• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أدوات الحضارة .
                          • الكاتب : بوقفة رؤوف .

أدوات الحضارة

اختلف العلماء في المراد بـ " الباقيات الصالحات " في قوله تعالى ( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ) الكهف/ 46 ، وفي قوله تعالى ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا ) مريم/ 76 ، فقال بعضهم : إنها قول " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " ، وقال آخرون : إنها جميع أعمال الخير
لكن اذا تأملنا جيدا أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم نجد حديث يشرح الباقيات الصالحات شرحا سلوكيا لا قوليا  وذلك في قوله  صلى الله عليه وسلم : " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له "  رواه مسلم
فالعمل ينقطع بالموت وما يتبقى منه الذي ينفع المتوفي هو الصالح وبالتالي فالباقيات الصالحات تقابلها الباقيات الطالحات ويمكن توضيحها عن طريق التناظر بينها كالتالي :
الإنسان الذي تهمه آخرته ويسعى لأن يحقق كماله في انسانيته ليصبح انسان متكامل , يعرف أن ماله لا يذهب معه الى القبر فيستثمره في الخير , الخير الجمعي الذي يفيد المجتمع ككل مثل مستشفى خيري , مدرسة خيرية , محو أمية , توصيل الماء أو حفر الآبار في القرى والأرياف  وغير ذلك كثير
وقد يكون الانسان لا يملك المال لكنه يملك العلم فيحرص على تبليغه ونشره عند طريق تلامذة يحملون مشعل العلم بعد وفاته أو بالتنازل عن حقوق مؤلفاته بعد وفاته
وإذا كان الانسان لم يرزق المال ولا العلم فقد يكون الرزق أبناء له فإن تم تربيتهم التربية السليمة فيجعلهم عنصر بناء في المجتمع لا عنصر هدم فكل عمل صالح يقومون به يكون له بعد وفاته نصيب منه
ونفس الأمر  كذلك للمجتمع الذي يبني حضارة , فالمجتمع يجب عليه أن يستثمر في أدواة الحضارة الثلاث : - المال – العلم – الانسان كما يوضحه الجدول التالي :

الحضارة المادية    أدوات الحضارة     الحضارة الرسالية
البخل / البذخ    المال    الصدقة الجارية
سوء استخدام العلم / الجهل    العلم    العلم النافع
جيل فاسد / جيل نائم     الانسان    الجيل الصالح


فالاستثمار في المال وفي العلم وفي الانسان أو ما يصطلح عليه اليوم بالموارد البشرية هو سلاح ذو حدين فقد يستثمر في أدوات الحضارة لأجل النهوض الرسالي والإقلاع الرباني للتمكين والفتح المبين ببناء انسان متكامل ومجتمع حي , يكون المال في يده لا في قلبه ويكون العلم سبب راحته وسعادته له وللإنسانية جمعاء لا سببا للتعاسة وسفك الدماء , يستثمر في انسانية الانسان بتكوين جيل رباني , جيل بعد التيه , جيل ما بعد الصدمة , جيل نشأ في حضن التبليغ وحلم الرسالة
وهذه الأدوات الثلاثة كما قد تستخدمها الحضارة الرسالية لتحرير الانسانية من أوهام المادية و براثنها , تستخدمها الحضارة المادية من أجل تعزيز سيطرة المادة على البشرية في اطار التدافع السنني بين الحضارتين لكن للحضارة المادية استخدامين ربما متناقضين لنفس الأداة وفي كلتا الحالتين يصبان لصالحها فالمال كما تستخدمه الحضارة المادية ببذخ و اسراف لأجل ترسيخ العري والتحلل ونشر الفساد والتفسخ , تستخدم تكديسه وكنزه وسياسة البخل والتقتير لأجل عدم النهوض الاجتماعي
والعلم كما تستخدمه الحضارة المادية لأجل رِق البشرية واستعبادها وسفك دمها في صراعات مسلحة بتكنولوجيا مدمرة , قد تستخدم الحضارة المادية الجهل في استعباد البشرية وتستثمر في الخرافة والشعوذة
أما الاستثمار في الأجيال القادمة , فقد يجعلها الاستثمار أجيال مبرمجة برمجة سلبية تصبح عناصر هادمة تخريبية , أو عدم الاستثمار فيها اطلاقا وجعلها هملا دون توجيه وتخطيط فتصبح سائبة ضائعة تائهة 
وبالتالي للحضارة المادية دوما خيارين وطريقين في كل اداة من أدوات الحضارة تستخدم احدهما دوما لأجل استعباد البشرية ومن أجل الفساد وسفك الدماء وقد تستخدمهما معا في نفس الوقت في مكانين مختلفين فالعلم دون أخلاق ينشر الفساد وسفك الدم,  والجهل هو الآخر ينشر الفساد وسفك الدم والمال دون رقابة يساهم في الفساد وسفك الدم وكذلك البخل والتقتير يؤدي الى نفس النتيجة
أما في الحضارة الرسالية فلا يوجد لها خياران متناقضان يوصلان الى نفس النتيجة وكل أدوات الحضارة بالنسبة لها مرتبط بالإنسانية , بالتكريم الرباني للبشرية , فالعلم مرتبط بالأخلاق والمال مرتبط بالأخلاق والجيل المنشود مرتبط بالأخلاق , مرتبط بالصلاح , بالنفع للإنسانية جمعاء , مرتبط بالحب , بالعدل , بالحرية


أما أدوات الحضارة بالنسبة للحضارة المادية فهي مرتبطة بالفساد في الأرض وسفك الدم
وبالتالي فأدوات الحضارة هي الباقيات الصالحات التي تنفع الفرد بعد وفاته وإذا أردنا تفسيرها تفسيرا حضاريا نجد الباقيات الصالحات هي الاستثمار الصالح في المال والاستثمار الصالح في العلم والاستثمار الصالح في الموارد البشرية , هذا بالنسبة للحضارة الرسالية
أما بالنسبة للحضارية المادية فهي تتحول الى باقيات طالحة وهي الاستثمار الطالح في المال والعلم والموارد البشرية أو بالاستثمار في نقيضهم . بوقفة رؤوف
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=64601
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 07 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20