• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عن شهرزاد وليالي بغداد .
                          • الكاتب : محمد جبر حسن .

عن شهرزاد وليالي بغداد

من بعيد سمعت شهرزاد صوت قوي هزَّ المدينة ولاحت لها أعمدة دخان غطت السماء تلفتت شهرزاد مذعورة غير مصدقة لما رأته قبل قليل ركضت دون هدى والناس تنظر لها يقولون ..مَن هذه المرأة الغريبة الأطوار ؟
وهي غير مبالية لهم وحتى لم تلتفت لأقوالهم وكل همها كان منصباً أن ترجع لمكانها الذي تركته قبل ساعات متوجهه لأحد المستشفيات لمعالجة الندوب التي أصابت وجهها من أنفجارات سابقة ، وهي تركض بغير دليل أخذتها قدماها لمدينة المنصور ، نظرت حولها وهالها مارأت يا للهول ! هذا الرأس أعرف صاحبه جيداً والذي طالما كنت أحكي عنه لشهريار الحكايات وعن بطولاته وحسن تدبيره ، هذا رأس أبا جعفر المنصور باني بغداد وصانع مجدها التليد يتوسط ساحة مهملة بشجيرات يابسة وذروق الحمام تملأ المكان وبعضها يسيل على وجنتيه ، يا للعجب ، منصور بغداد هكذا يكون حاله ، هذا الذي بنى بغداد وجعلها عروس الدنيا ! ولأسمهِ فقط الذي شاع بأرجاء المعمورة بنوا حي كبير يسكنه علية القوم ، والآن عند تمثاله تنمو الحشائش وتلصق على قاعدته الملصقات الأنتخابية لصور النواب المتهرئة !! وما هذه أيضاً ؟ يا الله هذه خدوش أصابت وجهه والعمامة التي يلبسها ! تخطته قليلا وهناك رأت سوقاً كبيراً شامخاً يسموه ( مول ) المنصور وتتوافد عليه الناس من كل حدب وصوب من بغداد يأتون اليه ولا أعرف لماذا ؟
مضت شهرزاد مسرعة وهي حافية والدماء تسيل من قدميها دون أن تدري وأوقفت سيارة أجرة وأندست فيها وسط ذهول السائق الذي تعرف عليها رغم الأسمال البالية القديمة التي ترتديها والتي تبدو كأنها من العصر العباسي ! أشارت الى السائق أن ينطلق وقد عرف هو الى أين من تلقاء نفسه ودون أن يسألها ، أخذها مسرعاً صوب شارع أبي نؤاس وهي فاغرة فاهها مما تراه على جانبي الطريق ، هل هي هذه بغداد التي طالما صدعت رأس شهريار بالحديث عنها وورواية القصص والحكايا عن قبابها وزخرف بيوتها ونظافة شوارعها ! عن أيام ألف ليلة وليلة ! معقولة هذه بغداد ، ترددت قبل أن تسأل السائق عن ما جرى لهذه المدينة ولم تلق جواباً من السائق الذي أجابها ببلاهة ولم تعرف معنى التمتمات التي تفوه بها ! وماهي إلّا أقل من ساعة وقفت السيارة فجأة وغادرتها راكضة دون أن تدفع الأجرة متوجهة الى مكانها المعهود ورأت شهريار متمدد على رصيف الشارع محني الظهر ينتظر من يعالجه من أصابة أصابت فخذه الأيمن وآثار أنفجار سيارة ليست بعيدة عنه وعند نهاية الشارع لاح لها أبو نؤاس رافعاً قدحه متوجها لحافة نهر دجلة ليغسله من الخمر ومن بقايا قصيدة غزل كان يرددها خوفاً من جاهل ملتحي جاء ليهدمه وهو الذي كان قبل سنوات يحتسي زجاجة تحت قاعدته باكياً من الحبيبة التي هجرته ويخاطب أبا نؤاس أن ينشد له ..
 
دَعْ عَنْكَ لَوْمي فإنّ اللّوْمَ إغْرَاءُ, ودَاوني بالّتي كانَتْ هيَ الدّاءُ. صَفراءُ لا تَنْزلُ الأحزانُ سَاحَتها, لَوْ مَسّها حَجَرٌ مَسّتْهُ سَرّاءُ



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=64840
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 07 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19