• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أيُّ الأدوارِ؟ مَتى؟ وَكَيْفْ؟ .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

أيُّ الأدوارِ؟ مَتى؟ وَكَيْفْ؟

   كلّنا نعتقد اعتقاداً جازماً لا شبهة فيه انَّ أئمة اعل البيت عليهم السلام [تعدّد ادوار ووحدة هدف] ولكنّني شخصياً لا اعتقد ابداً ولا اؤمن بالمطلق ان تكون سيرتهم قصاصات ورقيّة ننثرها في جيوبنا هنا وهناك لنتلصّص ونتحابب فنستلّ منها القصاصة التي تستهوينا وتحقق رغباتنا كلما اردنا ان نبرر موقفاً او نفسر فشلاً، او حتى ربما ندافع عن خطأ ما!.
   انّ تعدّد ادوار أئمة اهل البيت (ع) لم ينبني على فراغ وهو لم يصطف بالتاريخ عبثاً او بلا حكمة ابداً، انما بني هذا التعدد على أسس ومقومات، ولذلك فهو ليس متناقضاً ابداً مهما حاول البعض تقديمه بهذه الصورة الخاطئة فالقراءة المتأنية والواعية لهذه التعدّدية في المواقف ستبيّن بانّها تعددية تكاملية بكلّ معنى الكلمة وليست تناقضيّة او عبثيّة او مزاجيّة بأيّ شكلٍ من الأشكال.
   انّها اعتمدت على ما يلي؛
   اولاً؛ التمسّك بالهدف الاسمى مهما كانت الظروف، الا وهو تحقيق العدل على قاعدة جلب المنفعة ودفع المفسدة.
   ثانياً؛ الانطلاق باختيار الموقف من المصلحة العامة وليس من المصالح الفردية او الشخصية الضيّقة.
   ثالثاً؛ قد يتغير الموقف عند امام واحد اذا تغيرت الظروف وتبدّلت معايير العدل.
   رابعاً؛ مهما كان موقف الامام الا انّه لا يبرر للظالم ولا يسمح للطاغوت ان يوظف موقفه لدعم سلطته وإضفاء الشرعية عليها.
   وبتطبيق سريع على تعددية مواقف أئمة اهل البيت (ع) فسنلحظ انّ هذه المعايير ثابتة لم تتغير من امام لآخر او ظرف لآخر، ما يعني صحة المقولة من انها ادوار متعددة بأشكال مختلفة الا ان الهدف يبقى واحداً لم ولن يتغيّر، وهذا هو الفرق الجوهري بين مدرسة اهل البيت عليهم السلام الثابتة والصامدة بوجه كلّ التحدّيات التي تفرضها المتغيرات لا تحيد عن الهدف الرسالي الاسمى والنبيل، تواكب التطور والعصرنة وفي نفس الوقت تحافظ على الثوابت والاسس، وبين مدرسة الخلفاء التي تتقلّب وتتلوّن في فراش الحاكم وتحت اقدام إمائه وعبيده وعند عتبة رغباته ونزواته حد التناقض الصارخ.
   امّا الّذي يفعله البعض منا عندما يريد توظيف دورٍ ما من ادوار الأئمة عليهم السلام فهو قد بادر قبل ذلك الى؛
   الف؛ تحويل الدين الى (طين) يتلاعب بأشكاله وألوانه ومقاصده كيف ما يريد خدمةً لمصالحه الانانيّة والضيّقة، فاذا تعرّض للسجن تشبّه بالإمام الكاظم (ع ) امّا اذا انهار في السجن وأطلق الطاغوت سراحه وقرر تأسيس حوزة دينية تشبّه بدور الصادق (ع) !.
   وهكذا؛ فتراه يدعو الى الثورة على الحاكم الظالم وهو فوق منبر سيد الشهداء الامام الحسين (ع) أيام محرم الحرام، امّا اذا انتهى موسم جني الأموال ودخل موسم القحط ووجدَ كلّ الابوابِ موصدةً بوجههِ الّا باب الحاكم مفتوحةً على مصراعيها امامهُ، دعا الى السلم والصلح مع الطاغوت عملاً بدور الامام الحسن (ع)!.
   هو صنعَ من نفسه مقياساً لِلدِّين، يحدّد الاولويّات كما تشتهي نفسه وبما يحقق بها رغباته!.
   باء؛ صنع من نفسه قطب الرحى داعياً الجميع الى ان يدوروا في فلكه، فاذا ثار ثاروا واذا صالح صالحوا، اذا سَكتَ يسكتوا واذا نطق ينطقوا!.
   إنّ تعدّد الأدوار ليس لُعبة، وهي لا تتحقّق بالأمزجة والرغبات والانانيّات، انما هي مسؤولية ثقيلة جداً، يجب ان لا يتورط بها من لا يجد في نفسه الأهليّة والقدرة على محاربة أهوائه من اجل ان يُحسِن الاختيار في الوقت المناسب وبالطريقة السليمة.
   واذا تساءلنا؛ لماذا بدأت الكثير من العمائم تَفقد دورها القيادي في مجتمعاتِها؟ لينمو جيلاً جديداً يسعى لأخذ المبادرة بيده بعد ان يئِس من إمكانية إصلاح مثل هذه العمائم وفشِل في إقناعها بوضع مصالحها الشخصيّة جانباً وتقديم الصّالح العام ليكون خطابها ودورها حلاً لواقع مرير يمرّ به المجتمع، وليس اداة لتحقيق مصالحها الذاتية والأنانية الضيّقة؟.
   الجواب، وبكلمة واحدة؛ لأنّها بدأت تُربك الساحة بمواقفها التي فشلت في مواكبة المتغيّرات من جانب، وتعرقل الإصلاح والتغيير والتطوير، من جانب آخر، وهذا الذي يحصل اليوم، انه صراعٌ طبيعي بين القديم والجديد، بين السكون والحركة، بين التأخّر والتطوّر، بين مخلفات التراث والحداثة.
   على العكس من ذلك نلاحظ نمو الدور القيادي للمرجعية العليا في النجف الأشرف يوماً بعد آخر، حتى انتبه الى حكمتِها ووعيِها ودقّة تعاملها مع الأحداث والتطوّرات العدو قبل الصديق، لماذا؟ لانها تبذل أقصى جهدها الفقهي والمعرفي، وتستحضر كل تجاربها وخبراتها الممتدّة في عمق التاريخ لتصلَ الى أئمة اهل البيت عليهم السلام قبل ان تتّخذَ موقفاً او تبدي رأياً، فهي لم تالُ جهداً في تقديم الصالح العام (الوطني) على كل المصالح الاخرى الضيّقة وبكلّ عناوينها، ولذلك تأتي مواقفها دائماً منسجمة من الواقع وحلاً لمشكلة او رؤية مستقبليّة.
   وبصراحة اقول، فليس كلّ من هبّ ودب يحقُّ له ان يُحدد للأمّة مساراتها واولويّاتها فيختار موقفاً دون آخر حسب مِزاجه او رغباته او نزواته او مصالحه الشخصيّة، وليس كلّ عمامةٍ لها الحق في ان تفرض رأيها على الامّة، انما ذلك من حقِّ المجرِّب الحكيم والمجرَّب الخبير، والا فإننا امام كارثةٍ اذا انقادت الامة خلف (حيّ الله عِمامة) فالقيمة ليست بالعمامةٍ ابداً وإنّما بما تحتَ العمامةِ من علمٍ وتقوى وخبرةٍ وتجربٍة وحرصٍ وتاريخٍ مشرّفٍ من المواقف الحكيمة والرؤى السليمة، ولو كانت للعمامةِ قيمةٍ ذاتيةٍ لقدّسنا (العمامة) التي تمرّدت على امير المؤمنين (ع) ثم قتلته، او الاخرى التي أفتتْ بجوازِ قتلِ السبط الشهيد الامام الحسين عليه السلام، فتلك كلّها عمائم، ولكن هيهات هيهات بين عمامةٍ واُخرى، بين عمامةِ الحسين (ع) وعمامةِ يزيد، أليس كذلك؟!.
   ٣٠ كانون الثاني ٢٠١٥
                      للتواصل:
E-mail: nhaidar@hotmail. com
Face Book: Nazar Haidar 

كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : تنمنمبىاثقبنهمهحبنمهنوقحخه' ، في 2015/02/20 .

معلومات مفيدة




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=57171
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 01 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19