تسعى الحضارة الرسالية الى التمكين في الأرض , والتمكين يكون للحضارة الرسالية كما يكون للحضارة المادية و فمن أخذ بأسباب التمكين يحصل له التمكين
ومعادلة التمكين هي : ايمان + عمل صالح .
والإيمان أن تؤمن بالفكرة ,الفكرة التي تحررك من قيودك النفسية , قد تكون فكرة فلسفية لقوم كما قد تكون فكرة دينية لقوم , الفكرة بغض النظر عن طبيعتها دينية كانت أو فلسفية أو عرفانية أو مادية تعتبر مجرد سلاح , لا يصنع النصر بذاته رغم قوته وقدرته , لكن حين يجد الجيش الذي يتبناه يصنع المعجزات , يغير التاريخ , يجعل من الصحراء القاحلة جنة نضرة ومن النفوس الذابلة قوى حية بناءة
وبالتالي فالفكرة التي هي روح الحضارة , تبقى مجرد روح هائمة تبحث عن جسد مجتمع تسكنه , التأسيس للفكرة يكون عن طريق التبليغ الحضاري , الذي هو قد يكون فردي كما قد يكون جمعي , وهو بهذا فرض كفاية اذا قام به البعض سقط عن الكل .
أما الايمان فهو فرض عين على القوم بكليته , ولا نقصد هنا الايمان التعبدي (الايمان بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر والقضاء خيره وشره ) بل الايمان الحضاري
وهو الايمان التغيري الذي نجد القران الكريم حين يتحدث عنه يتحدث عنه بلفظ القوم :" لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ " الرعد (11) -
" ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " الأنفال (53) -
ونستطيع هنا تسميته بإرادة التغيير , فنقول أن ارادة التغيير هي ارادة جمعية لأجل الانتقال من حالة التيه او حالة الوهن الى حالة التمكين , وهي حالة تحول نفسي , عاطفي , فكري , سلوكي جمعي .
هذا بالنسبة للإيمان الحضاري أما بالنسبة للعمل الصالح , فانه هو النتيجة التي تصدّق أو تكذّب الايمان الحضاري , فان كان حقا ايمان حضاري فسيتحول الى عمل صالح , وان لم يكن ايمان حضاري بل مجرد تمني وأماني وهو الايمان الحضاري الكاذب فانه لا يتحول الى عمل صالح ,أو خليط بين عمل صالح وعمل طالح.
العمل الصالح الحضاري , هو الترجمة السلوكية الجمعية للإيمان الحضاري , حيث تتحول الارادة الجمعية للتغيير من حاجة اجتماعية الى واقع اجتماعي
والعمل الصالح له ركيزتان أساسيتان وهما التواص بالحق , والتواص بالصبر
أما التواص بالحق , فهو الالتزام بالسير في الخط الرسالي لتجسيد الحضارة بالتمكين لها
أما التواص بالصبر , فهو الصبر على المعوقات والعقبات النفسية والاجتماعية لأجل تنفيذ الالتزامات الحضارية .
|