كالبعد بين السماء والأرض هي المسافة بين الحسود الحقود وبين المحب المعز، وطبعا هذه حالة عامة شاملة معروفة لدى كافة الأمم والشعوب، ولكنها تضخمت في العراق مؤخرا وبشكل كبير ربما بسبب تفسي الفساد والمحسوبية والرشوة والفشل الإداري والتنظيمي. لكن هذا الفرق وهذا البعد بين المنهجين لا يتبين بوضوح تام إلا في مواقف محددة بعينها، تُحدث صدمة عند الاثنين، تُترجمُ إلى كلمات حب ومشاعر طيبة عند المحبين المُعِزِين، وإلى إشارات فيها الكثير من التوتر والغضب والاستفزاز والامتعاض عند الحسودين الحقودين.
كتب لي أن أعيش هذه التجربة الاعتبارية على أرض الواقع بعدما تم اختياري كأفضل باحث لعام 2014 في محافظة واسط، ضمن خمسة عشر شخصا آخرين تميزوا في مجالات أخرى منها: الرياضة والفن والتربية، فضلا عن شخصية متميزة من قادة منظمات المجتمع المدني، والأب المثالي الأفضل. وتم خلال الحفل استذكار الشاعر الواسطي الكبير المرحوم زاهد محمد زهدي، وتكريم عائلته.
تولت تنظيم ورعاية وإدارة هذا النشاط الرائع ثلاث جهات، هي على التوالي: الحكومة المحلية في واسط، وموقع الكوت نت، وشركة آسيا سيل للهاتف النقال، ولكي تثبت الحكومة المحلية اهتمامها الكبير بهذا الحدث حضر وقائع المهرجان السيدان محافظ ورئيس مجلس محافظة واسط، فضلا عن نواب في البرلمان العراقي وأعضاء في الحكومة المحلية.
وللتأكيد على سلامة وجدية الخطوات التي تم بموجبها اختيار الفائزين، اعتمدت الجهات المنظمة سياقات غاية في الدقة والنزاهة والحيادية، تستند إلى ما قدمه المرشح خلال العام كله، فضلا عن الأصوات التي يحصل عليها عبر التصويت الالكتروني في موقع الكوت نت من خلال المشاركات التي تستمر على مدى عام كامل.
إن هذا حدث لا يقدم ولا يؤخر كثيرا، باستثناء جانبه المعنوي الاعتباري؛ الذي يعني فيما يعنيه أن هناك من يسعى بجد وصدق ومهنية عالية لأن يعطي لكل ذي حق حقه وفق أسس يختارها بعناية، وهو الأمر الذي يرفضه المتصيدون ومنتهزو الفرص، الذين يريدون جني المكاسب دون أن يقدموا لها بمنجز يستحق الاهتمام ويلفت الأنظار، يرشحهم لنيلها.
سمعت من خلال هذه التجربة أقوالا معترضة كثيرة قد يكون أكثرها برهانا على صدق ما تقدم من حديث، قول أحدهم وهو مجرد مراسل لإحدى وكالات الأنباء البائسة: (إن مهرجان كوت نت قد خرج عن معايير الدقة في الاختيار بشكل مهني ومنصف واعتمد معايير المجاملة)
وغير هذا هناك من نشر سطرين لا أكثر على صفحته في الفيسبوك إسقاط واجب، ودفعا للعتب، ولم يكلف نفسه ترك تعليق يتيم واحد على الصور المنشورة على كثرتها.
ومثل هذا السلوك يدخل برأيي في باب الحسد، ولا يمكن تخريجه إلى معنى آخر تحت أي ذريعة وأي حجة مهما كان مسندة، بدلالة أن قبالة هؤلاء هنالك الغابطون الذين يفرحون لفرحك ويسرون لسرورك لدرجة أن بعضهم لا يجد الكلمات التي يعبر بها عن فرحه فيكتفي بوضع صورة ورد أو بكلمات قليلة الحروف عظيمة المعنى وكأنه يشعر أن تكريمك تكريما له أيضا وهذا يتضح من خلال عباراتهم في مداخلاتهم، والتي سأختار بعضا منها دفعا للإطالة، ومنها:
• هذا الفخر الذي هو فخرنا
• مبارك تكريمنا
• هذا التكريم لنا جميعا فنحن لنا في صالح الطائي (ورج)
• مبارك لك التكريم ومبارك لنا أنت
فهذه الأقوال التي ولدت من قلوب يملأها الحب؛ لا يمكن تفسيرها بأبعد من معانيها الدلالية الواضحة التي تختلف كثيرا عن الأقوال الأولى التي تقطر كراهية وحقدا، بدلالة أن الذي اتهم زورا وبهتانا كل الجهات المنظمة للمهرجان بعدم الحيادية، والخروج على معايير الدقة في الاختيار لو كان صادقا في ادعائه لكان الأولى به أن يتكلم بما سجله من ملاحظات سالبة عن المهرجان مع الجهات المنظمة لكي تفيد من أخطائها وتتجاوزها في مهرجاناتها القادمة ولاسيما أن مهرجان العام الحالي حمل الرقم (8) بعد سبع مهرجانات ناجحة.
إن السلوك المنحرف لا يقل تخريبا عن أعمال الدواعش التي تحاول محو حقب كاملة من تاريخنا العريق، ويجب محاربتها بنفس الشدة التي نحارب فيها التخريب الداعشي. |