• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : رواية ( مملكة الفراشة ) رسالة احتجاج ضد الحرب الاهلية والطائفية .
                          • الكاتب : جمعة عبد الله .

رواية ( مملكة الفراشة ) رسالة احتجاج ضد الحرب الاهلية والطائفية

فازت رواية ( مملكة الفراشة - 515 صفحة ) للكاتب الجزائري ( واسيني الاعرج ) والتي صدرت في عام 2013 , وحصلت على مرتبة افضل رواية عربية , في المسابقة ( كتارا  للرواية العربية ) من مجموع الروايات المشاركة , والتي بلغ عددها 711 رواية عربية , لسنة عام 2015  , وحصلت على قيمة مالية 200  ألف دولار , وترجمتها الى خمس لغات اجنبية , اضافة الى تحويلها  الى عمل درامي سينمائي , وقد انتشرت هذه الرواية كالهشيم النار في الاوساط الادبية والثقافية , اذ طبعت خلال سنة ونصف الى 15 طبعة . وهي تتناول الفترة التي اعقبت الحرب الاهلية , التي اشتعلت في بداية التسعينيات القرن الماضي , في الجزائر واحرقت الحرث والنسل , واكلت نارها 200 ألف انسان , ضمن دوامة العنف والارهاب الدموي , فهي تتناول بعد حريق الحرب الاهلية , وتحولها الى الحرب الصامتة , او الحرب غير المعلنة , وتمثل هذه المرحلة ممارسة الرعب الرهيب على المواطن , والتي يصفها الروائي ( واسيني الاعرج ) بانها ( الحرب ليست فقط , هي ما يحرق حاضرنا , لكن ايضاً ما يستمر فينا من رماد , حتى بعد خمود حرائق الموت , لكل فراشة احترقت اجنحتها الهشة , وهي تحاول ان تحفظ الوانها , وتبحث عن النور في ظل ظلمة كل يوم تتسع قليلاً ) , وهي تتناول اتساع رقعة الرعب والقتل العبثي الصامت على اجنحة الظلام الذي يصطاد المواطنين الابرياء , الذي يحمل طمغة وبصمة الجماعات الدينية المتطرفة والارهابية , التي اعلنت حرب عشواء  ضد الشعب الجزائري بكل فئاته واطيافه , وبشهية الذئب المسعور , في حرب اغتيال ومصادرة حياة المواطن , بصمت رهيب من الانتقام بكل اشكاله , بما فيه الانتقام الطائفي , وتدنيس الدين ببدعة الارهاب والعنف , من اجل تفريق ابناء الشعب الواحد  , وتصوير اديانهم مشروعات  حرب وتدمير وانتقام , بهذا المسخ باسم الدين , بعد ما عرفت الشعوب العربية طعم التعايش الديني والسلمي بمختلف الطوائف الدينية ( لم يكن احد يهتم لقناعات جاره المسلم , او المسيحي , او اليهودي , او الانسان بكل بساطة , فاصبح لايفرق فقط بين الخصوصيات الدينية الكبيرة , ولكن يتفنن في الشظايا والتفاصيل ) ص245 . اي سيطرة الساطور الديني على رقبة المواطن , بشهية العتاة القتلة , وبكل تأكيد بتواطئ مريب يثير جملة من  الشكوك من الدولة واجهزتها العاملة , التي تعمل بعقلية الاطفائي ( سيحرقون البلد بعقلية الاطفائي , الذي لايتحرك , إلا عندما تشتعل النار , لا يعرفون أستباق الاحداث , لم يتغيروا ابداً ) وهم يدفعون المواطن الى تراجيدية الرعب , لتسيطر على جل تفكيره , وتجعله محصور  في قاع الرعب والموت المجاني  , وبأنتظاره في كل زواية من حياته , هذا واقع التراجيدي اللانسان العربي , الموت الذي  يرقد في خاصرة الوطن , ويجعل منه ضحية ضعيفة , لا حول ولا قوة له , سوى الاستسلام الخنوع  لهذه الجماعات الدينية الارهابية , التي تتحرك كالاخطبوط لنشر الموت ( اشعر كأنها ترجيديا هذه البلاد , التي تتمزق بقوة , لا أحد يعرف مصيرها القادم , ولا احد يستطيع ان يلمس طبيعة هذا النزف ليحاول ايقافه ) ص347 . انها فداحة العقل العربي الذي يسير نحو الخراب العقلي والثقافي , ليجعل المواطن بين فكي الموت , بين السلطة المتواطئة , والجماعات الدينية الارهابية , التي تسلك اسوأ الطرق الارهابية وحشية وهمجية , بان تحول المواطن الى لقمة سائغة لسد شهيتها الوحشية , افعالها واعمالها , التي تفتقد العقل السليم , بل بالعقل الموبؤ بحثالات الوحشية البشعة , وحتى براءة الطفولة وشذاها , لاتخرج من بشاعتهم  في حرقها وتدميرها دون رحمة وشفقة , بهذا الغباء والجهل والوحشية , التي لاترحم حتى الرضيع . فعندما كانت طفلة صغيرة تلعب مع الحمام وتطعمها بمودة الطفولة قرب احد الجوامع , يسد طريقها ملثم قاتل ويعنفها لانها تطعم الحمام وقت الصلاة ( لماذا لاتذهبي الى الصلاة ؟ ) فتجيب بعفوية وبراءة ( فمازلت صغيرة ياسيدي , ولكن استطيع فعل الخير , تعودت يومياً , ان اعطي للحمام عشاءه قبل ان أنام ) يرد عليها بعنجهية القاتل ( يجب ان تبتعدي عن المحراب , لان وجودك فيه يفسده ) ترد عليه بلا ادنى خوف او قلق ( لا يمكنني يا سيدي , ان ابتعد وانام , لان الحمام سيموت جوعاً , اذا لم يجدني ) ص35 . وفجأة سمع طلق ناري جاف بلا صراخ , طار الحمام , وظلت الطفلة جثة هامدة في مكانها , الكل هرع اليها , ولكن بعد فوات الاوان ( فزعوا فجأة بقيت وحيدة في دمها , في عمق يدها المفتوحة , بعض حبات القمح الملطخة بالدم , الذي سال من رأسها , ومنذ ذلك اليوم لم يعد الحمام , وفرغت الساحة من اية حياة ) ص236 , هكذا كانت تدور رحى الحرب الصامتة غير المعلنة , وهكذا كان نصيب المواطن من حرائقها اليومية , ومن اجل تسليط المزيد من  الضوء على الرواية ( مملكة الفراشة ) بتناول شخوصها الاساسية , وهي تتحدث عن احوالهم ضمن هذا الحريق من الخراب , ونتابع  مسيرة العائلة مكونة من ( اب وام وبنتان وابن ) والرواية تتحدث بلسان الراوية او الساردة  ( مايا ) وهي ابنة العائلة . 
1 - الاب ( زبير ) :  او ماتطلق عليه ابنته ( مايا ) اسم ( زوربا ) وهو خبير طبي مختص بشؤون الادوية ومختبراتها  , وتقول عنه ( مايا ) بانه يحمل قلب حمامة , يحب الخير لجميع الناس وشارك في حرب التحرير  , لذلك وقف بصلابة اما الغش من المافيا الادوية , التي تبحث عن مناشئ الرخيصة ولا يهمها مفعولها تجاه المريض , بل تسعى بضمير ميت الى الربح المالي , على حساب المرضى , وانهم يرتكبون جرائم انسانية ضد المرضى , بدلاً من اسعافهم بالادوية ذات المفعول الجيد , يتجهون الى استغلال المرضى , في عدم شفائهم وانما مواصلة المرض نحو الاسوأ . فقد ارسلوا له ثلاث تحذيرات بان يبتعد عن طريقهم , وعدم كشف فضائحهم وغشهم  , وستكون حياته في خطر , اذا  لم يستجب الى انذاراتهم , بل واصل طريقه في تجهيز المستشفيات والمواطن , بالادوية الجيدة وليس المغشوشة , واستمر في جسارته في الوقوف ضدهم , لذلك نفذوا تحذيراتهم وانذارهم بعدما تيقنوا , بان ليس هناك سبيل سوى  طريق الموت , لابعاده عن طريقهم , احرقوا مخزن الادوية وصيدليته , ثم لم يمهلوه ان يودع عائلته , (  بابا زوربا كان يعرف ان سوق الادوية , سوق خطيرة , أوقفوه ثلاث مرات في زاوية الشارع الخلفي الملتصق لبيتنا , فكانوا ملثمين , طلبوا منه ان يترك وظيفته , فلم يخصع لهم , فعالجوه برصاصات في عتبة داره . ) 
2 - الام ( فريجة ) او ( فيرجي ) : بعد اغتيال زوجها اصابها الاحباط النفسي والعقلي , واصابها الهلع والخوف , وتدحرجت الى حالة نفسية يرثى لها , وتيقنت في قرارة نفسها , بانها الهدف القادم للموت , او الضحية القادمة , لذلك حصرت نفسها في البيت وتركت الوظيفة ( مدرسة اللغة الفرنسية ) , وحرمت على نفسها الخروج من البيت مهما كان السبب , إلا على تابوت الموت , حتى حرمت على نفسها من الوقوف في عتبة باب بيتها , خوفاً من رصاصة طائشة , بهذا الخوف المتطاير بالرعب , كانت تعيش في وحدتها وعزلتها  الموحشة , , وانغمرت في قراءة روايات الكاتبة البريطانية ( فرجينيا وولف ) , ثم انجرفت بجنون وهوس متصابي الى روايات الكاتب ( بوريس فيان ) وراحت ترسم في خيالاتها بالوهم الافتراضي , بانها من عشيقات الكاتب ( بوريس فيان ) رغم انه توفي قبل ولادتها , وراحت تنسج القصص الخيالية بالوهم , بانها من اقرب عشيقاته  ومن اجلها طلق زوجاته , وابعد كل عشيقاته , واختارها  لتشاركه في سفراته ورحلاته العشقية , وانها سكنت قلبه وخلبت عقله بجنون الحب  , وكان لايتحمل يوماً واحداً بعيداً عنها , وعاشت معه احلى حياة من الغرام والهيام , وتنسج على هذا المنوال , الوهم الجنوني حكايات ومغامرات شتى وبجنون وهوس  , وتيقنت ابنتها ( مايا ) بان امها فقدت علقها وروحها , وهي تسير الى اجلها المحتم , بعدما اشتد المرض عليها ,  الى حد الخطر وتتدهور صحتها حتى  باتت تترقب الموت باية لحظة , ولم يتأخر الموت عن المجيء , لينقذها من حالة الجنون والتعاسة الرهيبة  , هكذا قادت نفسها الى الانتحار الجنوني . واسلمت روحها 
3 - رايان : الابن . الشاب الممتلئ بالحياة والمدلل لعائلته , ويزهو بالاحلام والاماني , والباسمة  للحياة , استدعي الى خدمة العلم , وهناك انقلبت  حياته بشكل جذري من الاهوال والرعب وسفك الدماء , وانجرف الى تعاطي المخدرات والحبوب , وانجرف بسلوكه الى العنف , سواء داخل البيت او خارجه , ووقع في اسر الجماعات الارهابية , وتعهدوا له بتوفير المخدرات والحبوب مقابل تجنيده كارهابي ينفذ الاوامر , واتهم باقتراف جريمة قتل , واودع في السجن المؤبد , وهناك يصاب بالاختلال العقلي  , وينقل الى مستشفى السجن للامراض العقلية , وحين شب حريق هائل داخل المستشفى ليحول اجساد السجناء الى فحم ورماد , بهدف التغطية على فضيحة المتاجرة باعضاء السجناء , وجاء هذا حادث الحريق المدبر , ليمزق الدليل والبرهان في الاجرام بحق السجناء , وضاعت اخباره ولم يعلم احد بمصيره . 
4 - مايا  او ماتطلق عليها تسمية ( مارغريت ) هي ساردة الرواية والناطقة باسمها , تعشق الموسيقى بالهيام الكبير  , وهي ضمن اعضاء فرقة الموسيقية ديبو - جاز , مع الشباب الذين تحدوا الارهاب والارهابين , ولم يتخاذلوا امام التهديدات في اباحة حياتهم , وان يكفوا عن هذا العمل الشيطاني ( الموسيقى ) , وكانت ( مايا ) تعيش اجواء المرح داخل الفرقة الموسيقية , وخاصة وان حبيبها ( ديف ) او ( داود ) كان من انشط اعضاء الفرقة حيوية ونشاطاً واندفاعاً  , رغم رعب الحرب الصامتة , والاجواء غير المشجعة من دوائر السلطة , التي تحاول ان تفشل همتم  , لذلك تساهم في التضيق عليهم , لكن الفرقة الموسيقية بحيوية الشبابية الجسورة  , لاتهاب الصعاب , وخاصة ( ديف ) الخلية الحيوية  الذي كرس حياته للفرقة الموسيقية  , والتعاون اعضاء الفرقة  فيما بينهم بمودة وحب , وكان يزرع الحلم والاماني مع ( مايا ) من اجل ان تكون شجرة حبهم وعشقهم زاهية بالازهار ورياحينها , رغم حالة اللاحرب واللاسلم , والاجواء الوخيمة المخيمة  بالخوف , وفي احدى جولاتهم  العشقية على جسر العشاق , الذي تحول الى تسمية جسر الموتى , لاعداد الضحايا التي فقدت حياتها عليه  , وطالتها الرصاصات الموت الطائشة , فيما هم في نشوة الحب , جاءت رصاصة طائشة لتنهي حياة ( ديف ) وتنهي حبه العشقي المرسوم بالاحلام , وتصيب ( مايا ) فاجعة فقدان الحبيب العاشق . وكذلك الغدر طال ابيها ( زبير ) ومن اجل زيادة فداحة كاهل  الحزن والالم . طلبت منها سلطات الشرطة , ان توقع على تعهد , بان ابيها توفي بالسكتة القلبية , وليس برصاص مافيا الادوية , حتى لاتتحمل السلطات المحلية المسؤولية , وان تظهر الى السلطات العليا , بان الاوضاع الامنية على احسن مايرام , وان اجهزة الشرطة عين ساهرة في ضبط  الاوضاع الامنية , حتى يتمتع  المواطن بالامان والاستقرار  , وليس في حالة الرعب والموت المجاني , لكن ( مايا ) رفضت باصرار هذا العرض المهين والمخجل بالعار , وردت بعنف على ضابط الشرطة ( لن اقتل والدي مرة ثانية ) فاجابها ضابط الشرطة ( صمتك يقودك الى السجن ) 
- والد مقتول , وابنته في البحث , يحيا بلد الشهداء والرفاه والراحة والامن والسياحة . 
ينظر اليها الضابط شزراً 
- لكن لا اريدهم ان ينهكوا والدي , لم يخرج من هذه الدنيا سعيداً , كان منكسراً ومهزوماً ياسيدي , تخيلوا انساناً ترك مخابر امريكا وفرنسا الضخمة , وجاء نحو جهنم , التي كان دائماً يقول عنها , انها وطنه ومقبرته النهائية ) ص125 . . يقودها  هذا القلق الحياتي المضني والمتعب , في البحث عن قشة انقاذ من هذا العذاب الروحي  والركام الثقيل , بعدما فقدت كل شيء في الحياة, قادتها الصدفة الى الشاشة الزرقاء او المملكة الزرقاء ( الفيسبوك ) لتتعرف على ( فادي ) او ما تطلق عليه ( فاوست ) لتجد ضالتها المفقودة ,  و ( فادي ) او فاوست , هو مسرحي هرب اثناء الحرب الاهلية لينجو بجلده من طيش الموت العشوائي , الى اسبانيا , ومن هناك واصل نشاطه المسرحي , وتنشأ حالة حب وعشق مع مرور الايام من خلال المملكة الزرقاء ( الفيسبوك ), ويتحول الى عشق جنوني في المرسلات اليومية , حتى انتظار اللحظة التاريخية باللقاء ( اريد  اراك واركض نحوك , واضمك الى صدري , ان اشبع من انفاسك القلقة , وهي تتقطع على صدري لذة وجنوناً . 
- كلما طال الغياب , كان اللقاء اروع واجمل . 
- حبيبي فاوست , اصبحت هشة جداً , لدرجة اني لم اعد اعرف نفسي , من يضمن لي اني سأعيش طويلاً حتى اراك , اخاف ان يسرقني الموت قبل فوات الاوان , في وضع اللاحرب واللاسلم , التي تعيشها مدينتنا وهو الاقسى , غيابك حبيبي طال , وطاقتي على التحمل تجاوزت حدها . 
- وماذا اقول عن منفاي الذي قارب العشر سنوات ؟ في العينين انت اجمل عمر , لم يبق الكثير لكسر هذه الغربة القاتلة ) ص26 . وجاءت اللحظة التاريخية التي طال عمرها , في عشق ملتهب , ثلاثة سنوات وعشرة اشهر وتسعة وعشرين يوماً وكذا ساعة ودقيقة وثواني . حين يتهيأ ( فادي ) او فاوست للعودة الى الوطن , بعرض مسرحية ( لعنة غرناطة ) وهي تتحدث عن احداث , الحرب الاهلية في اسبانيا واغتيال  الشاعر الاسباني الكبير ( غاريسيا لوركا) , وكيف كان الخراب والموت يحصد الجميع هناك  . وتتم اللحظة التاريخية المرتقبة باللقاء الموعود , بين ( فادي ) و ( مايا ) , ولكن على وقع الصاعقة بالمفاجئة غير المتوقعة , التي هدمت كل شيء , واحرقت كل شيء , وسقطت شجرة الحب والعشق التي كانت زاهية في انوارها وازهارها , تهالكت في عاصفة هوجاء ومجنونة , حيث صرح لها ( فادي ) بانه لايعرف شيئاُ عنها وعن مراسلاتها , ورياحين  العشق والهيام التي ترسلها  , والاحاديث التي دارت في رحى الهيام , لان شخصاً اخر ينوب عنه , ويتولى المراسلة واحاديث الغرام في مملكة ( الفيسبوك ) حيث قال  ( فانا لا اشتغل به , لا حساب لي في الفيسبوك , لا اعرفه اصلاً , ولا احبه ايضاً , يبدو لي خفيفاً كثيراً , ربما لم اصل الى ادراك جدواه ) ص470 , هكذا يتهدم العالم خلال ثواني معدودة , وتظلم الدنيا , وتطفيء انوارها في زوبعة مجنونة ( دار العالم كله في ثانية في رأس , اخذتني فجأة برجفة داخلية واحسست بالدوار , ولكن اتكأت على مقبض الذي يفصل الجمهور عن الكاتب , بقيت ثواني أسأل نفسي , اذا كنت امام حقيقة ام في عميق دوار كابوسي بلا حدود ) ص470 . انه انتحار روحي لا يحتمله العقل , كأن اكثر من ثلاث سنوات جفت وانهارت واختفت ( هل تعرف ان هناك امرأة مأخوذة بك , منذ ثلاث سنوات على الفيسبوك ؟ 
- معجبة ؟ 
- يبدو . . يعني ...... ) ص471 . 
وتنهار الكلمات وتختنق , لكنها تفتح جرح كبير بالنزف من الالم والضياع والتيه , وترسمها بالخراب الجنوني ( كيف ينتحل اسمك وينوب عنك بوجدان وعواطف  الذات ) لكن الكلمات تفقد معناها ضمن هذه الفوضى العارمة بالجنون , وتهرب من الاختناق الى جسر العشاق او جسر الموتى , كأنها تترقب رصاصات الرحمة , لعلها تجد  ضالتها  الاخيرة , ليزيح عنها هذا الركام الروحي الثقيل ( رميت كل شيء في الميناء القديم , بقت غصة واحدة , كان عليَ ان اخفي حسابي معه نهائياً ) ص482 . هكذا احرقت رسائل الحب والهيام التي كان عددها ( 777 ) رسالة مخصوصة الى العاشق ( فادي ) او فاوست , في عشقها الافتراضي , وازاحت في غمرة الالم نفسها , وانسابت في رقصة الالم , كأنها ولدت من الموت وراحت تنشد اغنية فرقتها الموسيقية , نشيد الحياة والشباب المتكسر , بعد ان فشل نهائياً ان يجد وطناً بديلاً 
تسرق منا الاحلام 
عبثاً نبحث عن سفن تقتلنا 
عن  رياح تعصف بحوسنا وشمسنا 
في بلادنا نحب الرقص ايضاً 
نحب التانغو كثيراً 
لكن لا احد يدعونا للرقص على جسر العشاق 
التانغو ليس للاغنياء فقط 
نشرب بيرة التانغو وننتشي 
ونرقص مع الاشباح على جسر الموتى 
هذا ما ارادت الرواية ان تقوله , وترسل رسالة , بان الحرب الاهلية والطائفية , هي خراب للانسان والحياة , هي تؤكد بان ( ليست الارض هي القاسية , فنحن نضع بها ما يشاء , مساحة ابهى من الجنة تحسد عليها , او جهنم الموت المجاني , البشر والجهل , هما السبب في الخير والشر ) هكذا تسلك الرواية طريق السرد الشاعري , في روعة التشويق , التي تشد القارئ , ان يلتهم سطورها بجاذبية مشوقة 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=63316
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 06 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28