• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الالحاد بين الوصف والتفسير "مقاربة لفهم الالحاد " .
                          • الكاتب : عبد الخالق خضير عليوي .

الالحاد بين الوصف والتفسير "مقاربة لفهم الالحاد "

الالحاد ليس بالظاهرة الجديدة, كما انه ليس بالغريب ان يعلن احدهم الحاده على رؤوس الاشهاد ,فلطالما اعلن الدهريون عن انفسهم وناقشوا ائمة المسلمين ,بل واصر بعضهم على رايه حتى النهاية رغم تكرار نقاشاته مع الدعاة بل ومع الائمة المعصومين ,فالتاريخ يذكرنا بابي العوجاء الذي حفظت لنا كتب التاريخ مناظراته مع الامام الصادق الذي كان لينا غاية اللين في حواره ,وبالإجمال لم تسجل كتب التاريخ ان احد الائمة استخدم اسلوبا تعنيفيا او اقصائيا مع هؤلاء الدهريون او الملحدون .
واذا ما تتبعنا المسار التاريخي فسنمر  بشخصيات متعددة وسمها  المؤرخون  بالإلحاد كالديصاني وابن المقفع , ومع الاقتراب من عصرنا الحديث نجد ان الحال استمر كما هو عليه  ففي ثلاثينات القرن  العشرين يواجهنا دكتور اسماعيل ادهم صاحب المقال المشهور (لماذا انا ملحد) الذي كتبه ردا على محاضرة (عقيدة الالوهية)1936 ,للدكتور احمد زكي ابو شادي, وقد رد العديد على اسماعيل ادهم ,  فكتب محمد فريد وجدي رسالته (لماذا هو ملحد) وكان مما قاله فيها :ان النزعة الالحادية التي تبناها د. إسماعيل ادهم ليست بالأمر الجديد على الفكر الاسلامي ولا ينبغي على المسلمين ان يضيقوا بها .فلطالما انتصر الاسلام على الملاحدة بالحب والبرهان ,وخلص وجدي الى ان العلة الحقيقية لإلحاد اسماعيل ادهم ترجع لغربته التربوية والفكرية عن روح الاسلام .وهذا يتسق مع كونه قد اتم دراسته الثانوية في انقرة, والعالية في لينينغراد .كما ان رسالته تحمل نفس الاسم الذي يحمله احد كتب الفيلسوف الانجليزي  برتراندرسل (لماذا انا ملحد),وقد انتهى ادهم منتحرا عام 1940 ,ويا لها من نهاية لا تنسجم وقوله انه كان مطمئنا لإلحاده تمام الاطمئنان.
اما اليوم فليس ادل من انتشار هذه الظاهرة  ان الازهر والكنيسة القبطية في مصر عقدا مؤتمرا لمناقشة انتشار الظاهرة ,وقد اقر الطرفان ان مادة تلك الظاهرة هم الشباب ,واعلن وزير الاوقاف المصري وكذا وزير الشباب عن اطلاق  حملة قومية لمكافحة الالحاد ,وقد تضمنت هذه الجهود مبادرة ((بالعقل كده))كصفحة على الفيسبوك ,اضافة الى خط ساخن لمساعدة عوائل الملحدين .وأرجع شيخ الازهر انتشار هذه الظاهرة في أوربا وأمريكا الى انتشار الفلسفات المادية وهيمنة التكنولوجيا التي أصبحت تتحكم بكل شيء تقريبا .أما في الدول العربية الاسلامية فان هذا الانتشار أشبه ما يكون بالموضة التي يتناقلها دون وعي ولا تفكير .
ورغم ان العديد من كتاب المقالات اشار الى شيوع الالحاد في العالم العربي والاسلامي في الاعوام الاخيرة الا انه لا توجد احصاءات دقيقة وموثوقة حول مدى انتشارها ,بل تفاوتت التقديرات ,فمؤسسة مثل بورسن مارستليز الامريكية ادعت ان نسبة الانتشار تصل الى 3% في مصر -علق البعض بالقول ان هذه المؤسسة غير رصينة وليست بالكفؤة-
اما معهد غالوب الذي يتخذ من زيورخ مقرا له فادعى ان نسبة انتشار الالحاد  في السعودية تصل تتراوح بين 5-7% من مجموع السكان ,و ان مجموعة من الشباب السعودي قامت بإنشاء حساب في فيسبوك اسمته (جمعية الملحدين السعوديين),كما تتوافر حسابات اخرى على تويتر ,وهناك حساب مماثل باسم الملحدين السودانيين ,واخر باسم الملحدين العرب, أما في لبنان وتونس فأن النسبة لا تتجاوز 5%.   حسب مركز غالوب  .
ان نسبة انتشار الالحاد في العربية السعودية تعد مؤشرا خطيرا سيما في دولة دينية شرعت مؤخرا قوانين تعتبر التشكيك بالمبادئ الدينية الاسلامية بمثابة ارهاب تعاقب عليه الدولة ,ولعل ارتفاع نسبة الالحاد في السعودية هو رد فعل نفسي للتشدد والتطبيق المتزمت للشريعة وكذلك وجود منظومة تربوية صارمة ,وهو أمر ايده انور العشقي رئيس مركز دراسات الشرق الاوسط .

اما في العراق فقد ادعى احدهم (جون ريكاردو كول)ان نسبة الالحاد بلغت 32%عام 2011 وهي نسبة مبالغ فيها بصورة كبيرة وغير موضوعية خاصة اذا علمنا ان من اجراها هو شخص ملحد وان الجهة المشرفة على الاستبيان مجهولة كما اشار لذلك الكاتب رشيد السراي .وليس ادل على لا واقعية هذه الدراسة ان دراسة اخرى لمعهد غالوب بينت ان العراق سابع دول العالم تدينا وانه خالي تقريبا من الالحاد(نقلا عن المدى بريس).
اعتقد ان كل فرد ولا اقول كل مراقب قادر على الاستنتاج انها نسبة كاذبة وليس مبالغ فيها ,فهكذا نسبة تعني وجود اكثر من عشرة ملايين انسان من مجموع السكان المقدر ب 32 مليون ,وهذا يدفعنا لطرح مجموعة اسئلة – أيكون اغلب المشاركين في الزيارة الاربعينية ملحدين؟
-أم ان كل المتبقي من الطيف العراقي (كرد, سنة, مسيحيون ...) ملحدون ؟
نعم ان الالحاد موجود في العراق . هناك من يروج لها ويريد تضخيم نسبته لتكون حافزاً لقبوله ,ويعود ذلك الى شيوع ظاهرة التطرف الديني ,واستفحال التناحر المذهبي فبرزت ظاهرة رفض الدين بكل مسمياته في الاوساط الشبابية .ومما ساعد على ذلك فشل الدولة (التي تسيطر الاحزاب الدينية على اغلب مفاصلها) في تحقيق العدل والمساواة بين اطياف الشعب .فاخذ الكثير من الشباب يتجه الى قراءة كتب تدعو الى نبذ الدين والتوجه نحو الالحاد ,وحسب د. جعفر النصراوي فان هذه الظاهرة وان لم تكم جديدة على العاصمة بغداد الا انها كذلك بالنسبة لمدينة مثل الانبار اكثر المدن العراقية تشددا وتطرفا بعد أن استبيح الدم العراقي على يد المتطرفين الدينيين، اتجه الشباب الى مظاهر لادينية فكرية او سلوكية ,وكمتابع متواضع اتفق الى حد بعيد مع من يقول ان انتشار العلمانية ليس هو السبب في انتشار ظاهرة الالحاد ,بل ان نشر العلمانية والفكر الحر قد يزيد الفرد المسلم تمسكا بثوابت دينه وتحرر عقله من الاوهام وتجعل ايمانه مستندا الى قناعته الذاتية ,ام عن اسباب الظاهرة  فنحن نقترح مجموعة من النقاط  نجملها بالتالي:
1-انتشار الفكر الظلامي المتطرف سيما الفكر الوهابي الذي يقدم  نفسه على انه نموذج الاسلام الاصيل وتشويه الاتجاهات الاسلامية العقلانية. ويقول وليد أبو الخير الناشط السعودي في مجال حقوق الإنسان قال في اتصال إن هذه الظاهرة لا يمكن اعتبارها إلحادا بقدر ما هي تشكيك في الخطاب الديني والسياسي السائد في المملكة وبالتحديد مناهضة للتيار الوهابي في السعودية. ويتسق مع ذلك ما نقله جعفر النصراوي عن احد الشباب مدينة الانبار والذي رمز لاسمه ب (م .خ)، إني "قبل عامين وعن طريق الصدفة زرت أحد الأصدقاء في بغداد ووجدته قد انسلخ عن فكره الديني وبات يسب ويشتم الأحزاب الإسلامية ويتهمها بدمار العراق، فجادلته واختلفت معه كثيرا ووصفته في حينها بالكافر والملحد"، مبيناً أن "صديقي استوعب غضبي وأقنعني بقراءة كتاب أهداه لي في ما بعد يتحدث عن فصل الدين عن السياسة وعن الفكر الماركسي ومدى إمكانية نجاحه داخل المجتمع العراقي". ويضيف (م.خ) أني "خلال نقاشنا أخبرته أن العلمانيين وخاصة الشيوعيين بالعراق فشلوا إلى حد كبير ولم يحققوا شيئاً للناس، لكنه قال كلمة ظلت تدوي في رأسي وهي أن المستقبل لنا"، لافتاً إلى أنه "بعد قراءتي للكتاب اقتنعت بشكل تام أن الحل لمشكلة الطائفية هو الابتعاد عن التعصب الديني الذي يقود إلى الفرقة والتشظي". ويشير (م.خ) إلى أنه "منذ ذلك اليوم وأنا أقرأ وأتابع الكتب الشيوعية أو التي تدعو على الأقل إلى العلمانية فتأثرت بكثير من أطروحاتها، وقررت أن أوزع الكتب على المقربين مني وهكذا انتشرت بين الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء"، مؤكداً أن"هناك شبانا من دعاة الابتعاد عن الطائفية والتعصب الديني لكنهم بدون تنظيم حزبي". ويصف (م.خ) معاناته مع رجال الدين وشيوخ العشائر بقوله أنني والشباب الذين يؤمنون بالاعتدال معرضون لخطر الموت بسبب تهمة التكفير. وهنا اود اقول باني لم المس الحادا في كلام السيد (م خ) ولا ادري لم تم ايراد كلامه في مقال حول الالحاد فالعلمانية ليست الحادا ,والقول بان الاحزاب الاسلامية فشلت سياسيا لا يعني القول بعدم وجود الله والانبياء


2-هيمنة تجارب الحكم الفاسدة التي فشلت باحتواء غالبية المجتمع المتمثلة بالشباب فأفقدته ثقته بنفسه ودينه
3-عجز (رجال الدين) عن الرد على شبهات الشباب التي زاد تواترها مع عصر الانترنت الذي قدم للشباب معلومات لم تكن متاحة لهم مما جعل ردود من يمثل المؤسسة الدينية تتسم بالسذاجة ومن الامثلة على ذلك أن أحد رجال الدين طالب في مؤتمر عقد في القاهرة بتشريع قانون  يمنع العلمانية ,وكأن هكذا تشريع سيحد من استمرار ظاهرة الالحاد. يضاف لذلك انشغال الاباء عن مناقشة شبهات ابنائهم فيؤسسوا بذلك لتدين سطحي لا يقوم على دليل حقيقي لدى أبنائهم.
ولعل مما يؤيد هذه النقطة ما ذكره أحد الذين يصفون انفسهم بالملحد(أحمد أرجونا المصري): .. وحاول والدي اللجوء لشرائط الدروس الدينية وتشغيلها بصوت عال لربما استمع اليها ,ولم يدرك أنه بذلك يفقدني اكثر واكثر لان انعدام المنطق لدى مثل هؤلاء الشيوخ وسطحيتهم احيانا ,ووجود مغالطات تاريخية وعلمية في دروسهم كان ينفرني أكثر وأكثر ....
4- شيوع تذمر اجتماعي واسع  من تمتع قسم كبير من  رجال الدين واستئثارهم الظاهر بنعيم الدنيا تحت مسميات مختلفة ,وندرة رجل الدين النزيه الذي لا يسخر الدين لمصالحه الشخصية او مصالح حزبه السياسي, فصار اغلب الناس ينظرون لأغلب من يرتدي الزي الديني على أنه انتهازي يقتات على  اموال الفقراء , وكل ذلك بأسم الدين (الزكاة,الخمس ....)في حين يكدح الشاب في رحلته بحثا عن عمل ,ويلخص الباحث ممدوح الشيخ هذا الواقع بالقول :ان ما حدث هو نتيجة لعدم مطابقة سلوك رجال الدين مع فكرة الدين مما ادى الى اهتزاز كل ما يمثل الخطاب الديني لدى شرائح الناس .
4- بحث الشباب عن دليل محسوس لإثبات وجود الله ,وهو امر ينسجم نفسيا مع مراحلهم العمرية ورؤاهم الثقافية مع جاذبية عرض بعض النظريات وبالأخص نظرية التطورلدارون ,ونظرة تعدد الاكوان لهوكنغ فيعتبروها التفسير المتاح الذي تتبناه الكثير من المؤسسات التي تقدم نفسها ممثله للعلم وانها تمثل الاجابة العلمية لتساؤلات الشباب فيقتنع بها ذوي التفكير السطحي دون تمحيص او تدقيق ,رغم أنها في حقيقة الامر لا تقدم اي اجابة للتساؤل عن كيفية النشأة الاولى.
يكتب أحد من يصفون انفسهم بالملحدين: استيقظ يا صديقي .....فلا يوجد في السماء شيء انها فارغة فقد وصل بنا العلم الى 13,7 مليار سنة ولا اثر لربكم ولا ملائكته.
والتعبير اعلاه يدل بنفسه على سطحية كاتبه فهو يتصور ان رب المتدينين جسم مادي وكذا الملائكة.
5- فيض ما تبثه القنوات الفضائية من برامج تشكك بالدين دون وجود شخصيات واراء مقنعة ترد على هكذا برامج ,وايضا ما توفره المواقع الالكترونية من فرص لتفاعل الملحدين فيما بينهم ,كما بين احمد العشقي :ان مواقع التواصل ووسائل الاعلام الحديثة أسهمت بصورة محورية في انتشار ظاهرة الالحاد اذ اصبح بالإمكان ان يتفاعل الملحدون بينهم رغم بعد المسافات فيما بينهم. يضاف لذلك الانفتاح الكبير وحرية التنقل الذي سهل الاطلاع على تجارب حياتيه جذابه وغريبة .
6- وجود جهات خارجية تتخذ من تسخيف الدين وسيلة للحط من الدين الاسلامي وبالتالي تحقيق أهدافها بتفتيت العامل الاهم بتوحيد شعوب المنطقة رغم علل تلك الوحدة وقد نوه د. احمد الطيب شيخ الازهر في احدى المرات بان جهات خارجية تنفق بسخاء لنشر الالحاد في مجتمعاتنا. خاصة مع تحكم تلك الجهات بوسائل الاعلام ونشر الاخبار وقد تكون المبالغة بتقدير نسب انتشار هكذا ظاهرة ما هي الا وسيلة لدفع الشباب الى التشكيك بمعتقداتهم. وهو امر اشار اليه رشيد السراي في مقاله :هل فعلا ان نسبة الالحاد في العراق 32%.
7- كبت الحريات وسلب الارادة باسم الدين فالجميع ليس لديهم شجاعة لمناقشة الدين لان هذا يتطلب اسقاط هالة القدسية التي تغلفه حتى يستطيع العقل أن يدرس بحرية. بل ان بعض الكتاب والروائيين تعرض  للاغتيال والتكفير والتفريق عن الزوج أو الزوجة......
اخيرا ينبغي التمييز بين الالحاد وبين اتخاذ دين اخر فليس كل من ترك الاسلام اصبح ملحدا فالعديد منهم يتجه الى المسيحية لاعتقاده انها دين مسالم (نقطة رقم 1)
بقي أن اقول بأن لظاهرة الالحاد اوجه متعددة وقد نعود لمعالجة الوجه الفلسفي لها والعلمي وايضا الاخلاقي في مقال اخر .

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=59651
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 03 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19