• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الكهرباء.. الخطيئة الكبرى .
                          • الكاتب : د . عبد الحسين العنبكي .

الكهرباء.. الخطيئة الكبرى

هذا المقال نشرته في عدة صحف ومواقع ومنها موقع النهرين في 9 يوليو 2010 وعوقبت على أثره مثلما عوقبت على ذكر الفساد في إحدى الندوات ، وكنت قد قدمت قبل ذلك عدة استشارات ودراسات فيها حلول لمشكلة الكهرباء وخاصة من خلال وضع آلية لعقود (PPP) وكانت الحكومة ترفض الاستماع لأراء المستشارين ناهيك عن الأخذ بها ، الامر الذي اضطرني لنشر المقال بلغة واسلوب يتناسب مع ما يمر به العراق اليوم ، وكانما الزمن متوقف منذ خمس سنوات ، ولذلك ارى ضرورة اعادة نشره بنصه السابق مع هذه السطور التعريفية وهو الاتي:. 
منذ منتصف السبعينات كان مقرراً على الحكومة العراقية ان تبني كل 5 سنوات محطة عملاقة لتوليد الكهرباء لمواجهة الطلب الناجم عن الزيادة السكانية وتغير السلوك الاستهلاكي بعد تحسن دخول الجمهور ودخول تقنيات حديثة وتعدد مجالات التدفئة والتبريد والحاسبات والتلفاز والترفيه وغيرها، الا ان دخول العراق في معارك الطاغية منذ مطلع الثمانينات اوقف انشاء تلك المحطات تماماً، بل واوقف حتى صيانتها لمواجهة معدلات الاندثار ناهيك عن التدمير المستمر من خلال القصف الجوي والمعارك ومن ثم الحصار بعد غزو الكويت وما تبعه من تآكل واندثار مشاريع انتاج الكهرباء وتراجع الانتاج الى مستويات دنيا كانت تتضرر بها بالدرجة الاساس المحافظات وليس بغداد على اعتبارها مقراً لحكومة الطاغية.
الحروب والحصار جعلت دخل الفرد العراقي يتدنى الى مستويات خطيرة جعلت الطلب على الاجهزة الكهربائية يعد طلباً مؤجلاً وبعد سقوط الطاغية دخلنا في دوامة التنمية غير المتوازنة حيث يتم توزيع الدخول على اوجه الانفاق بشكل غير طبيعي فالانفاق الحكومي اندفع نحو لملمة اوصال الدولة واطفاء حرائق العنف والارهاب والانفاق الخاص اندفع نحو اشباع الطلب المؤجل لعقود خلت، فأزداد الطلب على الاجهزة الكهربائية بشكل مخيف خالقاً زيادة في الطلب على الكهرباء في ظل عرض لازال يترنح، مثلما خلق الانفاق الاهلي طلباً هستيرياً على السيارات لأشباع طلب مؤجل في ظل فوضى رفع القيود الاقتصادية وحرية التجارة فخلقت زيادة هائلة في الطلب على الوقود وهو (المدخل الرئيسي) ايضاً في انتاج الكهرباء مثلما خلقت فوضى مرورية وازدحامات لاتطاق لتلتقي مع مشهد قطع الكثير من الطرقات بالحواجز الكونكريتية وقوافل المسؤولين المتعطشين (لبهرجة المناصب) وزمامير مواكبهم أكثر من تعطشهم لخدمة الناس، فأضافت فوضى الشارع هماً أخر تربع على اكتاف العراقيين.
ويمكن تناول الموضوع من الزوايا الاتية :
اولا : قطع الكهرباء اكثر عنفا من الارهاب:
 لقد توصل خبراء التعذيب النفسي ان وضع الانسان تحت تأثير التشغيل والقطع المتوالي للتيار الكهربائي يعد اقسى على النفس من تأثير القصف المدفعي وفي اطار هذا المفهوم فان كل الايادي الآثمة التي تعيق اعمار قطاع الكهرباء وتبدد الاموال المخصصه له بين المشاريع الهشة والوهمية وجيوب الفاسدين والمفسدين المستحكمة في وزارة الكهرباء وخارجها، تلك المافيات العفنة من تجار الازمات والمصائب ليس في الحكومة فقط بل حتى اصحاب المولدات الاهلية وتجارها ، اصبحوا اليوم شبكة لايمكن تفكيكها لها امتدادات تتجاوز (ادارة الملف العراقي) ..ترى الى اين يتجه هذا الملف وماذا يراد له!.
- بغياب الكهرباء تنتشر الزوايا المظلمة التي يتستر تحتها الارهابيون وقطاع الطرق واللصوص للعبث بارواح الناس ومقدراتهم .
- مئات الضحايا من مرضى الربو يفرون من جحيم الكهرباء لتحاصرهم العواصف الترابية .
- الاوبئة وضربات الشمس والمحتاجين من المرضى في المستشفيات .
- التلوث البيئي من انبعاثات المولدات الاهلية العشوائية وضوضائها تصيب الالاف بالسرطانات والانهيارات العصبية .
- الساكنين في العمارات العالية يرتبط فيها وجود الماء بالكهرباء ومعاناة توقف المصاعد وحوادث الاحتجاز فيها عند توقفها .
- الجفون المثقلة بالنعاس لشعب مثقل باليقضة ومحروم من النوم .
- عجلة الاقتصاد المتوقفة بسبب انقطاع الكهرباء من يتحمل وزرها ومن الذي يدفع ثمنها ،حيث لدينا 17000 مصنع في القطاع الخاص متوقف عن العمل وتعرض العاملين فيها الى البطالة ويؤكد اصحابها ان اكثر من نصفها يمكن ان تعمل لو توفرت الكهرباء .
- الصورة الحضارية لعاصمتنا ومدننا المتوشحة بالظلام بسبب انقطاع الكهرباء.
- طلابنا يكتبون بيد ويحركون الهواء في الاخرى في البلد الاول باحتياطي الطاقة في العالم .
- من يعوض فرحة اطفالنا بمشاهدة افلام الكارتون ومن يعوض الابتسامة الغائبة عن شفاه الناس ومن يزيح الغصة التي تدمي القلوب .
من ومن ..انهم هم المسؤولون ذاتهم من ارادوا ان ينزعوا عنا فرحة التغيير وسقوط الصنم واذنابهم من الفاسدين في نظامنا الجديد .
ثانيا : الكهرباء ورقة السخط /الرضى الشعبي :
الكهرباء .. انقطاعها نقمة وقهر وعذاب يتسلل الى المبادئ والقييم والثوابت في صدور الناس فتهتز وترتعد ويفقد الانسان توازنه ليصل الى اخر المطاف (الهدف المرغوب) من قبل اعداء العراق واعداء التجربة الديمقراطية لدفعه الى ان يصرخ صرخته المدوية (ليحكمنا من يكون المهم نخلص من قاطعي الكهرباء ناهيك عن الخدمات الاخرى) فهي اذن ، سلاح تدمير شامل لقلب القناعات وتغيير الولاءات واثارة السخط وعدم الرضا ليخرج الحكام غير المرغوب بهم من قلوب ناخبيهم والخاسر الاكبر فيها شعب العراق. واعطاء الكهرباء نعمة مابعده نعمة يمكن ان يوفرها الحكام المرغوب بهم فور الاستلام المفترض بمعونة مريديهم من الفضاءات الدولية الاوسع .. فالكهرباء هيمنت على عقول الشعب التي تغلي تحت شمس العراق المحرقة ولهم كل الحق في ذلك، وانا شخصياً كنت اتمنى ان تكون وثبة الشعب بوقت مبكر وبأسلوب اكثر انتظاماً وأكثر اصراراً وأكثر انضباطاً لكي لاتكون ورقة الكهرباء (الجوكر) الاكثر تأثيراً في المسارات السياسية بما تهوى نفوس اعداء النظام الجديد، كما هي عودة الكهرباء (النعمة) تمثل عصى سحرية بيد نفوس اعداء النظام الجديد لتعم بمقدمهم المفترض السعادة والعيش الرغيد، هكذا هي المؤامرة الكبرى (الكهرباء ..ومشاعر الناس) وصاحب الحاجة الملحة كالكهرباء لايرى الا أشباعها دون ان يلتفت ماينتضره من (قائد ضرورة ) مفترض قادم يسعده في الامد القصير ويجرعه في الامد الطويل مرة اخرى الويل والثبور ربما لعشرات عقود قادمة، فقد نحصل على الكهرباء بوقت اسرع بعد ان يتوقف محيطنا الحنون من عرب ومسلمون عن ارسال الانتحاريين والمفخخات ليرسلو بدلاً عنها المحطات والشبكات الكهربائية طالما زعيمهم المرغوب قد تربع على العرش الجديد وبعداً للديمقراطية الوليدة التي تقض مضاجع العروش وريثة الخلافة والحكم ، ولاضير في ذلك، المهم ان تعود لنا الكهرباء كما الماء والخدمات الصحية والتعليمية وغيرها (عيشني اليوم وموتني باجر ) كما لاضير لو ان قائدنا الضرورة الجديد اراد ان ينفس عن نرجسيته مدفوعاً بأموال (ودبكات وهوسات) العرب ليشن حروب جديدة  وقودها ابناءنا، فثمن الكهرباء التي قد تعطى اليوم لبيوتات العراقيين المرهقة هو ان يصطف ابناءهم في التجنيد الاجباري على جبهات القتال لمقارعة اعداء الامة مستقبلا ، فالخيارين احلاهما مر.
ثالثا : الكهرباء خطيئتنا الكبرى :
 خطيئتنا الكبرى في النظام الجديد هي الكهرباء، في كل سنة وعند كل خطة او موازنة انا شخصيا أضعها في اول اولويات الانفاق الحكومي، لأني أقتصادي وأفهم جيداً ان لاماكنة تدور ولامشروع ينتج في كل القطاعات الاقتصادية مالم تكن الكهرباء المدخل الاكبر فيه، عدلنا تعليمات العقود الحكومية بطلب من دولة رئيس الوزراء مراراً ومنذ عام 2007 وكان وزير الكهرباء رئيساً للجنة التعديلات وتم اعطاء صلاحيات الصرف التي يريدها واستثنى من الحلقات التي تأخر العمل ووضعت آليات لفتح الاعتمادات اكثر يسراً واتيحت له الاموال الطائلة لاني اعتقد ان قضية الكهرباء كما الجيش عندما يخوض حرب مقدسة دفاعا عن الوطن يستثنى من الحسابات الاقتصادية ، وانا شخصيا ًقيمت خطة الوزارة لعام 2006 وكان يفترض ان نصل بمستوى الانتاج في الربع الاول من عام 2009 الى مستوى الطلب بحيث تعطى الكهرباء للجمهور (24 ساعة) بل وهناك زيادة (عدة ميكات) وها نحن في منتصف 2010 والكهرباء اليوم اسوء من عام 2007، هنالك بالتأكيد شئ يمثل خطيئة كبرى، وهنالك استسلام لوعود كاذبة ومتكررة فالفساد وسوء الادارة ليس معشعشاً في وزارة الكهرباء فقط وانما هنالك جهات مستفيدة اخرى تمارس تمييع وتبسيط الموضوع والاسراع في ايجاد المبررات له، وفي بداية 2009 كتبت ورقة معنونه الى دولة رئيس الوزراء اسميتها (اين الكهرباء ياوزارة الكهرباء) سوف انشرها لاحقاً تؤكد وجود فرق كبير بين ماينتج ومايصل الى الجمهور وان هنالك اجندة وراء ذلك تنفذها وزارة الكهرباء والمساندين لها بدقة وحرفية عالية فالمحطات لا يستكمل انجازها وتترك عند اللمسات الاخيرة بانتظار (قائد ضرورة ) تهواه نفوس البعثيين لتكون اول مكارمه عودة الكهرباء الى الشعب المقهور ، وعلمت حينها ان الكهرباء فعلاً (مؤامرة) رغم ايماني الضعيف بنظرية المؤامرة ولكن الادلة كانت مستحكمة والمشكلة الاكبر ان الورقة لم تصل اصلاً لرئيس الوزراء فهنالك الكثير من (الفلاتر والموانع والحواشي ) بعضهم يعمل كجزء من المؤامرة وهم يعلمون مايفعلون وبعضهم مغفلين يعملون بنظرية (التخادم ) دون ان يشعرون والتي وضعت للاسف امام مشورات المختصين اما تميع موضوعها او تعارضه او تجيره لنفسها ان لم يكن يتقاطع مع اجندتهم رغم ان القرآن الكريم يصدح ليلاً ونهاراً (وأسألوا أهل الذكر)، الامر الذي يضطرني في الكثير من المواضيع وهذامن بينها الى ان أذهب بها الى الاعلام والصحافة عسى ان تصل الى متخذي القرار الذين اصبح معظمهم اسرى لدى الحواشي المتمددين على الصلاحيات دون ضوابط مؤسساتية لتدار الامور بالنتيجة وفق اهوائهم وامزجتهم .
العقول غير المؤمنة بالاصلاح الاقتصادي وتريد العودة الى النظام الاشتراكي المركزي الذي فشل في اعتى قلاعه انهالت علية باللعن ذات يوم عندما طالبت بادخال القطاع الخاص الى قطاع الكهرباء وذكرت لهم ان ماركريت تاتشر اول ما بدئت الخصخصة في بريطانيا كان في هذا القطاع ، فقالوا بالمطلق ان قطاع النفط والكهرباء خط احمر لن نسمح بدخول القطاع الخاص اليه فهو سيادي وما الى ذلك لان وفق مفهومهم السيادة مرتبطة فقط بالحكومة وليس بالدولة وابناءها ، قلت مهلا كم تعطي وزارة الكهرباء ساعات تجهيز في اليوم ؟ فتناسوا موضوع السيادة وصرخ بعضهم ساعتين والاخر ثلاثة بل ربما اربع ..قلت ومن اين تحصلون على الباقي قالوا من المولد ..قلت اذن قطاع الكهرباء لدينا اكثر القطاعات مخصخص بدليل ان وزارة الكهرباء بقضها وقضيضها وخبرائها ومهندسيها وارتال مسؤوليها وحماياتهم وسياراتهم ومكائنهم وابنيتهم العملاقة تنتج (4 ساعات في اليوم ) والقطاع الخاص بالفوضى والحيف والركض وراء براميل الوقود وسبل الادارة العائلية البسيطة ينتج (20 ساعة في اليوم ) ولازلتم تخافون على السيادة من خصخصة المخصخص فبهت المتفذلكون من انصاف المتعلمين .
وكذا الحال بالنسبة لعقول الادارة المركزية المقيتة التي غرسها الطاغية فهم يريدون ان لا يمر اي اجراء يخص الكهرباء في اقصى القرى النائية في محافظاتنا الا من خلال (كريمهم الوحيد ) في بغداد مع مئات الحلقات الادارية الزائدة والمترهلة لخلق بؤر اختناق تعطي فرصا مواتية للفساد وضربوا بالدستور الذي صوت عليه الجمهور عرض الحائط وجاؤا باعضاء مجالس محافظات يربوا عددهم على (700 عضو ) كل منهم بدرجة مدير عام له سيارتين وخمس من الحمايات ومكاتب فاخرة دون ان ينقلوا لهم صلاحيات ولا توصيف الامر الذي حولهم الى موظفين يدورون في محافظاتهم من اجل الواسطات والمحسوبيات و(البزنس) وهم في الغالب اسرى الخطاب المركزي ويعيشون عقدة الانفصام بين المركز والمحافظات ، فلو كانت لدينا حكومات محلية فاعلة كما في اقليم كردستان ووزعت عليهم (17 مليار دولار) منذ 2005 لكنا اليوم نكتفي ذاتيا من الكهرباء لاننا سوف نرتوي من 15 جهد متنافس للمحافظات بدلا من البقاء تحت رحمة (قطارة ) الوزارة المركزية . 
الشعب المقهور هو الاخر يتحمل جزء من المشكلة لانه باختصار لم يتمرن جيدا على طبيعة دوره السياسي ولم يدرك بعد ان للديمقراطية ادوات يفترض ان تقوم بتقويم اوتوماتيكي لاداء الحكومة من خلال تدافعات الجمهور وسلامة قراراته في الاختيار ، فالنائبة الوحيدة التي حاسبت وزارة الكهرباء بشجاعة الدكتورة جنان العبيدي لم يصوت لها الجمهور في الانتخابات ونسي قضيته المحورية الكهرباء وراح يعيب عليها حركاتها الحماسية وترتيب عبائتها وصوتها العالي بوجه رجل عراقي (وزير الكهرباء) ..يالها من مفارقة ان تتحول صرخة هذه السيدة الفاضلة وغيرها من الاخيار الى ثورة جماهيرية بعد اقل من سنة رغم جموع المكممين من اذناب صدام و (حبربشية ) النظام الجديد ، عسى ان تكون في ذلك عبرة لاداء برلماننا وحكومتنا القادمة . 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=65563
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 08 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20