• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هكذا عرفت الحكيم قبل أن يغادر العراق .
                          • الكاتب : صلاح مهدي الفضلي .

هكذا عرفت الحكيم قبل أن يغادر العراق

الساعة الرابعة عصرا...
اليوم صيف عام 1971...
المكان الكرادة الشرقية، كلية اصول الدين.
المحاضر.. صاحب الوجه الملائكي ذو اللحية الشهباء الداكنة انه.. ابو صادق.. السيد محمد باقر الحكيم.

عنوان المحاضرة.. علوم القرآن الكريم..
الطلبة.. النخبة من العاملين في الحركة الاسلامية.
كنت صغيرا ولما ابلغ العاشرة من العمر.. انظر من شباك القاعة التي يحاضر فيها الحكيم – محمد باقر – انه الشاب الممتلىء بالحكمة والقدرة على ارسال المعلومة فيتلقفها هؤلاء الطلبة.. قادة المستقبل.
كانت العيون تنظر بلهفة لهذا الشاب القادم من النجف من المرجعية من القائد الكبير سيد محسن الحكيم هذا الشاب الذي يمثل بكل معنى محمد باقر الصدر هكذا قالوا لي – بعد حين – انهما وجهان لعملة واحدة العملة الذهبية النقية عيار 24.
لقد اختص الاول بالتنظير والتأصيل فيما ذهب الثاني للتفعيل والتحرك وفعلا فقد نعته الاول بعضدي المفدى قال احد الطلبة حين خرج من المحاضرة، لقد شغلني النظر الى وجهه وكلامه واسلوبه عن استيعاب محاضرته.
كان لقاءً عابرا وحينما جلس في غرفة الاساتذة كانت الاحاديث تدور بينه وبين عناد غزوان ومحمد مهدي شمس الدين وجواد علوش وعبد الرضا الوزان مدير التسجيل الذي أدار الجلسة بكل شجاعة وادب.
لم يعرف الخوف دربا الى قلبه وتحدث عن نظام بائس يتهم الحوزة العلمية بإدارة حزب وهمي اسمه الحزب الفاطمي للايقاع والتنكيل بالحوزة واتباعها.
ومنذ تلك الفترة ترسخت في ذهني فكرة وجود حزب ربما فاطمي او غير فاطمي كان هناك تحرك وعمل وان العلماء المعممين كانوا واعين قبل غيرهم، لم يبق الحال كما هو عليه فقد ألغى النظام كلية اصول الدين وبدأ الفساد يدب شيئا فشيئا في اوساط الجامعات الا من صان نفسه لقد بقي السيد الحكيم في كلية اصول الدين قرابة احد عشر عاما مدرسا لعلوم القرآن والفقه والشريعة بجانب علماء كبار كالسيد العسكري والشيخ الآصفي وآل شمس الدين ومحمد بحر العلوم وغيرهم.
حينما اغلق النظام كلية اصول الدين، كان في كل بيت من بيوت النجف فرعا لهذه الكلية وكان \"ابو صادق\" شعلة من نشاط في تنمية الدعوة الى الله، كان تيار الدعوة الاسلامية تيارا جارفا آخذا بالتصاعد والتقادم والانسيابية في قلوب الجماهير، لم يهدأ السيد الحكيم لحظة واحدة حتى تم اعتقاله في احداث صفر في شباط عام 1977م... التقيت مع والدي في دار السيد خليل الهلالي وكان حاضرا السيد مصطفى جمال الدين الذي روى لنا العملية الغادرة لاعتقال السيد الحكيم بعد خروجه من داره.
علمت بعد سنين وعندما كنت سجينا في قسم الاحكام الخاصة كيف كانت احوال محمد باقر الحكيم في السجن.
اشار لي احد السجناء المخضرمين.. ها هنا كان السيد الحكيم معتقلا في زنزانة انفرادية... استمر بالحديث الاخ ابو جعفر – باقر فاخر الناصري – بدأوا معه بالتعذيب في اول يوم دخوله السجن وكان احد السجانين موكولا به وبتعذيبه، يدخل عليه كل يوم ليعذبه ويهينه وينال منه ومن ابيه المرجع الكبير... ولكن الداعية الكبير محمد باقر الحكيم وبأسلوبه الرسالي وبأخلاق اجداده آل البيت عليهم السلام حوّل السجان الى موال حقيقي، فتحول الى خادم مطيع للسيد الحكيم لينزل عند قدميه ويقول له كما قال اليهودي لموسى بن جعفر عليه السلام (الله يعلم حيث يجعل رسالته).. اغفر لي يا مولاي فقد كشف عني الغطاء.
وهو في السجن.. كان يؤدي رسالته وبكل كبرياء وعزة نفس ولم يعرف له الخوف دربا الى قلبه.
خرج السيد الحكيم من السجن في عفو عام 1979 ورغم وقوعه تحت الحصار والمراقبة والقسرية الآ انه كان شعلة من النشاط والشجاعة النادرة..
ذهب والدي لزيارته في كربلاء بعد خروجه من السجن وكنت بمعيته وانا حينها طالب في الاعدادية، دخلنا على السيد الحكيم وهو في دار والده بكربلاء. استقبلنا استقبالا حافلا، وقدم لنا السيد علاء الحكيم – الشهيد الخالد – طعام العشاء اللذيذ – كنت أعاني من وعكة صحية في معدتي، فقال لي السيد الحكيم هذا طعام أبو عبد الله الحسين وهو الشافي المعافي انشاء الله تناولنا الطعام وقدم لنا السيد صادق الماء ولم يكن معمما حينها، فاستغرب والدي لذلك، قال السيد الحكيم \"اريد له ان يكون أكاديميا ومعمم\".
كانت المناسبة يوم عاشوراء وعادة الدولة ان تجعل المناسبة قبل يوم من ميقاتها الحقيقي في حساب مراجع النجف مما يعني عدم اعطاء الاجازة للموظفين لاداء الزيارة..
قال والدي للسيد الحكيم \"لماذا لا يتساهل العلماء قليلا في الموعد لتكون هناك اجازة ويتمكن الموظفون من اداء الزيارة\" فأجابنا السيد الحكيم \"على العكس يا ابا صلاح.. نحن نريد من الموظفين ان ينقطعوا عن الدوام لتعلم الدولة جيدا ان هناك معارضة حقيقية ضدها - وان الشعب كله معارض وناقم عليها – فلا يعقل ان تعتقل السلطة كل الملايين الشيعية لادائهم الزيارة\".
عجبت لامر هذا الرجل الذي لا يعرف الخوف دربا الى قلبه فقبل ايام قليلة كان نزيلا في سجن الخاصة ويعاود اليوم الثورة على النظام رغم وجوده تحت المراقبة والحصار.
خرجنا من دار السيد الحكيم وكان هناك من يتبعنا بشدة، تلاشينا بين جموع الزائرين ودخلنا الحضرة الحسينية وتوارينا عن انظار رجال الامن.
بعد اسابيع قليلة التقيت بالسيد الحكيم مع والدي في حضرة ابي الفضل العباس عليه السلام وكان مبتشرا كعادته، ضمني بقوة وقبلني ومسح على رأسي قائلا \"البركة بكم انشاء الله... اما نحن \" وسكت، همس بأذن والدي ببضع كلمات، عرفت بعدها ان الرجل مهاجر لا محالة.. اما هجرة الى الشهادة او الى شهادة مؤجلة وفعلا حدثت معه هجرة المعاناة والالم الطويلة.
عن تلك الفترة من حياته.. حدثني عام 1982 عندما كنا في زنزانات الامن العامة – احد قيادي حزب الدعوة الاسلامية – وهو.......... قائلا \"كان السيد محمد باقر الحكيم عام 1979 الساعد الايمن للسيد محمد باقر الصدر، وكان جهاز الرونيو في داره الخاصة رغم رقابة النظام له الا ان السيد لم يعرف الخوف ابدا، اذ كانت المطبوعات السرية والمنشورات السياسية تخرج من دار السيد الحكيم وكنت بيدي – المتحدث – اقوم بطبعها وتسليمها للمجاهدين وبأشراف مباشر منه\".
علمت حينها ان السيد محمد باقر الحكيم هو القائد الحقيقي لتيار الدعوة الإسلامية وان الدعوة الاسلامية ليس حزبا بمقدار ما كان مؤسسة سياسية فكرية عقائدية يتزعمها السيد محمد باقر الصدر وعضده المفدى محمد باقر الحكيم... عدت بذكرياتي وانا في الزنزانة إلى عام 1979 عندما حدثنا الشهيد السيد علي الشروفي* - ابو حسان – وقال \"سيأتينا ويأتي بالخير معه\" – لم اعرف من هو المعني بالكلام – وفي اليوم الثاني رأيت المنشورات السرية عند السيد الشروفي وهي مطبوعة على جهاز الرونيو.
فتيقنت من هو صاحب \"الخير\" وعندما شاركت بتوزيع تلك المنشورات – كانت مخيلتي مشغولة بوجه السيد محمد باقر الحكيم – ابو صادق – العظيم.

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* السيد علي الشروفي داعية اسلامي كبير من اهالي طويريج ويسكن كربلاء – حي الاسرة التعليمية – كان عاملا مجاهدا كبيرا تم اعتقاله وعذب تعذيبا شديدا وقلعوا عينيه وقطعوا احدى رجليه ولم يعترف، عمل مع علي الاديب ومجيد معيلو ومهدي الغريباوي وفؤاد الدوركي رحمه الله وليهدي الآخرين على دربه.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=6339
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 06 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29