المصالح السياسية والاقتصادية غالبا هي اكثر العوامل التي تؤثر سلبا او ايجابا على قرارات ومواقف الدول عبر سياستها الخارجية وهي التي تحدد مدى تقاربها مع أي من الدول الاخرى مهما كانت المسافات القومية او العرقية او الدينية والمذهبية التي تفصل بينهما ودائما ما تلجأ الدول الى استخدام سياسة الحياد اذا لم تجد مصلحة لها في موقف او حدث ما , معللة تصرفها بشتى الاسباب حتى تحتفظ على اقل تقدير بالعلاقات الدبلوماسية الطبيعية مع بقية الاطراف .
فالحكومة التركية ومنذ زمن ليس بالقصير نراها تنتهج مثل هذا النهج وهو ليس عيبا ابدا في سياستها الخارجية , فهي دوما تبقى محتفظة بروابط مستديمة مع كل الدول العربية منها او الاسلامية وغيرها فعلاقاتها مثلا مع العراق دبلوماسيا علاقات متينه ولا غبار عليها على وجود بعض التجاوزات التي تنتهجها احيانا الحكومة التركية , وعلاقتها مع ايران ايضا تجدها مستمرة على وجود الخلاف الامبراطوري الذي يسيطر على الدولتين في سعيهما للسيطرة على المنطقة وهكذا بقية علاقاتها مع الدول الاخرى ولكن .
تقرب الاتراك من الاسرائيليين في هذا الوقت تحديدا يحمل عدة علامات استفهام خاصة وسط خضم الاحداث التي تمر بها المنطقة والموقف الدولي من التعنت الصهيوني تجاه القضية الفلسطينية وتحول الموقف الامريكي بعيدا عن الاسرائيليين , كل هذه الاحداث تجعل المراقب يتصور في افضل الاحوال العلاقات بين الاسرائيليين من جهة وبقية الاطراف من جهة اخرى تاخذ وضعا ساكنا يحافظ على الحد الادنى من اللياقة الدبلوماسية المطلوبة تجاة الادارة الامريكية ودول الاتحاد الاوربي من جهة والدول العربية والاسلامية المعادية للصهاينه من جهة اخرى , الا ان تصريحات السيد نائب رئيس الوزراء والمتحدث الرسمي باسم الحكومة التركية بولنت آرينتش التي اطلقها يوم 4 نيسان 2015 بقوله (( تركيا يمكن ان تكون شريكا جيدا لامن اسرائيل )) معبرا عن فخره بان تركيا ليس لها افكار او وجهات نظر معادية للسامية وان فكرة معاداة السامية لم تلق الترحيب في تركيا ابدا , حقيقة لا اعرف لماذا اطلقت هذه التصريحات الان وتحديدا في هذا الوقت وما المصلحة التي يمكن ان تجنيها تركيا من هذا وما مدى ردود الافعال التي ستنتج عن الشارع العربي تجاهها , كل هذه الاسئلة ساحاول ان اجيب عنها بايجاز هنا .
ان تاريخ العلاقات التركية – الاسرائيلية يمتد الى عام 1949 عندما اصبحت تركيا ثاني اكبر بلد ذا اغلبية مسلمة بعد ايران ( الشاه عام 1948 ) تعترف باسرائيل كدولة ومنذ ذلك التاريخ كانت اسرائيل المورد الاساسي للاسلحة الى تركيا لتحقق هذه العلاقة مصالح على المستوى العسكري والدبلوماسي والاستراتيجي فقد كان البلدان متفقان على كثير من الاهتمامات المشتركة والقضايا التي تخص اقليم الشرق الاوسط خاصة والعالم عموما فقد وقع عدنان مندريس( ) و بن كوريون على اتفاقية تعاون ضد التطرف ونفوذ الاتحاد السوفيتي في الشرق الاوسط في العام 1958 , وفي العام 1986 عينت الحكومة التركيةسفيرا كقائم بالاعمال لها في تل ابيب الى ان تبادلت الحكومتان السفراء في العام 1991 , واستمر التعاون العسكري بينهما حتى عام 1996 حيث توج هذا التعاون باتفاقية تعاون عسكري حيث تم تشكيل مجموعة الابحاث الاستراتيجية المشتركة , والقيام بالمناورات العسكرية المشتركة مثل ( تدريب عروس البحر ) عام 1998, علما ان الاتراك يحتفظون بمستشارين عسكريين اسرائيليين في قواتها المسلحة , ولحد الان تعتبر اسرائيل المورد الاساسي للاسلحة الى تركيا وان اتفاقية التجارة الحرة بينهما سارية المفعول منذ ابرامها في العام 2000 ميلادية .
بعد احداث اسطول الحرية والاعتداء على السفينة التركية عام 2010 ومقتل 9 افراد من طاقمها طردت تركيا السفير الاسرائيلي لديها واعلن اردوعان تعليق كل العلاقات التجارية و العسكرية وهدد القيام بعقوبات اخرى و اللجوء الى محكمة العدل الدولية ما لم تعتذر اسرائيل عن مقتل المواطنين الاتراك , حتى جاء اعتذار اسرائيل على لسان رئيس وزرائها نتنياهو عام 2013 اتفق فيها الطرفان على تسوية الامر وتعويض ذوي الضحايا وعدم طلب أي ملاحقة قانونية اخرى , ومنذ ذلك التاريخ والعلاقات التركية الاسرائيلية تاخذ مسارا تصاعديا مرتبطا باحداث المنطقة والمصالح المشتركة لهما .
بعد كل هذا يمكن ان نقول ان التصريحات التركية الاخيرة يمكن ان تصب في المصلحة المشتركة للطرفين وان تركيا اليوم تحاول ان تلعب دور طوق النجاة الذي يمكنه ان يخلص الدبلوماسية الاسرائيلية من عزلتها الدولية خاصة بعد سلسلة التصريحات النارية التي اطلقها بنيامين نتنياهو ايام الانتخابات الاسرائيلية ضد العرب والدولة الفلسطينية تحديدا , وانها أي تركيا اليوم تحاول ان تقترب من الدولة اليهودية بعد ان انكشفت الاعيبها على الصعيد العربي والاقليمي وتنامي الدور الايراني في المنطقة خاصة بعد الاتفاق النووي بينها ودول 5+1 , فانها احست بحاجتها للتناغم مع السياسة الاسرائيلية من جديد على حساب القضايا العربية والاسلامية المصيرية . |