• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : لغز تورط المخابرات الكندية مع داعش! .
                          • الكاتب : عباس البغدادي .

لغز تورط المخابرات الكندية مع داعش!

تتحاشى الدوائر الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، وبحرَفية عالية، أية تقارير أو وقائع أو تسريبات تعزز الاعتقاد السائد بتورط تلك الدوائر ومخابراتها في دعم التنظيمات الارهابية التي تشن حربها في منطقتنا المنكوبة، وتسير بالضد تماماً من مصالح الشعوب واستقرارها وأمنها وعافيتها، وتحديداً ما يخص استفحال ظاهرة الارهاب التكفيري وتداعياتها المدمرة! وتستفيد تلك الدوائر الغربية من ثقلها السياسي والاقتصادي، بالإضافة الى نفوذها الدولي وتشابك مصالحها مع اللاعبين الدوليين الكبار، بالتضافر مع خبراتها الاستخبارية الواسعة في التغطية على أية مؤامرات تحيكها لشعوب المنطقة، وكذلك تورطها في دعم الجهد الإرهابي لتنفيذ أجنداتها التي لا تراعي -دوماً- سوى مصالحها وأطماعها، وإن عاكست تماماً مصالح شعوب المنطقة المنغمسة أساساً بجملة من المعضلات والأزمات والمآزق المزمنة!
لا مراء بأن الكشف عن التورط الإستخباري للدوائر الغربية في ملفات المنطقة، وعلى رأسها ملف الارهاب التكفيري، هو أعقد من أن تكشفه لوحدها الظنون والشبهات والتقارير غير الجادة أو التسريبات غير المترابطة! انما هي عملية معقدة وتحتاج الى جهد إستخباري مضاد، ينبغي أن تنهض به الدول المتضررة، ولكن الأخيرة (ولأسباب كثيرة) غير مؤهلة أو قادرة على القيام بواجبها بما يمكّنها من كشف خيوط ذلك التورط الإستخباري (الغربي تحديداً) في تخليق ورفد الارهاب بنسخته الداعشية حالياً، ونسخه التكفيرية سابقاً! وربما تتدخل عوامل سياسية خفية في عرقلة أو حجب النتائج التي تتوصل لها التحقيقات في بلدان المنطقة المتضررة من الارهاب الداعشي، والتي ينبغي أن تميط اللثام عن الكثير مما يدخل في حيز الألغاز المحيّرة التي رافقت الصعود (غير الطبيعي) لظاهرة داعش في ظل الاكتفاء بالتفرج من الجانب الأميركي وحلفائه الغربيين!
برغم اتساع الثقوب السوداء التي تنتشر في فضاء الشكوك التي تلفّ التورط الإستخباري الغربي الداعم للمنظمات الارهابية التكفيرية (وعلى رأسها داعش)، فان التطورات والأحداث تفرز أحياناً بما يمكن اعتباره "أكواد" يتم بواسطتها فتح مغاليق الشكوك والشبهات بوجود هذه العلاقة، والتي كانت الى وقت طويل أشبه بجدران فولاذية عصية على الاختراق! ومن هذه "الأكواد" ما أفصحت عنه تسريبات "ادوارد سنودن" موظف الـ CIA المنشق، وكذلك التقارير الغربية التي كشفت عن علاقة "بندر ين سلطان" والرئيس السابق للمخابرات السعودية "تركي الفيصل" في تخليق ودعم منظمات الارهاب التكفيري. كما تصب في هذا الإطار ايضاً اعترافات عناصر متقدمة في "القاعدة" تم اعتقالها أميركياً، وقد فضحت بعد الإفراج عنها عن وجود تورط عميق للدوائر الاستخبارية الغربية، بما يؤسس ويرسم لسياسات وأنشطة تلك التنظيمات الارهابية.
كما صاحبت صعود تنظيم داعش الكثير من الخطوات والأنشطة المشبوهة، فضحتها (وإن جزئياً) التسريبات الصحافية الجادة، وكذلك اعترافات قادة من التنظيم تم أسرهم في العراق وسوريا! وكل ذلك كان يلاقي "تجاهلاً أو صمتاً مطبقاً" في أغلب الأحيان من دوائر القرار الغربية، وكأن الأمر لا يعنيهم أو يجري في كوكب آخر! وهو أسلوب معروف لدى المراقبين فيما يمكن اعتباره تكتيك لـ"امتصاص الصدمة" تتبعه تلك الدوائر عادة في مثل هذه الظروف! ويصاحب ذلك أحياناً "تكذيب" الوقائع والمعلومات والقرائن، ومن ثم التقليل من أهميتها! وهو أسلوب بات شائعاً لكثرة تداوله غربياً عبر منصات "المتحدثين الرسميين" أو المسؤولين ذوي الصلة! مثلما شهدنا التهرب الرسمي الأميركي و"تمييع الحقائق" حينما يواجَه الأميركيون بلغز حادثة إطلاق سراح زعيم داعش الإرهابي "إبراهيم عواد البدري، المعروف بأبي بكر البغدادي" من معتقل "بوكا" الأميركي عام 2009، مع معرفة الأميركيين بأن المذكور هو من عتاة الارهابيين! وذات الأسلوب اتبعته الإدارة الأميركية إزاء المعلومات والشهادات الموثقة والقرائن؛ بل واعترافات الأميركيين أحياناً، بإلقاء الطائرات الأميركية مؤناً وشحنات من الأسلحة "بالخطأ" فوق المناطق التي بقبضة داعش في العراق وسوريا! كما تعاملت الدوائر الغربية بأسلوب "التجاهل المتعمد أو الصمت المطبق" اللذين هما توأم التواطؤ، مع التقرير الخطير لوكالة "وورلد نيت دايلي" الأمريكية حينما نقلت تسريبات عن مسؤولين أردنيين بأن "أعضاء داعش سبق لهم أن تلقوا تدريبات عام 2012 من قبل مدربين أميركيين يعملون في قاعدة سرية بالأردن"، وأشار المسؤولون إلى أن "عشرات من أعضاء التنظيم تدربوا في تلك الفترة كجزء من مساعدات سرية كان يتم تقديمها للمسلحين الذين يستهدفون سوريا"، وأضافوا أن "تلك التدريبات كانت تهدف إلى قيام المسلحين بعمليات مستقبلية في العراق". وسبق للوكالة المذكورة أن كشفت في شباط 2012 عن أن أميركا وتركيا والأردن يديرون سوياً قاعدة تدريبية للمسلحين السوريين في بلدة "الصفاوي" الأردنية التي تقع بالمنطقة الصحراوية في شمال البلاد.
* * *
سعت بريطانيا مؤخراً الى الظهور بمظهر "المحموم" بمطاردة الارهابيين التكفيريين (وخصوصاً الدواعش) وأنشطتهم في الغرب، وتطويق أو "القضاء" على ظاهرة تجنيد الأوروبيين لصالح داعش ونظائره، والحدّ من سفر هؤلاء الى "مناطق النزاع" الملتهبة في سوريا والعراق! وجاءت هذه "الصحوة" البريطانية بعد أحداث "شارلي إيبدو"، وما صاحبتها من استياء أوروبي شعبي إزاء "التساهل" الواضح مع ظاهرة سفر العناصر التكفيرية الأوروبية للالتحاق بتنظيماتهم في العراق وسوريا! وبعدما تراوح عدد المقاتلين المنضوين تحت راية تلك التنظيمات من البريطانيين بين 1000 - 2000 عنصر (حسب صحيفة الديلي ميل) والرقم آخذ في التصاعد!
برزت مؤخراً قضية سفر الفتيات البريطانيات الثلاث الى سوريا عبر تركيا، لتنقذ التوجه البريطاني الأخير وترفده بمادة إعلامية وسياسية غير مكلفة، يمكن بواسطتها تلميع صورة الأجهزة البريطانية الأمنية والمؤسسة السياسية، والإيحاء بأن بريطانيا قادرة على "الإيفاء بالتزاماتها الأمنية"، وانها "ماضية في التضييق على الارهابيين فوق الأراضي البريطانية"، وان أجهزتها الأمنية "غير غافلة عن أنشطة تجنيد وتسفير العناصر الارهابية الى مناطق النزاع في سوريا والعراق"! هذا أقصى ما ارتأته بريطانيا من إثارة ملف الفتيات البريطانيات الثلاث لتلميع صورتها! وكافحت لتسويقه للرأي العام البريطاني وكذلك الدولي طيلة الأسابيع المنصرمة! الى هنا يمكن اعتبار الموضوع توظيفاً سياسياً وإعلامياً (روتينياً) لقضية لا تمثل أساساً جوهر التعقيد في ملف أنشطة التكفيريين الأوربيين، ولا تُعد نصراً أمنياً أو سياسياً لبريطانيا التي تتباهي بـ "عراقة" تفوّق أجهزتها الأمنية والاستخبارية! لأنه -ببساطة- قد تمكّنَ المئات من البريطانيين او المقيمين في بريطانيا من الانتقال (وما زالوا) الى "مناطق النزاع" بسلاسة، دون أن يثير ذلك مثل هذه الزوبعة الأخيرة التي صاحبت سفر الفتيات الثلاث المذكورات!
ولكن الذي لم يكن في حساب الأجهزة الأمنية البريطانية وهي تقوم باستعراضها، هو رمي الكرة في ملعب الاستخبارات التركية دون التحسب الدقيق للنتائج! وتصوير الأخيرة على انها هي "المقصّرة"، أو بتعبير أخفّ "مسؤولة" عن انتقال الفتيات البريطانيات الثلاث من اسطنبول (الوجهة التي قصدنها من لندن في 17 فبراير الماضي) الى سوريا، حيث "سرّبت" الصحافة البريطانية بأن هناك" شهادات" بأن الفتيات قد وصلن الى مقرات داعش في الرقة يوم 24 شباط الماضي بصحبة فتاة بريطانية رابعة كن نسقنَ معها قبل السفر إلى سوريا!
هنا ثارت ثائرة الأتراك واعتبروا التصريحات البريطانية "استهدافاً رخيصاً للمهنية العالية للمخابرات التركية" كما صرّح بذلك بعض المسؤولين الأتراك! وصاحب ذلك شعور الأتراك بأن بريطانيا (وربما تتبعها دوائر غربية أخرى) تسعى الى غسل أياديها من التورط السافر في صناعة ودعم التنظيمات الارهابية المنخرطة في النزاع الدائر في المنطقة، ومحاولة إلصاق هذه "التهمة" أو "التقصير" بالمخابرات التركية لوحدها! وكعادتهم في الإنجرار وراء ردود الأفعال السريعة والحادة، لم ينتظر المسؤولون الأتراك كثيراً لردّ الصفعة الموجهة اليهم، بيد انهم قصدوا أن يستهدفوا الدوائر الغربية مجتمعة، ولكن من الشق الكندي هذه المرة (وليس البريطاني، ربما لحسابات معقدة خفية)، فلقد صرّح وزير الخارجية التركي "مولود أوغلو" في 12 مارس الماضي بأن "الشخص الذي ساعد الفتيات البريطانيات الثلاثة في الدخول إلى سوريا يحمل الجنسية السورية، ولكنه يعمل لصالح جهاز استخبارات دولة في التحالف، وإن الوضع يشهد تعقيداً في ظل الانتقادات المتواصلة التي نرفضها بحقنا"! ففجّر الوزير بذلك قنبلة أحرجت البريطانيين الذين ظهروا بأنهم "آخر من يعلم، أو يعلم ولكنه متواطئ"! وكذلك استهدفت القنبلة قلب الطاولة على الأجهزة الاستخبارية الغربية (وبضمنها البريطانية) التي تريد أن تقدم الاستخبارات التركية ككبش فداء في خضم تعقيدات اللعبة الدائرة! وما لبثت أن كشفت مصادر رسمية تركية وعبر وسائل الإعلام تفاصيل أكثر عن فحوى تصريح الوزير التركي، اذ تبين ان الأجهزة الأمنية التركية قد تعرفت في 17 فبراير الماضي على الشخص الذي ساعد الفتيات الثلاثة في العبور إلى سوريا، وان الاسم المستعار للمتهم هو "الدكتور محمد راشد" وقد قُبِض عليه في 28 شباط من قبل قوات الأمن في مدينة "شانلي أورفه" التركية، وكان "راشد" قد استقبل الفتيات في مطار إسطنبول، وأوصلهم في اليوم التالي إلى مدينة "غازي عنتاب" جنوب تركيا ليسلّمهن إلى عنصر في داعش اسمُه المستعار "أبو بكر". وتمّ استجواب المتهم في محكمة تركية مختصة في 4 آذار، واعترف بالكثير عن نشاطاته، ومما قاله: "أنا أعمل لمصلحة الاستخبارات الكندية، وأُطلع القنصلية الكندية في الأردن على المعلومات التي أحصل عليها"، وذكر أنّه "يسافر ببطاقات سفر تقدّمها له الاستخبارات الكندية، وانه أبلغ الأخيرة بإتمام مهمته بتهريب الفتيات يوم 21 شباط"!
أما عن ردود الأفعال الرسمية البريطانية أو الكندية أو الأميركية، وكذلك باقي الحلفاء الغربيين، فكانت تقليدية، أي التزام الصمت والتجاهل لـ"امتصاص الصدمة"، ولكن في الشق الكندي لم يصمد هذا التكتيك طويلاً، اذ تطور هذا الأمر ووصل (الاتهام) الى قاعة البرلمان الكندي، حينما تناولت الموضوع "ميغان ليسلي" زعيمة المعارضة الكندية النائبة في البرلمان من الحزب الديمقراطي الجديد، وأعلنت عن انها تصدق مزاعم الاستخبارات التركية فيما أعلنته بشأن تورط عنصر في الاستخبارات الكندية في قضية البريطانيات الثلاث، اذا لم تحصل على إجابات شافية من  وزير الأمن الكندي، والذي وجهت له سؤالاً بهذا الخصوص! وسايرها في طرح السؤال عدد من النواب، لكن جواب الوزير الكندي جاء ليغذي الشكوك القائمة بالكثير من الغموض! اذ أجاب: "لدينا خلفية عن هذا الموضوع لكن لا يمكنني التعليق على قضايا الأمن القومي، لكننا نريد إصدار قانون ضد الإرهاب لمثل هذه الحالات"! وفي هذا السياق، رفضت "جوانا كوينني" الناطقة باسم وزارة الخارجية الكندية، الإجابة على سؤال لمراسل وكالة "الأناضول" طلب فيه معلومات عن هذا الموضوع، فاكتفت الناطقة بالإشارة إلى "أن الأمر دخل في حيز وزارة الأمن العام"!
* * *
لغز تورط المخابرات الكندية في "التعامل" مع داعش ليس الحلقة الأخيرة في مسلسل ما يتم كشفه من أسرار وخفايا خطيرة مرة بعد أخرى، بما يوضح مدى تورط الدوائر الغربية في الأحداث الجارية في منطقتنا الملتهبة بنار الحرب الارهابية التي يشنها (في الواجهة) التكفيريون، بنسخة داعش ونظائره، لتطبيق أجندات خارجية مشبوهة ومعقدة! وهذا لا يجعلنا نفرط في التفاؤل بأن ملفات من عيار التورط الكندي سيتم فتحها دولياً أو اقليمياً، حيث تتداخل فيها أدوات الضغط وتتشابك المصالح العليا على حساب شعوب المنطقة! أما محلياً، فمستبعد أيضاً إثارة مثل هذه الملفات (الفضائح) الأخيرة، بواقع ان المعركة القائمة تحتاج الى تركيز الجهود والطاقات، والرغبة في عدم "التشكيك" بنوايا أعضاء التحالف الدولي في "الحرب على الارهاب" مما يهدد بفرط عقده، مما يشكل نصراً معنوياً للإرهاب!
والطامة الكبرى ان من يقود التحالف الدولي وحلفائه هم أول المتورطين في دعم الارهاب، ويُنشر غسيلهم القذر بين فترة وأخرى، ولكن تسارع الأحداث في المنطقة وسخونتها، وخطورة ما ينتظر شعوبها من مضاعفات كارثية، يفضي الى "التزام الصمت" من المتضررين والمنكوبين، وينجر ذلك -للأسف- على الحكومة العراقية أيضاً! لذا ينبغي التفكير ملياً في كيل الفضائح الذي طفح، وعليه، ليس من الحكمة عدم الأخذ بجدية المعلومات المتواترة والمرفقة بشهادات الشهود والمستندات (كأفلام الفيديو) واعترافات عناصر أسيرة من داعش، بتورط الطائرات الأميركية بإلقاء شحنات الأسلحة والمؤن على مناطق نفوذ داعش، أو "النيران الصديقة" للتحالف التي لا تحبذ سوى قصف مواقع "الحشد الشعبي" وقطعات القوات الأمنية العراقية! وربما هناك من الملفات في حوزة الأجهزة الأمنية العراقية ما يفوق بأضعاف حجم التورط الذي كشفه عميل المخابرات الكندية المنضوي مع داعش! 
لنتيقن ببساطة، ان من يساعد في تهريب مجندين تكفيريين أوروبيين الى مناطق داعش (كما فعلت المخابرات الكندية)، لا يتردد في رفد داعش بالأسحلة والمؤن جوّاً، أو يصوّب "نيرانه الصديقة" نحو أبطال "الحشد الشعبي" والقوات العراقية، ما دامت أجندات "الفوضى الخلاقة" تجري فصولها المدمرة! ولنتيقن أيضاً بأن ما يرشح من فضائح التورط الإستخباري الغربي في دعم داعش ونظائره، هو جزء من مخطط كبير لا يتوقف عند الحريقين العراقي والسوري، ولكن إرادة الشعوب كفيلة بإسقاط هذه المخططات، كما أثبتت انتصارات القوات العراقية وأبطال "الحشد الشعبي" الأخيرة في محافظة صلاح الدين.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=59461
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 03 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16