الحمد لله رب العالمين وصل الله على سيدنا محمد ( ص )
وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ( ع )
مرت التجربة العلمية الاسلامية في مراحل تدريجية خلال عملية نضوجها , واستفادتها من الأرث الروائي الذي أرسى اصوله النبي الكريم والائمة المعصومين وكبار الصحابة الأجلاء .
وأخذ هذا التدرج منحى نقدي تأسيسي على طول الخط الزمني , فكل جيل من العلماء ينقح بعض الأخطاء الموروثة ثم يؤسس على ضوء الفهم الآني نظرته حول التراث من حيث فهمه ومن حيث الحصيلة التي يطمئن لها .
وكان لكل حقبة وهجها العلمي الذي تحدده جملة ظروف إجتماعية وسياسية فيشع في فترة ومكان , ويخبوا في فترة ومكان .
وتعتبر الفترة ما بين القرن الثالث الى الخامس الهجري متميزة بكثرة العلماء والتصانيف , خصوصا اذا كانت المدينة العلمية هي بغداد حيث المناخ العلمي والطبيعي , وحيث الحداثة المغرية في المدينة أغوت العلماء وطلبة العلم في شد الرحال والمكوث فيها .
وبرز من علماء الإمامية حينها الشيخ المفيد والمرتضى وابن الجنيد والطوسي , وكانوا موسوعيين في شتى الفنون والعلوم ,فصنفوا في الرواية تدويناً وتبويباً , واهتموا بالفقه والأصول والتفسير والرجال والفلسفة ..وغيرها من الفنون
وكان مدار الاطمئنان للدخول في أي باب من المصنفات هو علم الرواية , حيث تعتبر المادة الأولى لأي علم حينها , ولما كانت الرواية تعتمد في مقبوليتها على صحة النقل للوصول الى صحة الصدور فقد أخذ علم الرجال وقتها الحيز الأكبر في اهتمام البعض .
فبرز اثر هذا علماء اجلاء في فن الرجال تخصصوا وتمهروا وأفنوا حياتهم من أجل تنقية الطريق السندي للروايات حتى يهيئوا مادة نقية جاهزة تستفيد منها كل التخصصات , ويوفروا عناء الجهد والوقت على غيرهم في الوصول الى الغاية .
ومن أكابر هؤلاء الرجاليين ابي جعفر احمد بن ابي عبد الله البرقي ت274 , و ابي عمرو الكَّشي ت329, وابن الغضائري ت411 , وابي العباس النجاشي ت450 , وشيخ الطائفة الطوسي ت460 .
فقد صنفوا ونقدوا وأسسوا أصولا فكرية وركائز عظيمة في هذا التخصص لاتزال المكتبة الاسلامية الى الان لا تنفك عن الاخذ والاعتداد برأيهم .
وقد برز منهم الشيخ النجاشي ابو العباس رجاليا كبيرا وعبقريا فذا , وعقلية لا نظير لها , ذا منهجية دقيقة متماسكة , مكنته من الارتقاء في ذروة التخصص , وكانت فتواه للآن فصل الخطاب حسب ما ذهب اليه اغلب المهتمين بالشأن الرجالي .
وها نحن هنا نقف على اعتاب علمية هذا الرجل لنكتشف ونبرهن على صدق ما قالوا وحقيقة ما تكلموا , فنحاول بيان هذا التفوق واسبابه , ومناشئه الذاتية المتوفرة في شخصه , والمكتسبة التي تحصلت له خلال دراسته , وما الاثار الخارجية التي ساهمت في سبك عقليته الرجالية .
وقد انتهجنا مسلكين خلال مبحثين لبيان ذلك ,
الأول برصد المؤثرات الخارجية والذاتية ,
والآخر نتائج ذلك من خلال منهجيته في كتابه الرجالي حتى تتضح اثر تلك المؤثرات في انتاجه .
ثم عقدنا مطلبا مستقلا يناقش التزاحم بين قوله وقول الشيخ الطوسي , وخرجنا بنتيجة هناك .
والهدف من هذه الدراسة تسليط الضوء على تلك الشخصية , ورصد التقولات التي وردت فيه , لتبيان حقيقتها , وقوتها او ضعفها .
عمار عبد الرزاق الصغير
كلية الفقه
النجف الأشرف
|