• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الحضارة بين الإنسان والجان .
                          • الكاتب : بوقفة رؤوف .

الحضارة بين الإنسان والجان

الجن مخلوق مكلف مثله مثل الانسان يقول تعالى في سورة الجن على لسانهم : " قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)"
فالوظيفة أو الغاية والهدف من خلق الانس والجن هو عبادة الله :" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ " الذاريات: 56-57
" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا  " الأحزاب - (72)
وقد تنوع تفسير الأمانة في كتب  التفاسير السنية والشيعية على أنها مطلق التّكليف  وبالصلاة وبالإمامة و الإمارة ، وبالخلافة، وإن كان معظم التفاسير السنية ركزت على جزئية التكليف بينما التفاسير الشيعية ركزت على جزئية الامامة مؤيدين ما ذهبوا اليه بمجموعة من الأحاديث وأقوال الائمة ...
وإذا تأملنا الآية الكريمة نجد أنه يمكن تفسيرها تفسيرا حضاريا كالتالي :
لقد خلق الله عز وجل الكون وعمره بمخلوقات لا يعلم عددها ولا تنوعها إلا هو:" وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ"   الأنعام (38)  -  لكن العبادة الاختيارية أو ما عرفه علماؤنا بالتكليف كان محصور فقط في أمتين أمة الانس وأمة الجن : " قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ  " الأعراف (38)  - 
بينما العبادة الجبرية فباقي الأمم كلها تقوم بها بما فيهم الانس والجن فالكون كله يعبد الله , وكل عضو من جسمنا البشري يعبد الله عن طريق أداء وظيفته فتسبيح القلب هو النبض مثلا ," تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا  " الإسراء (44)  - 
فالعبادة إما طبيعية جبرية يشترك الكون فيها بصفة آلية أو اختيارية مناطها التكليف وهو أمر خاص بالإنس والجن فقط وبالتالي فالأمانة هنا ليست هي العبادة سواء كانت تسبيح طبيعي أو تسبيح تعبدي يحاسب عليه , فالأمانة هنا هي الخلافة , خلافة الانسانية لله عز وجل في الأرض والخلافة الانسانية أمانة ويوم القيامة خزي وندامة كما جاء في الأثر :
لمن طلب الإمارة من  الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -  ، فقال له : " إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة " . 
أو ما جاء عن أبي ذر ، - رضي الله عنه - ، قال : قلت : يا رسول الله أمرني . قال : " الإمارة أمانة وهي يوم القيامة خزي وندامة إلا من أمر بحق وأدى بالحق عليه فيها " .  
فالأمارة جزء من الخلافة والخلافة هي الحضارة والحضارة إما حضارة رسالية تقوم على تكريم الانسان :" وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا   "الإسراء (70)  - وتكريم الانسانية بسياستها بالعدل 
أو حضارة مادية قائمة على الفساد وسفك الدم 
وبالتالي فالعوالم الأخرى رفضت الأمانة التي هي السلطة مخافة أن تطغى لأنها رأت فقط الوجه القبيح للسلطة وهو الطغيان والظلم بينما الانسان قبل السلطة , لأن شهوة التملك وشهوة التسلط جزء من تركيبته البشرية وعلماء التزكية قالوا أن شهوة الملك آخر الشهوات التي تنزع من النفس في طريق المجاهدة وهذا هو سر قوله تعالى : " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ "  البقرة (30)  - 
فالملائكة رأت في الخلافة سلطة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة كما يقولون , فعرفت أن السلطة سيترتب عنها الفساد وسفك الدم وهذا صحيح في الخلافة المادية التي نسميها بالحضارة المادية , بينما في الخلافة الرسالية أو ما نسميه بالحضارة الرسالية فإن الخلافة أمانة تقوم على العدل وأن باستطاعة الانسان أن يتخلص من شهوة السلطة المفضية الى الفساد وسفك الدم الى الارتقاء بالإنسانية بإعمار الأرض سياستها بالعدل والحب وهذا الذي يعلمه الله وجهلته الملائكة 
وبالتالي فالأمانة هي الخلافة التي أختص بها البشر دون غيرهم من المخلوقات , فإن قامت بها البشرية بحق وعدل كانت حضارة رسالية وإن قامت بها بشهوة كانت حضارة مادية .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=65651
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 08 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16