• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حرب وسجن ورحيل-69 .
                          • الكاتب : جعفر المهاجر .

حرب وسجن ورحيل-69

في التاسع عشر من  شباط عام 1999م تلقى العراقيون في الداخل والخارج نبأ مفجعا وهو عملية أغتيال السيد الشهيد محمد  محمد صادق الصدر وولديه أثناء رجوعه من  مجلس التعزية في (البرانية )يوم الجمعة حيث كان  يعود ألى داره بلا حماية وحال وصولهما ألى ساحة ثورة العشرين في أحدى ضواحي النجف الأشرف توقفت سيارة أمريكية الصنع نوع (أولدزموبيل )ونزل منها عصابة مسلحة من عناصر النظام بأسلحتهم الرشاشة وفتحوا النار على السيارة التي كان يستقلها السيد الصدر  وولداه حيث  استشهد والداه على الفور وبقي السيد مدة قصيرة لمدة ساعةوفي طريقه ألى المستشفى قضى نحبه شهيدا محتسبا يشكو ظلامته ألى الله  من  الظلم الصدامي الفظيع وقد وقع الخبر كالصاعقة على رؤوس المغتربين العراقيين في سوريا حيث كان للشهيد حضور جماهيري داخل العراق وخارجه لدفاعه المستمر عن المظلومين والمضطهدين ولجرأته وشجاعته المنقطعة النظير في محاربة الظالمين وأعولانهم وقد ورد ألى سمعنا ونحن نعيش الغربة حدوث مظاهرات واحتجاجات شديدة تندد بعملية الاغتيال وتم تهديم بعض تماثيل الطاغية وتوجهت مجموعة من الدبابات مكونة مما سمي ب (فدائيي صدام ) يقودها  قصي  أبن الطاغية لقمع الانتفاضة في نقطة قريبة من قناة الجيش وأخمدت الانتفاضة بعد سقوط العشرات من الشهداء المحتجين وجرح المئات منهم وقتل عدد مما سمي ب (فدائيي صدام )وطوقت مدينة النجف الأشرف بالدبابات والمدرعات واندلعت بعض المظاهرات في المدن الجنوبية قتل على أثرها محافظ البصرة ومدير الأمن فيها ولكن سرعان        ماأخمدت تلك الأحتجاجات تماما نظرا لبطش النظام الشديد وكأن الشهيد كان يعلم  بأن النظام سيغدر به بعد أن شعر بخطره عليه حيث كانت معظم خطاباته تتركز على الظالمين والطغاة ونهايتهم الحتمية  وهو يلبس كفنه استعدادا للشهادة بقلب مؤمن بالله لايرهب الطغاة. وكان يقول للجماهير من الفقراء والمعدمين الذين كانوا يتكاثرون    في كل خطبة جمعة (ربما ستفقدوني في الجمعة القادمة . )  فتحقق حلمه بالشهادة وجعله الله   في عداد  الصديقين والشهداء. وقد كان حزننا شديدا على  ذلك المصاب الجلل وصلينا على تلك الأرواح الطاهرة في مسجد الحسين عليه السلام في حلب  ولم تعلق الأجهزة الإعلامية السورية على ذلك الخبر المفجع سوى نقله دون أي تعليق حيث كانت العلاقات بين النظامين قد بدأت بالانفراج  بصورة تدريجية.
 تربع  بشار الأسد على هرم السلطة فأصبح رئيسا للجمهورية العربية السورية والقائد العام للقوات المسلحة في العاشر من حزيران عام 2000م  بعد أن   منح رتبة فريق في الجيش العربي السوري وعقد المؤتمر القطري التاسع لحزب البعث السوري أجتماعا طارئا في نفس الفترة وانتخب بشار على أثره أمينا عاما  للحزب وظلت المظاهرات المؤيدة له مستمرة لعدة أسابيع  تبدأ صباحا ومساء منطلقة من مقرات حزب البعث في المدن الرئيسية  يحمل فيها المتظاهرون شعارات (ألى الأبد يابشار الأسد ) و( بشار شعبك صامد مابدو غيرك قائد ) تصاحبها أصوات عالية فيها الكثير من التحدي مثل ( حنه رجالك يابشار ياقائدنا يامغوار)و (بالروح بالدم نفديك يابشار ) (حنه ويا ك  يابشار.. للأبد نحمي هالدار.) ودبج   الموالون  للنظام من الصحفيين المقالات الكثيرة في صحف الثورة و البعث وتشرين  والتي تحمل عناوين (النهضة التي سيقوم بها القائد الجديد )و(تحية ألى رائد النهضة العربية المتنور بشار ) و(بشار رجل المرحلة وباني سوريا الحديثة. )و(هذا الشبل من ذاك الأسد . ) و (خير خلف لخير سلف )و(من شابه أباه ماظلم. ) وغيرها من العناوين والمانشيسات   والصور الملونة والقصائد التي ألقاها صابر فلحوط وأشباهه من الشعراء للرئيس الجديد وبدأ صوت عبد الحليم خدام الذي كان نائبا للرئيس  وكان من أعمدة النظام لفترة طويلة من الزمن يختفي ألى أن تلاشى تماما وانتهى بهروبه بعد ذلك . ويمكنني أن أشبه الدعاية الإعلامية المركزة التي قامت بها وسائل الأعلام السورية المرئية والمكتوبة            بالدعاية الإعلامية التي تولى فيها الدكتاتور المقبور صدام حسين رئاسة العراق بعد أزاحته الرئيس السابق أحمد حسن             البكر لكن الرئيس بشار أستلم الحكم بعد وفاة أبيه وصدام بعد أزاحة غريمه وكلتا الحالتين تصبان في تغييب صوت الشعوب ورغبتها في اختيار حكامها بإرادتها الحقيقة دون لف ودوران وتزييف على تلك الرغبة والإرادة  وقد تم قهر الشعبين قهرا شديدا لم يشهد له التأريخ مثيلا على يد هذين النظامين وأزلامهما والتأريخ يشهد بذلك رغم تصديق الكثيرين من قطاعات الشعب السوري من بسطاء ونخب تمجد الدكتاتوريات بشعارات النظام العراقي في فترات حروبه العبثية والمدمرة التي دمرت وحطمت أجيال بكاملها وأوصلت الاقتصاد العراقي ألى الحضيض وشردت الملايين في تخوم الأرض طلبا للبقاء على قيد الحياة.  وقد همس في أذني أحد أصدقائي السوريين قائلا (لقد بدأ تأريخ الجمهوريات الوراثية في الشرق الأوسط  وستكون هذه الجمهوريات الجديدة أشد بطشا واستبدادا من الملكيات الوراثية وسيشهد الزمن على كلامي .) 
بدأ بشار فترة حكمه بمنح الموظفين زيادة بسيطة في الرواتب التي لم تلئم جرحا واحدا من جراحات طبقة الموظفين المسحوقة حيث كانت المواد المعيشية ترتفع وتأكل كل زيادة بسيطة كما تأكل النار الهشيم. ولا يمكن إنكار ظهور  بعض المنتديات السياسية في بداية حكم بشار الأسد مثل (منتدى  الأتاسي) وحدث بعض الانفراج البسيط في الحريات السياسية وظهرت بعض صحف المعارضة التي كانت  تنقد بعض الأمور السلبية وتمسها مسا خفيفا وبحذر شديد ووعد النظام بشن حملة كبرى على الفساد الذي كان ينخر في جسد الدولة من رأسها حتى أخمص قدميها ولكن سرعان ماخفت ذلك  الأمل وبدأ كل شيئ بالتراجع وكما قيل أن الحرس القديم الذي تسلط على المراكز القيادية في الحزب والدولة لعشرات السنين  هو الذي منع استمرار الإصلاح في أجهزة الدولة للحفاظ على مكاسبه الخيالية ومرت سنة وبقيت الأمور على طابعها القديم واختفت الصحف التي سموها ب (المعارضة )   وثبت  المثل القائل ( لايصلح العطار ماأفسد الدهر.)
بدأ  النظام العراقي الذي خرج من الحرب ضعيفا مهزوما مكروها من دول الخليج وعلى رأسها نظام آل سعود يبحث عن شريك يسانده ويشد من أزره فأخذ  يوعز لأجهزة أعلامه بالتقرب ألى النظام السوري فدبجت المقالات التي تدعو ألى توحيد البلدين لخلق (جبهة قوية ضد العدوان الصهيوني الأمريكي )وكتب أبن الطاغية عدي  عدة مقالات في صحيفته المعروفة (بابل ) يطالب فيها توحيد (حزب البعث بين القطرين الشقيقين )ونسي تماما تلك الفرصة التي  أجهضها والده المقبور عام 1979م حين اتهم حافظ الأسد بالغدر والخيانة ومحاولته لأحداث انقلاب في العراق وأعدم نتيجة لذلك مجموعة كبيرة من رفاقه القدامى بتهمة (خيانة الحزب والثورة ) وما أسهلها من تهمة تلك التهمة التي كانت عقوبتها الموت الزؤام دون محاكمة تذكر حتى لو كانت صورية.  وكان النظام السوري يقابل تلك الدعوات بالتحفظ والحذرفي بداية الأمر ولكن أخذ يتجاوب معها تدريجيا على نطاق زيارة مواطني البلدين وألغاء المنع الذي استمر لعشرات السنين وبدأ المسؤولون العراقيون الكبار يزورون سوريا منهم عزة الدوري وطه ياسين رمضان وغيرهم  توقفت على أثرها الحملات الإعلامية بين البلدين وتوقف برنامج (صوت العراق ) من الإذاعة السورية وبرنامج (إنقاذ سوريا ) من الإذاعة العراقية ومنع  اللاجئون السياسيون في كلا البلدين من أي نشاط سياسي ضد الدولة الأخرى واختفت الصحف التي كان يصدرها المعارضون  وأطلق السفر على نطاق واسع بين البلدين بعد أن كان المواطن في كلا البلدين يحصل على جواز تكتب عليه  عبارة (يمنع من زيارة سوريا وأسرائيل ) وبالعكس وقد نشرت جريدة الثورة العراقية كاريكاتيرا يرمز ألى أحد  سائقي  الأجرة في ساحة التحرير وهو يصيح (ساحة المرجه نفر واحد ياشباب)وقد أوحى النظام العراقي بأن وحدة أندماجية وشيكة ستتحقق بين البلدين بعد توحيد الحزبين في حزب واحد  ولكن ذلك الصخب لم يكن ألا زوبعة في فنجان حيث التراكمات المليئة بالشك والريبة  والتي دامت سنين طويلة بقيت كامنة في قلبي النظامين اللذين جاءا بطرق غير شرعية وقانونية على حساب الشعب  وقد أخبرني رئيس تحرير جريدة (الجماهير ) التي تصدر في حلب  أن تعميما صدر من   ألسلطات العليا  يقضي بعدم نشر أية مادة  سياسية تسيء ألى  العراق وحكومته.
كنت  أدرك تماما بأن ماسمي بقرارات (العفو ) التي كان يصدرها النظام بين فترة وأخرى  لكل من ترك العراق لم تكن ألا ذرا للرماد في العيون وكان باستطاعة النظام تركيب تهمة (الخيانة ) حتى على  أي شخص بسيط للقضاء عليه فهو كالحرباء تماما يغير جلده حسب الظروف والأحوال السياسية التي يمر بها خاصة أنه كان ينظر ألى كل من ترك العراق لعامين أو أكثر هو عدو للنظام يمكن استدراجه وتصفيته فيما بعد فهو لم يتوانى عن تصفية الأسرى الذين أسرهم النظام الإيراني لاعتقاده بأنهم كانوا غير مقتنعين  ب (قادسيته ) ولو كانوا يؤمنون بها  لقتلوا من أجلها وقد صرح البعثيون  بذلك في اجتماعاتهم الحزبية. ولم تغب عن بال أي عراقي الميتة البشعة التي  ألحقها بزوجي ابنتيه حسين  كامل وصدام كامل بعد منحهما الأمان . وقد أثبتت الأيام اللاحقة أن كل (عفو) أصدره مايسمى (مجلس قيادة الثورة ) بتوقيع رئيسه صدام كان خدعة سمجة لاتنطلي حتى على البسطاء والسذج من العراقيين .
ورغم أن الغربة لها وقعها الثقيل والمؤلم على أي إنسان يحب وطنه ولا يرضى عنه بديلا لكن حالي وحال أمثالي من الهاربين من  ظلم النظام العراقي مثلهم كمثل (الذي رأى الموت فرضي بالسخونة) وصبر على جراحه عسى أن يأتي الفرج من الله وكان النظام السوري يركز بالدرجة الأولى على مراقبة (الأخوان المسلمين )والمتعاطفين معهم  وسجنهم لأنه كان يعتبرهم الخطر الأكبر عليه ثم مراقبة الوافدين من العراق وغيره من أقطار الدول العربية من المقيمين. وكانت ماتسمى ب(المعارضة العراقية )من حزب البعث (جناح سوريا ) المتواجدة في سوريا  تحت أسم (المنظمات العراقية ) و (قيادة قطر العراق )   لم يكن لها أي دور في أضعاف النظام العراقي وكان همها الوحيد  مراقبة العراقيين وكتابة التقارير المستمرة  عنهم وتسجيل أماكن تواجدهم وتقديمها للسلطات الأمنية السورية بانتظام. وقد تأكدت من هذا حين وفر أبني مبلغا بسيطا أستطاع أن يحصل به على فيزة ألى (هولندا ) بعد أن أنهكه العمل المضني الشاق الذي لايتحمله بشر حيث أصبحنا عرضة بعد خروجه من سوريا لزيارات الأمن السوري ومعهم شخص بعثي عراقي يدعى (نجاح الصكبان) وكان موظفا في جامعة حلب حيث  كنا نخضع لاستجواب من الأمن السوري ومن هذا الشخص  لمدة أمدها ستة أشهر وكنت أقول لهم (أنه كان في هذا البلد ولم يفعل شيئا وقد حصل على لجوء  في أحدى الدول الأوربية وهذا كل مافي الموضوع فما هو الضرر الذي بدر منه؟ ) لكنهم كانوا لايصدقون ذلك ويعتقدون  مافي نفوسهم من شكوك لاأعرفها ولا يصرحون بها فذهبوا ألى المعمل الذي كان يعمل فيه وأخذوا يبتزون رئيسه ويطلبون منه الرشاوى المستمرة لأنه (سمح لعامل عراقي بالعمل دون علم السلطات الأمنية  وكان عليه أولاحسب القوانين السورية  الحصول على أجازة عمل من دائرة الأمن في المدينه قبل أن يعمل  وقد ارتكب صاحب العمل مخالفة يعاقب عليها القانون!!! ) ومن المهازل أن يطالبنا هذا (الصكبان) أنا وأبني بالانتماء ألى  (حزب البعث قيادة قطر العراق ) لأنه كما ادعى قد سعى لنا بالحصول على الإقامة الدائمة في سوريا ولابد من رد الجميل . وحين أخبرته بأننا هربنا من  الانتماء ألى حزب البعث في العراق ولم نأت هنا للانتماء ألى حزب البعث مرة أخرى أجابني (أن كلامك هذا خطير   وستعاقب عليه أذا أوصلته للمسؤولين في الحزب. ) فأدركت أن وراء الأكمة ماوراءها  وأن حسام الدين أسوأ من أخيه وكلا النظامين لايختلف أحدهما عن الآخر ألا في بعض الأمور التي لابد من ذكرها للحقيقة والتأريخ هو أن رئيس النظام السوري حافظ الأسد لم يشن حروبا عبثية ضد جيرانه غير حرب تشرين التي كانت في بدايتها  تحريرية ثم  تحولت ألى حرب تحريكية وأن حافظ الأسد لم يستعمل الأسلحة الكيمياوية المحرمة ضد شعبه كما استعملها رئيس النظام العراقي وأنه لم يقطع آذان وأنوف الجنود الهاربين من الخدمة العسكرية وأنه لم يرسم شجرة عائلية يؤكد فيها انتماؤه ألى الأمام علي بن أبي طالب زورا وبهتانا كما فعل صدام وأنما كان بعض  العلويين يذكرون بأنهم ينتمون أيضا ألى الأمام علي بن أبي طالب ع  والحقيقة أنهم بعيدون عن ذلك ولا تتطابق أفكارهم مع الشيعة الجعفرية مطلقا ولهم عقائد غريبة  تحتاج ألى بحث  طويل لاأحب الخوض فيه   وأن حافظ الأسد لم يبتدع عيد ميلاده ويجعله يوميا وطنيا في سوريا كما فعل صدام وأخيرا أن حافظ الأسد لم يبتدع بدعة صدام وهي كتابة القرآن الكريم بدمه النجس .هذه هي  الأمور التي لم   يشترك  فيها الرجلان  ولكنهما أشتركا في قمع شعبيهما  بعنف وقسوة بالغتين.     دعوت من الله أن  يخلصني من  شرور البعث سواء أكان صداميا أم أسديا ولوكلفني ذلك الذهاب  ألى أبعد نقطة من الأرض .   لقد كان أحساسا عميقا يراودني بأن البعث هو هومبني على قاعدة ضخمة من الظلم والأجرام  ولم يتغير أبدا سواء أكان في العراق أم في سوريا  وجل همه مركز  في كلا البلدين على الحس المخابراتي والأمني المستمر  والتنكيل بأي شخص مشتبه به بالنسبة له وأن شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية قد أكلت أجيالا متعاقبة  بأكملها وسحقتها سحقا ولم تر تلك  الأجيال المنكوبة به شيئا   غير الموت والظلم والدمار النفسي والمادي.وقد وصلتنا أخبار بأن مباحثات سرية قائمة بين النظامين وأن صداما وبشار الأسد قد اجتمعا لمرة أو مرتين عند حدود البلدين . ولم يتم نفي تلك الأخبار أو تأكيدها حيث بقيت في طي الكتمان.
في أحدى الأمسيات طرق باب شقتنا شخص أبرز هويته على أنه (مختار المنطقة ) وقد جاء بأمر من الدولة كما ادعى  ليعمل  لنا (مضبطة هوية سكن ) وأخذ صورنا والمعلومات المطلوبة وكان هذا الأسلوب متبعا في العراق أيضا حيث كان مختار المحلة جزءا من النظام الأمني في العراق .
في أحد الأيام ألتقيت بصديق سوري كان يعمل مدرسا في أحدى المدارس الثانوية  حيث توطدت بيني وبينه علاقة أخوية طيبة نتيجة تقارب أفكارنا  فصارحته برغبتي في الخروج من  سوريا ووضحت له ماجرى لي مع الأمن والصكبان والمختار فقال لي بالحرف الواحد(وهل  أخذك العجب من ذلك ياصديقي؟ كان  يجب عليك أن تفكر بهذا  من أول وصولك ألى سوريا   أيها الصديق العزيز رغم أننا نحبكم ونتمنى بقاءكم لو كان النظام يحترم الإنسان وباستطاعتكم تعيشوا فيه معززين مكرمين بعد مالاقيتموه من ظلم . والله أن نظامنا البعثي قد   أشبعتا ظلما وقهرا من عشرات السنين  وأنت لم تر منه شيئا بعد. تصور أن أحد أقاربي خرج منذ عشرين عاما من سوريا لغرض الدراسة على حسابه الخاص في أحدى الدول الأوربية وتخرج وتعين هناك في أحدى الجامعات  وما زالت عائلته تخضع لزيارات منتظمة من الأمن حيث يتم أبتزازها ماديا ومعنويا في كل مرة ألى هذه اللحظة التي أتحدث معك فيها بحجة (هروبه من الخدمة العسكرية) وأن أشخاصا يقبعون في السجون منذ ربع قرن والعديد منهم اختفت آثارهم وحتى الذين أطلق بشار الأسد سراحهم في بداية حكمه قد أعيدوا ألى السجن مرة أخرى وكن واثقا بأن ثلاثة أرباع الشعب السوري  تحت المراقبة وهذا النظام نظام قمعي مخابراتي لامانع لديه من زج أي إنسان في السجن لعشرات السنين لمجرد الشبهة لأنه لايملك ذرة من الأخلاق وليست لديه أية اعتبارات إنسانية في سبيل بقائه على دفة السلطة وشعاره (الغاية تبرر الوسيلة ) وهذا النظام والنظام العراقي توأمان لايختلفان عن بعضهما في كل مايرتكبانه من سيئات وأجرام بحق شعبيهما وتصرفاتهما واحدة وأنت تعمل عين العقل بالخروج ألى بلد آمن تضمن فيه كرامتك وكرامة عائلتك ولا طريق لك غير اللجوء ألى أحدى الدول الأوربية التي تحترم حقوق الإنسان وهذا قدركم أيها العراقيون  المضطهدون. ولا طريق لكم غيره. )      فقلت له أن  عملية اللجوء ألى بلد أوربي  ليست بالسهولة التي تتصورها  ياصديقي وهي تحتاج ألى حفنة كبيرة من العملة الصعبة فمن أين آتي بها وأنا لاأملك من حطام الدنيا شيئا؟  أجاب أنا أعلم بذلك ولا أريدك أن تسافر عن طريق المهربين الذين يطلبون مبالغ طائلة ولا يعرفون الرحمة  ولكن أمامك طريق واحد هو أن تذهب ألى (مفوضية  اللاجئين) التابعة ألى الأمم المتحدة في دمشق وتشرح لها ظروفك ومتاعبك التي من   الممكن أن تقنع العاملين فيها بشرعية طلبك وقد فعلها قبلك  ناس عراقيون  كثيرون وحصلوا على نتائج أيجابية وأنا أعرفهم بالأسماء و ما عليك  ألا  أن تقدم طلبا للحصول على لجوء في أحدى الدول الأوربية حيث يستدعوك بعد ذلك وتحصل على مقابلة معهم  عسى أن يتحقق لك ولعائلتك   الخلاص. )    فرأيت في ذلك  الاقتراح بصيصا من الأمل  واقتنعت بفكرته. وبعد مرور عشر سنوات على ذلك الكلام الذي تفوه به صديقي عن ظلم وبطش النظام السوري تحقق تماما فالعالم  كله يرى       ويسمع مايرتكبه النظام السوري من جرائم فضيعة  بحق شعبه دون أن يبالي بمنظمات دولية أو أي احتجاج يصدر منها حيث يعامل بكل وحشية متناهية شعبه الذي يحتج على حكمه الدموي الاستبدادي لكنه لم يرد وبقي ساكتا صامتا كصمت أبي الهول  حين تسللت الطائرات الأسرئيلية ألى الأجواء السورية ودمرت المفاعل النووي المقام في دير الزورولم يقدم سوى التبريرات التي  أضحكت الأطفال قبل الكبار وابتلع النظام الضربة وصرح أعمدته بأن النظام (سيرد في الوقت المناسب ) للحفاظ على ماء وجهه أن بقي ماء في ذلك الوجه الصفيق الذي يبتلع كل فضيحة وكأنها لم تكن . ولا وقت مناسب ولا هم يحزنزن  والأدهى والأمر من ذلك أيضا حين أخذت الطائرات الإسرائيلية تحوم فوق  القصر الرئاسي في دمشق ولم يظهر النظام أية ردة فعل  ضد تلك الإهانة ولكنه رد بسرعة البرق على المحتجين الذين  شبعوا من ظلم البعث مايكفي. وليس غريبا  على النظام البعثي في سوريا  أن يحتضن عتاة البعثيين الصداميين المجرمين الذين كانوا يقذفون حافظ الأسد بأشنع العبارات وأكثرها قسوة وفحشا ولا تتوانى مخابراته في أرسال  أعتى المجرمين الإرهابيين لقتل  العراقيين الأبرياءبحجة (مقاومة الأحتلال  الأمريكي ) بعد أن تلطخت يداه وأيدي شبيحته وبلطجيته بدماء السوريين   ومن  سخريات القدر أن يصرح أحد الأثرياء الكبار المحسوبين على النظام وهو (رامي مخلوف ) أبن خالة بشار الأسد والذي يملك أكبر شركة اتصالات خلوية  في سوريا بعظمة لسانه قائلا (أذا لم يكن استقرار في سوريا فمن المستحيل أن يكون هناك أستقرارا في أسرائيل .!!! وأن البديل  عن النظام في سوريا  هم السلفيون والقاعدة وهذا يعني الكارثة على حد زعمه وهو عزل بعثي صريح لأمريكا عسى أن ترضى عنه. ثم يعقب ب(أن لدى القيادة في سوريا الكثير من المقاتلين . ) ومعنى كلامه أن  لدى نظامه الكثير من القتلة السفاحين الذين لايتورعون عن سفك الدماء مهما اشتدت الاحتجاجات وطالت  وهذا مادعاه قبله الطاغية المعتوه السفاح  معمر القذافي الذي يفتخر اليوم بأنه يقبع  في موقع حصين تحت الأرض لايمكن أن تصل أليه قنابل الطائرات أعده لهذا الغرض من زمان وهو يبيد شعبه أبادة لم يقدم عليها أعتى الطغاة ويدعي بكل صلافة ووقاحة ( أنه لم يقتل أحدا. !!! )والبلطجي الآخر  الموغل في   سفك دماء شعبه علي عبد الله صالح الجاثم على صدور أبناء الشعب اليمني منذ أثنتين وثلاثين عاما ويتشبث بالسلطة تشبثا تاما  وكل نظام استبدادي يرفضه شعبه لايتورع عن اختلاق مختلف الأكاذيب  في سبيل بقائه متربعا على جماجم  ضحاياه ألى أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.  وهذا يعني أن الأمن واحد بين الدولتين الأسرائيلية والسورية   وليس عجيبا   من شخص محسوب على نظام البعثي في سوريا الذي  تبجح طويلا بأنه من أنظمة (الممانعة) و(الصمود ) ضد (العدو الصهيوني الغاشم ) والجولان  المحتلة منذ أكثر من أربعين عاما تنعم بالهدوء التام ويتمتع الصهاينة بخيراتها وهم مسترخون فرحون بهذا الأحتلال.   قررت الذهاب ألى تلك المفوضية  يحدوني بصيص من  الأمل للنجاة  بنفسي وأثنين من أفراد عائلتي قبل  فوات الأوان.  فرأيت حشدا كبيرا من العراقيين والعراقيات يربو على  مئتي أنسان وأنسانة وكل واحد وواحدة له قصة مؤلمة ووقع نظري على مئات الأسماء المطبوعة وهي في قوائم ألصقت  بجدار البناية كلها مكتوب أمامها كلمة (رفض )  وأصابني الدوار و اليأس من الحصول على نتيجه أيجابية وسط هذا الحشد من المحبطين وخشرت نفسي في الازدحام    حصلت بشق الأنفس على (أستمارة ) خاصة باللجوء فملأتها وكتبت  العنوان  ورقم التلفون الذي سيتصلون بموجبه  بالشخص الذي يستدعونه بعد جلب (المستمسكات المطلوبة ) رجعت من ذلك المكان أشبه باليائس من حصول على نتيجة وسط ذلك الزخم الهائل من القصص المأساوية للعراقيين الذين تخلصوا من جحيم النظام العراقي .
15/5/2011م




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=5713
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 05 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18