• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : العبء والإثم في رواية (قفل قلبي) .
                          • الكاتب : د . اسامة محمد صادق .

العبء والإثم في رواية (قفل قلبي)

لم يكن (حامد ) ابن الخمسة عشر عاما على موعد ما ، كانت حياته طبيعية وكان يسعى لأن يحقق حلم أبيه بأن يكون رجل قانون يقف بوجه كل جائر ينتزع كل حق مغتصب ، مسلوب ، يدافع عن حقوق المظلومين لكن ثمة امرأة تزوجت حديثا وسكنت قريته  من رجل كثير السفر كبير في السن ومعدوم الرجولة.!!

 لا يلبث أن يراها صدفة لتكشف له عن ساقيها بعد أن فتحت طرفي عباءتها فتبدأ العلاقة التي كان يجهل عنها كل شيء لتتكفل (هي(.. بترويضه وإدمانه على الحضور يوميا بعد منتصف الليل ، ومهما حاولت (الأم) أن تعرف سبب نحوله وعدم تناوله الطعام كما ينبغي ، تعود أدراجها خائبة  لتخبر الأب الذي يطلب منها ان تذهب به الى الطبيب ، فيمتنع الولد .

فتبدأ (الأم ) بفصل جديد اذ تزج له ابنة عمه بالاتفاق مع الأب في البيت ، ومهما حاولت تلك الجميلة الصغيرة أن تغويه وتستدرجه لأن يقبل بها زوجة تفشل ، وحين ادخل الأب المشفى اثر عارض مرضي مفاجئ يموت على اثرها ، ليكتشف (حامد) فيما بعد أن ابنة عمه (حبلى) منه في حدث افردها الروائي في الفترة التي كان الأب في المستشفى حين طلبت الأم العودة الى البيت خوفا على ابنة العم فتحدث الواقعة التي تعمد أنكارها حتى محاولة انتحار البنت ووفاتها فيما بعد .

قفل قلبي رواية تحسين كرمياني جاءت بـ (300)صفحة ،  تقع فيها مفاجأة كثيرة مشوقة وباذخة بالابتذال ، والشذوذ  الجنسي الذي يعانيه البطل الفتى الشقي(حامد) الذي لا يتوانى في كبح شهوته مع أي امرأة يلتقيها مهما كان شكلها وعمرها من بينهم   (الحفافة بدرية ) المرأة العجوز، البومة ،البقرة هكذا  يصفها بأقذع الصفات ،عند كل زيارة تقوم بها اليهم ..

 (الأم) حين اعترفت له بأنها ليست أمه وانها غجرية التقاها الأب في احدى مغامراته لينتشلها ولتكون سببا لترك امه الحقيقة الدار،  ثم ما تلبث أن (تحبل ) منه أيضا  !! .

الفتاة التي كانت تدفعها خالتها الحفافة ،اليه في دكانه ، لتكون ضحية كالنساء الستة الرئيسيات في الرواية ..والتي امتنع الروائي منحهم أي اسم يمكن الاستدلال بهم شأنه شأن بقية الشخصيات في الرواية الذي رمزهم الكاتب بألقاب (مثل الأم ، ليمونة ، الغجرية ، العم ، هي، ابنة الغم والهم ، ابنة شجرة الدم ..الخ ) ولم نجد في الرواية سوى ثلاثة أسماء أعلام  فقط (حامد الفتى المراهق الشقي في ص 197،الدكتورة سماهر ص210،بدرية الحفافة ص227) واعتقد ان الامتناع  لا يعدو ألا حالة يتعمد فيها كرمياني ليبقى متجددا متفردا فيها بأعماله ...

المفاجآت  باعتقادي التي ستنهال على القراء عبر المظروف الذي أرسله حامد قبل انتحاره الى الدكتور الذي بادر بعلاجه لحظة وصله المشفى  ستأخذه دون ادنى شك الى الغوص بغرائز النفس البشرية الشهوانية التي اذا لم يتم  ردعها  بالقيم والدين والأعراف ، فأنها ستكون مطية يقودها الشيطان ويسبر أغوارها  ...فيوجهها كيف شاء والدليل أن (حامد) لم تبقى أي فاحشة إلا وعمل للوصول اليها فأضافه لما ذكر فأنه قام بتناول (حبوب الهلوسة ، مضاجعة الحيوانات ) التي انتهت به  لأن  يلقى في المشفى فتسارع الدكتور (سماهر)  بعلاجه بطريقة ظلت غامضة على الجميع ..

ثم تعود صحته ويتوب فيرجع الى ربه ويتزوج من ابنة الفلاح التي اعدها الأكثر خلقا بمن التقاهم من النساء. فيكتشف انه فاقد الرجولة ومهما حاول يفشل فتفشل زيجته فينتحر ..!!!!

الرواية رغم أحداثها الواقعة في محيط مبتذل  والشاذة بأحداثها ، تمثلت بلغة ساحرة وعذبة ورائعة ومنضبطة وان البناء السردي كان موظف مع (مجموعة قوانين تحكم سلوك النظام ومكوناته إذ يمكن أن تحل محل إحداها محل الأخرى1 ) وان علاقة الشخصية والتي تم تقديمها بتقنية التقديم الإخباري عن طريق الراوي العليم جاءت متوافقة مع الزمان الذي  اتضح أكثر من خلال فعل الشخصية ذاتها عن طريق  الاسترجاع (العودة الى حدث سابق – ماض – لما وصل اليه السرد في تلك النقطة )2  و(الاستباق ) من خلال (تجاوز حاضر الحكاية وذكر حدث لم يحن وقته بعد)3   والحوار والذي هو يعد بمثابة  الطريق المعبد للسرد والذي  منح النص هويته  و كان (عرض درامي الطابع )4 في حين كان المكان ، والذي هو أرضية  الشخصيات والأحداث متمثلا بالمكان الريفي  قد  جاء متناسقاً مع الأحداث التي وقعت في  القرية ، وبين البساتين ، وبمشاركة الشخصيات الريفية.

في حين كانت عتبة الاستهلال مع العنوان تستحق ان (تكون العتبة التي تقذف بنا الى روح النص)5

    (( كنت بصدد أن أغلق باب عيادتي، قبل أن تندفع امرأة قروية لاهثة، تشير رافعة كفها اليمين أن أتريث، لم أجد بد، كانت تحاول استرداد أنفاسها بشيء من هلعٍ متنامٍ يأكل نظراتها، دفعت الباب على مضض رغم المساء الذي سريعاً زحف وأنساني ـ خلاف ما عهدته ـ ميقات غلق عيادتي، وضعت حقيبتي على الطاولة وأشرت لها بالجلوس.. قالت :

ـ ابني..

ـ تكلمي يا أمي. .أين هو..

ـ ابني(مسكون)..دكتور..

ـ كيف نعرف ذلك.. كم عمره ..؟؟

ـ في الثانية والعشرين، رفض المجيء معي..))5

لقد تمكن  الحوار من إدارة الحكاية وجعل من القارئ ان يبقى في  بحث دؤوب لإكمالها مهما اعترضته نوبات الفزع مما يحدث فيها من وقائع اقرب الى الفانتازيا منها الى الواقع  ...وان نكهة السرد  قد تم توظيفها بعناية ومهارة وخبرة كاتب متمرس ومحترف واني لا اشك في مقدرة الكاتب  من توظيفها من جديد في أحداث اكثر التزاما وانضباطا إن صح التعبير .

انه قادر أن يخرج لنا رواية أخرى تصلح أن تكون فكاهة اللغة والسرد تحمل مختلف المذاقات وأطيبها مع حكاية تؤطرها الأعراف والتقاليد التي توارثناها كابر عن كابر .. ...

 وفي الختام   لا يمنع أن أقول ان رواية قفل قلبي فيها أخطاء مطبعية ودمج بعض  الكلمات مع الأخرى وان القصائد في نهاية الرواية لم تخدم النص الحكائي ولم تقدم له شيء وانها كانت ضعيفة الى حد ما   .....

 

الهوامش

1-المصطلحات الأساسية في لسانيات النص وتحليل الخطاب ، د نعمان بوقرة ، عالم الكتب الحديث ، عمان – الأردن ،ط1،2009/94.

2- مدخل الى نظرية القصة، سمير الرزوقي ، جميل شاكر ، دار الشؤون الثقافية العامة (افاق عربية )بغداد 1986/76.

3- معجم مصطلحات نقد الرواية ، لطيف زيتوني ، مكتبة لبنان ناشرون ،ط1،2002/18

4- قاموس السرديات ، جيرالد برنس ، ترجمة سيد أمام :ميريت للنشر والمعلومات ،ط1،2003/45.

5- نكهة السرد عند( تحسين كرمياني ، عبدالله طاهر البرزنجي ، هيفاء زنكنة ). وسام سعيد، دار تموز ط1،2014

6- قفل قلبي ، رواية ، تحسين كرمياني ،فضاءات للنشر والتوزيع ،ط1،2011.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=64809
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 07 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28