• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : فارس ملكة سومر .
                          • الكاتب : عبير آل رفيع .

فارس ملكة سومر

لقد كانت ملكة سومر تحلم طويلاً أن تكون مدينتها أور أجمل مدن الشرق والعالم ، وكانت ترى فقط من بين فرسانها فارس أحلامها الذي  أنتظرته طويلاً .. لكنها  لم تراه سوى في الأحلام ، وعند العصر وقبل أن ينزل قرص الشمس إلى المغيب بينما هي مستغرقة في أحلامها وجدت نفسها تجلس على شرفة القصر الملكي بمدينة أور ويحيطها الحراس والخدم من كل صوب وحدب ،  أخذت تستغرق النظر في الأفق البعيد وهي ترى مدنها الجميلة العصية المنيعة  ، رأت بلاد سومر وكأنها في أبهى حللها ، لقد كانت أروع مما قيل وكتب عنها ، أراضيها خضراء خصبة تلفت الأنظار لجمالها ، وهناك غاباتها التي أشتبكت أشجارها فحالت المكان إلى فردوس جميل ، كانت الأنهار تتدفق بوداعة وهي تنساب وكأنها تمشي الهوينا  وبينما هي تتأمل  داخل تلك المدينة الزاهية بحلة جمالها رأت فارساً في الأفق وهو على جواده يتجه نحوها  كان يحمل شيئا معه لم تعرفه للوهلة الأولى ، لم يكن كباقي الفرسان يحمل السيف والرمح ، بل كان يحمل بيده الريشة وورقة البردي ، كان فارساً مهابا ، لم يكن شاباً بل كان في منتصف العمر كان شعره الفضي قد أضاف له  جمالا لجماله ، وكان دلالة على الحكمة والوقار التي يتحلى بها الحكماء .  
لقد هفا قلب الملكة وهي تنظر إليه عندما كان يترجل عن فرسه الشهباء منحنياً لها.
قالت في نفسها : أوه ما أكثر الشبه بين الذي كنت أفكر به وبين هذا الفارس طلب منها أن تأذن له بالجلوس والحديث معها ، تبسمت له وأشارت له بالجلوس بقربها ، حاولت أن تتعرف على ما يحمله بيده ، وماذا كان يخفيه بجعبته ، ما الذي جعله واثق من خطواته نحوها .
قال لها أنه  شاعر من العصور القديمة جاء ليرسم لها بالكلمات تلك اللوحة الرائعة التي مازالت تنتظر من يرسمها لها ، أذنت له وهي تنظر إليه بشغف .
مسك ريشته كمتمرس وأخذت أنامله تكتب وتبوح عن جمال لوحاته التي نقشها على  جريدة البردي ثم نهض ووقف قبالها بجلال ليريها جمال الحروف الذي رسمها وقال :
سيدتي أعلم أنها فقيرة أمامك ، أنها ظل وأنت الأصل ، أنها عاجزة أمامك ، لا تستطيع البوح بكل شيء ، أنها تطمع بقبولك ورضاك ، أرجوك سيدتي أقبليها مني هدية متواضعة .
نظرت إليه وعيونها الجميلة السوداء تشع بريقاً ، كانت نظراتها تفصح عما يخالجها من شعور جميل دغدغته كلماته الجميلة قالت في نفسها :
إنه شاعر وعاشق وذو حس مرهف ، تالله كيف أجتمعت الفروسية مع الشعر والعشق هامت به ، طارت كأنها فراشة حالمة تتنقل بين الزهور ،  لتمكن ذلك الفنان من رسمها وهي تحلق على لوحته لتضيف لها ألوان الطيف وعطر الكادي ووجه القمر ونور الشمس . 
هي ملكة سومر وهو الفارس الأسطوري ، هي الفراشة الحالمة وهو الفنان العاشق ، هي القصيدة وهو الشاعر المرهف .
لقد رسم لوحة لم يتمكن فنان قبله أن يرسمها ، حاول أن يخلق حروف جديدة ليستكمل قصيدته أنها الحلم الذي كان يراوده ،  انه الحب الذي عاشه قبل أن يولد ، لقد أبدع فصور أجمل صورة لملكته ،  حبيبته فراشته ،  تلك المرأة التي رآها قبل أن يولد ، عشق فيها وجه القمر ، وحضارة سومر ، عشق فيها الماضي والحاضر والمستقبل .
هام بعطر الحناء الذي يملاء المكان ، وخصلات شعرها الكستنائي وهي تهفهف على منكبيها العريضين وتداعب خدها الجميل ، سحره عطر الشرق الذي كانت تتعطر به ، كان يرى الحروف عاجزة والألوان حائرة عن وصف ملكته التي قطع الآلف السنين للوصول إليها ، هام بملكته ، بلوحته التي طالما أنتظرها ليبدع فيها ، لوحته ليست ككل اللوحات ، كانت متحركة ، حتى أنه كاد يسمع فيها زقزقة العصافير ورفرفة أجنحة الفراشة وصوت خرير الماء وحفيف الأشجار .
كانت ملكة سومر فرحة وشاردة الذهن ، لديها شعور لذيذ وغريب لا تعلم ما سره ، ما الذي جعلها تعيش داخل لوحة الشاعر ، وتقبل أن تمتطي خلفه وعلى صهوة جواده ، لتتجول معه وسط مدينتها لتريه حضارتها وجمال مملكتها ، حيث الأشجار الباسقة والأنهار الرقراقة ، والمآذن والقباب ، كانت تنظر إليه وتقول في سرها ها هنا سيكون ملعبك ، هنا ستجول خيولك وتترك حوافرها على كل منطقة منها ، مدينتي لم تفتح أبوابها لفارس قبلك ، ولم تطأها حوافر خيول الغرباء ، أنت وحدك مرحب بك في هذه المدينة العصية ، أنت وحدك من ستسلم له مفاتيحها ، آه لو تدري كم كنت انتظرك أيها الفارس الأسطوري ، كم كانت الأيام والليالي قاسية علي وأنا أنتظرك عند شرفات المملكة ، لأرى إبداع أناملك وروعة حروفك وجمال ألوان الطيف الذي كانت تزدهي بها لوحاتك ،كم أنتظرتك لأ تأمل وجهك ، ودفق دم الشباب فيك ، وأتحسس قوة ذراعك التي تلين السيوف وتطوعها كما تطوع الكلمات في قصيدتك ، كم أشتهيت أن أغفو على صدرك وأنت تنشد لي أجمل أشعارك ، آه أيها الحلم البعيد القريب .
أطبقت الملكةالسومرية  عيناها على حلمها الجميل وحرصت على أن لا تدعه  يبارح خيالها عسى أن يكون فارسها قد حط رحاله غداً في مدينتها ، لقد كان أجمل حلم وأجمل رؤية .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=5694
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 05 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18