتقاليد وأعراف , يًعاد تصنيعها وتصديرها إلينا , فنتوهم بأنها من صنعنا!!

فهل تصدقون بأننا نستورد كل شيئ حتى النفط؟!!!




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=56841
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 01 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29