• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : العترة بين التحذير والابتلاء .
                          • الكاتب : كريم سابط .

العترة بين التحذير والابتلاء

إن الله - تعالى - يمتحن الناس بالناس، قال تعالى (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا) (الفرقان: 20)، فدائرة الهدى على امتداد المسيرة البشرية، فتنة لسائر الناس يمتحنون بها، فيميز بها أهل الريب من أهل الإيمان، والمتبعون للأهواء من طلاب الحق الصابرون على طاعة الله وسلوك سبيله، وكما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر أمته بأن يتمسكوا بحبل العترة حتى لا يضلوا، وقال: (أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي) (1)، وقال: (إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي) (2)، فإنه أخبر أمته بأنهم سيمتحنون بأهل بيته، قال: (إنكم ستبتلون في أهل بيتي من بعدي) (3)، وأخبر - بالغيب عن ربه - بما سيسفر عنه الامتحان، فقال: (إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلا وتشريدا) (4).

وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب بما سيجري عليه من بعده، وقال له: (إن الأمة ستغدر بك بعدي، وأنت تعيش على ملتي، وتقتل على سنتي، من أحبك أحبني، ومن أبغضك أبغضني، وإن هذه (يعني لحيته) ستخضب من هذا (يعني رأسه) (5) وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: (ألا أحدثك بأشقى

____________

(1) رواه مسلم، الصحيح: 7 / 123.

(2) رواه الترمذي وحسنه، الجامع: 5 / 662، والنسائي، كنز العمال: 1 / 172.

(3) رواه الطبراني، كنز العمال: 11 / 124.

(4) رواه الحاكم ونعيم بن حماد، كنز العمال: 11 / 169.

(5) رواه أحمد، والحاكم وصحيحه، والمستدرك: 3 / 142، والدار قطني، والخطيب، كنز العمال:

11 / 167، والبيهقي، البداية: 6 / 218.
    الصفحة 25    
الناس؟ رجلين، أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذا (يعني رأسه) حتى تبتل منه هذه (يعني لحيته) (1).

وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحسين بن علي بما سيجري عليه من بعده، وروى ابن كثير عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت: أشهد لقد سمعت عائشة تقول: إنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (يقتل الحسين بأرض بابل) (2) وروى الحاكم عن ابن عباس، قال: (ما كنا نشك وأهل البيت متوافرون أن الحسين يقتل بالطف) (3)، وروى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق يقال لها كربلاء، فمن شهد ذلك فلينصره) (4)، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف، وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها مضجعه) (5).

والخلاصة، إن الله يختبر الناس بالناس، وبهذا الاختبار يظهر أهل الريب من أهل الإيمان، قال تعالى: (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة) (الفرقان: 20)، وقال سبحانه: (وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين) (الأنعام: 53)، وقال تعالى: (وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما أتاكم) (الأنعام: 165)، والدعوة الخاتمة بينت الدرجات. وأمر - تعالى - بمودة قربى النبي، حيث قال: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (الشورى: 23)،

____________

(1) قال الهيثمي: رواه أحمد والبزار، ورجاله ثقات، الزوائد: 9 / 136، والحاكم والبيهقي بسند صحيح، والمستدرك: 3 / 141، والبداية والنهاية: 6 / 218، كنز العمال: 13 / 136.

(2) البداية والنهاية: 8 / 177.

(3) رواه الحاكم، وقال السيوطي: سند صحيح، الخصائص، السيوطي: 2 / 213.

(4) رواه البغوي وابن السكن والبارودي وابن مندة وابن عساكر وأبو نعيم، والبداية والنهاية:

8 / 199، كنز العمال: 12 / 126، والخصائص الكبرى: 2 / 213، أسد الغابة: 1 / 349، الإصابة: 1 / 68.

(5) أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط باختصار، والزوائد: 9 / 188، والماوردي في أعلام النبوة بسند صحيح، ص: 83.
    الصفحة 26    
وبينت الدعوة أن الذين لا يصلون ما أمر الله به أن يوصل، والذين لم يأخذوا بما أمرهم - تعالى - به من طاعة، ولم ينتهوا عما نهاهم عنه من نهي، فهؤلاء خاسرون في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون) البقرة: 27)، وقال جل شأنه: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) (محمد: 22 - 23).

وبينت الدعوة الإلهية الخاتمة أن عدم مودة الذين أمر الله بمودتهم، يفتح الطريق أمام مودة أعداء الفطرة، وقد أمروا بعدم مودتهم، قال تعالى:

(يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق) (الممتحنة: 1)، فالآية تنهى عن مودة المشركين والكفار، وتنهى أن يتخذوا أولياء وأصدقاء وأخلاء، قال تعالى حاكيا عن إبراهيم قوله لقومه: (وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) (العنكبوت: 25)، قال المفسرون: وبخهم على سوء صنيعتهم في عبادة الأوثان، وقال: إنما اتخذتم هذه ليجتمعوا على عبادتها صداقة وألفة منكم، بعضكم لبعض في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة ينعكس هذا الحال، فتصبح هذه الصداقة والمودة بغضا وشنانا، وتتجاحدون ما كان بينكم، ويلعن الأتباع المتبوعين، والمتبوعون الأتباع.

فالطريق يبدأ بأمر الله ونهيه، وعلى امتداد الطريق يمتحن الله الناس ببعضهم، فمن سلك في ما أمر الله به نجا، ومن لم يأخذ بوصايا الله ضل، والله - تعالى - أمر بصلة الأرحام، وذروة الأرحام عترة النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله - تعالى - جعل ذرية كل نبي في صلبه، وإن الله - تعالى - جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب) (1)، وقال: (إن لكل بني أب عصبة

____________

(1) رواه الطبراني عن جابر، والخطيب عن ابن عباس، كنز العمال: 11 / 600.
    الصفحة 27    
ينتمون إليها إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم) (1)، وقال: (نحن خير من أبنائنا، وبنونا خير من أبنائهم، وأبناء بنينا خير من أبناء أبنائهم) (2)، وهكذا فكما أن للعلم درجات، فللأرحام درجات، وميزان هذه الدرجات هو التقوى والعلم بالله، فمن التف حول الذين أمر الله بمودتهم شرب من الماء، ومن أبى فتحت عليه مودة أخرى يتهوك فيها تهوك اليهود في الظلم، يوم القيامة يعض على يديه، قال تعالى: (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا * وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) (الفرقان: 27 - 30).

وعلى امتداد المسيرة الإسلامية، قامت طائفة الحق بالدفاع عن الفطرة، ولم يضرها من عاداها أو من خذلها، وفي عهد الإمام علي، خرج عليه أصحاب الأهواء، فقاتلهم الإمام على تأويل القرآن، وعنه أنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين) (3)، فالناكثون: أهل الجمل، والقاسطون: أهل الشام، والمارقون: الخوارج، وانطلقت مسيرة الإمام - رضي الله عنه - بأعلام الحمية، وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: (أنت أخي وأبو ولدي، تقاتل في سنتي وتبرئ ذمتي، من مات في عهدي فهو كنز الله، ومن مات في عهدك فقد قضى نحبه، ومن مات يحبك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإيمان، ما طلعت شمس أو غربت، ومن مات يبغضك مات ميتة جاهلية، وحوسب بما عمل في الإسلام) (4)، ,,,,,,,,,,,

____________

(1) رواه الحاكم وابن عساكر، كنز العمال: 12 / 98.

(2) رواه الطبراني، كنز العمال: 12 / 104.

(3) رواه ابن عدي والطبراني، وقال ابن كثير: روي عن طرق عديدة، والبداية والنهاية: 7 / 334، كنز العمال: 11 / 292.

.(4) رواه أبو يعلى، وقال البوصيري: رجاله ثقات، كنز العمال: 13 / 159

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=5853
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 05 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19