إيزابيل بنيامين ماما آشوري.
مستلّ من دفتر مذكراتي : كان الأب عطية يتأمل في وجهي كثيرا وكنت ارى ذلك ولكني اتغاضى عنه فكنت اشعر بعينيه وهي تراقبني عند ذهابي ومجيئي وكانه يُخطط لأمر ما . وذات يوم وعلى مائدة العشاء المقدس في بهو كنيسة (بهنام ) قال لي : لقد كلفوني بالبحث عن بنت تقوم بتمثيل فلم عن القديسة ( فيرونيكا) وقد بحثت طويلا وقد وجدت اثنين من الراهبات (.......) فلانة ، وانتي يا (إيز) ولكني استبعدت (فلانة) لان مشيتها عصبية مضطربة وتُدخن ، واخترتك انت ، فماذا تقولين ، خصوصا وان الدور الذي تقومين به سوف تنالين منه اعظم البركة ، حيث ستُباركك القديسة التي نُصلي لها (2).
فخجلت كثيرا من هذا الطلب خصوصا وان الحديث دار امام مجموعة من الراهبات والآباء المقدسين حتى أني رأيت بعض الراهبات يلكز بعضهن بعض من الغيرة او الحسد سمّه ما شئت. ولكنهن لا يجرأن ان يرفعن عيونهن في عيني ، لأنهن يعرفن ان وراء هذا الهدوء عاصفة مخيفة سبق وأن زرعت الرعب في قلوبهن في مناسبات اخرى.
وقبل أن اتكلم ، اشار الأب إلى شخص جالس معنا على العشاء وقدمه بانه (مخرج الفلم).
فقلت له : صحيح اني امتلك الجرأة على الخطابة واقف في الوعظ امام الناس إلا أنني لم اجرب التمثيل إلا في المدرسة الابتدائية عندما مثلنا دور الخنساء عندما كنت طالبة صغيرة في جنوب العراق.
فقال المخرج وهو الاستاذ (منسي ناحوم ددي) : المسألة سهلة سوف تمرين بتمرين يؤهلك لذلك.
التفتُ للمخرج وقلت له : قل لي الحقيقة . هل أنت الذي اخترتني أو قداسة الأب (بطرس نخّي).
فضحك وقال الاثنان ولكني انا الذي اشرت على قداسة الاب ان يُقنعك لأني رأيت فيك افضل قالب لتمثيل هذا الدور .
فقلت له وكيف عرفت ذلك ؟
قال قبل سنة في موعظة القديس أيوب في كنيسة مار بنهام حيث كانت الكنيسة تغص بالمؤمنين فصرختي صرختك التي لازالت تدوي في أذني والتي ابكيتي فيها كل الحضور وانا معهم.
فقلت له : هل انت مخرج حقائق او ، أوهام ؟
فضحك وقال : انا مخرج كل افلام الكتاب المقدس ومسرحيات يسوع في الموصل وسوريا فهل في رأيك اني انقل اوهام؟
فقلت له : لو اعطاك شخص قصتين تدوران حول موضوع واحد ولكنهما مختلفتان فكيف تعرف القصة الحقيقية من الزائفة ؟
قال : اختار اقربهما للعقل .
فقلت له : أنا اعطيك روايتين الآن لحدث واحد ولكنهما مختلفتان اختلافا هائلا ، هل تستطيع ان تخبرني أيهما اقرب للعقل ، وبأي منهما مسحت فيرونيكا منديلها ؟
فذهل من كلامي واخذ يُقلب طرفه في الحضور الذين ايضا سكتوا وهم مندهشين مما اقوله. ثم قال : ممكن تعطيني هاتين القصتين ؟؟
فقلت له : يا جناب الاستاذ منسي يجب على الانسان ان يقف على ارض صلبه في طرحه للحقائق. خذ رواية إنجيل يوحنا 19: 1 - 17 ((فحينئذ أخذ بيلاطس يسوع وجلده فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة حيث صلبوه)).
ولكن مرقس يُخالفه ويقول أن الذي حمل الصليب ليس يسوع المسيح بل مزارعا مر من هناك كما في إنجيل مرقس 15: 21 ((فسخروا رجلا مجتازا كان آتيا من الحقل، وهو سمعان القيرواني أبو ألكسندرس وروفس، ليحمل صليب)).
فقال الاستاذ (منسي) . ولكن أين الاشكال؟
قلت له : الاشكال هو بوجه من مسحت فيرونيكا منديلها هل مسحته بوجه يسوع حسب الرواية الأولى ، او مسحته بوجه سمعان القيرواني حسب الرواية الثانية؟؟
فسكت طويلا ، والاب بطرس اخذ يُحدق في الصحون التي على المائدة وجميع الموجودين سكتوا.
فقلت له يا جناب الاستاذ (منسي). لم تكن قصة فيرونيكا حقيقية فهي اسطورة رومانية قديمة تقول أن هيلانيكا مسحت وجه الإله زفس فانطبعت صورته في المنديل. اضافة إلى أن هناك قصص أخر كثييرة تجعل قصة فيرونيكا غير مؤكدة حيث يقول بعض الآباء المقدسين بأن فيرونيكا هي مرثا أخت لعازر ، وبعضهم يقول أنها إبنة المرأة الكنعانية ، وبعضهم يقول هي المرأة النازفة. وآخرون يقولون أنها زوجة: زكا (2) وما اكثر الاقوال .
فكيف تقوم باخراج قصة غير متفق عليها ولا دليل عليها من الكتاب المقدس الذي نفسه لم يتفق على من حمل الصليب ولم يذكر فيرونيكا ولا غيرها ولم يذكر ابدا ان هناك امرأة اقتربت من يسوع.
ضحك الاستاذ منسي وقال : لقد سددتي الابواب كلها بوجهي. فماذا ترين انتي لقد رصدنا الاموال لهذا الفلم.
فقلت له : لماذا لا تختار سيرة حياة القديسة (فيرونيا) العذراء الشهيده وقصتها فعلا حزينة تستحق الاهتمام.
وفجأة ومن دون سابق انذار صرخ الأب (بطرس) بصوت جفل له الجميع . كفى اتركي الموضوع . ثم قام وخرج غاضبا بشكل احمر معهُ وجهه وارتعش بدنه.
فقال الاستاذ منسي : ما الذي اغضبه ؟ ولماذا انتفض عندما سمع إسم (فيرونيا).
فقلت له : لأن قداسة الأب (بطرس) يعرف قصة هذه الشهيدة المظلومة التي اصبحت شهيدة على رغم أنف الكنيسة.
فقال الاستاذ منسي لقد زدتيني شوقا لمعرفة قصتها ، فقلت له : باختصار ، أن فيرونيا ماتت شهيدة بعد ان جنى عليها جمالها فقام البابا باغتصابها وتناوب عليها جمعٌ من الكرادلة إلى ان قضت تحتهم. ولكنها بعد موتها بدأت تظهر في الاحلام للبابا ومجموعته الشريرة إلى أن اصابهم (خبل) وتكفيرا عن ذنبه قام البابا برسمها قديسة ووصفها بالشهيدة ، ولكن احد الكرادلة اعترف قبل الموت بما حصل لفيرونيا . وكل ذلك تجده يا أيها الاستاذ في كتاب : سير القديسين والشهداء في الكنيسة الأرثوذكسية. St. Veronica
المصادر والتوضحيات.
1- كتاب قاموس آباء الكنيسة وقديسيها مع بعض شخصيات كنسية للقمص تادرس يعقوب ملطي. وقصتها باختصار هي (تقول القصص المتوارثة في التقليد أن القديسة فيرونيكا مسحت وجه السيد المسيح -حين وقع تحت ثقل الصليب- بدافع من حبّها له وإشفاقها عليه. وعند عودتها إلى منزلها وجدت أن صورة وجه السيد المسيح قد ظهرت علي هذا المنديل، وقد ظهرت الآلام علي ملامحه. يقول التقليد الغربي أن فيرونيكا ذهبت إلى روما وشَفَت الإمبراطور طيباريوس بقوة المنديل الذي تحمله، وأنها عند نياحتها تركته للبطريرك القديس إكليمنضس. ويُقال أن المنديل مازال موجودًا في كنيسة القديس بطرس في روما، مما يشهد بصحة التقليد)
2- مع انهم يعرفون ان قصة فيرونيكا خرافة إلا أنهم قاموا بابتداع صلاة خاصة في القرن الخامس عشر يصلونها حيث اسس الرهبان الفرنسيسكان صلاة ( درب الصليب ) وهى صلاة كاثوليكية تقام كلّ يوم جمعة يقولون فيها : ((لقد تأثرتَ يايسوع بهذهِ البادِرة أظهَرَتهـا نحوَكَ تلكَ المرأة الشفوق إذ مَـسَحَتْ وَجهكَ المُّشوِّه بالدماء والبصاق، فطبعتَ صورة وجهَكَ في مَنديلِهـا)).
3- انظر إنجيل لوقا 19 : 2 ـ10.