• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : اختزال الغابة -مقالات في الشعر العراقي .
                          • الكاتب : عبد الحسين بريسم .

اختزال الغابة -مقالات في الشعر العراقي

مدخل
كيف يكتب الشاعر الآن؟ او بالأصح كيف يكتبنا الشعر ونحن في هذا القرن المسرع دائما في كل أشيائه والمتطور حد اللعنة بهذه البرامجيات التي تطوي العالم في قرصها الصغير. هذه الآفات الحبيبة والرائعة تأخذ إليها كل اشيائنا الجميلة وبدون رحمة.. وحيال ذلك ماذا يفعل الشاعر هل يدير ظهره إليها ويقابل الحائط فلا يرى الأشياء الجميلة كما قال ذات مرة كونفوشيوس؟ وعلى الرغم من هذا التطور لابد للشعر ان يدافع عن ملكوته ولابد له ان يستوعب التطورات المعاصرة خاصة بعدما تخلص من كل الزوائد والترهلات التي صاحبت تجربة قصيدة لغة تفكر والتغريب والتجريب الذي صاحب القصيدة الثمانينية العراقية.
وهذا ما يدل على ان الشعر حالة روحية سرمدية وهو قابل للتمدد والإنكماش حسب درجة حرارة الكون والطقس الأدبي السائد في فترة ما. وهذا أيضا ما يربط علاقة الشعر بالروحي- هذا المعنى الشعري الذي لا يعرف إلا من خلال نفسه –هذا الشعر- إذ ليس للإنسان ان يحيا دون هذه الا معينة التي تسمى الروح وهذا إلا معين يدعى الشعر. وهذا الوجود للشعر العراقي ولا أعني هنا المحدودية لأني أرى الشعر العراقي هو خير مقياس للشعر في الكون وذلك لتوفره على روحية صادقة يضاف إليها هذا الكم الهائل من المعاناة ولدتها الحروب والكوارث التي أصابت بالصميم هذا الكائن الشعري- العراقي- وبعدما تفجر الشعر هنا –العراق- أعلن إنسانية الشعرية التي أختزلت الكثير من هذا الإفنجار الشعري. ليضعه الشعراء في قوالب غير محدودة المعنى ولكن مختزلة للسود من خلال الإيجاز اللفظي والعبور الى قارات شاسعة في بناء العالم من جديد على شكل قصائد لا تتعدى الورقة الواحدة في أغلبها يتكلم البياض مرد وصدى سواد الحروف وفي المتن مما يلي نماذج من قصائد شعراء أجادوا في إختزال الزوائد والترهلات من أغطية القصائد التي خلفت كل ما هو فائض عن الحاجة لتظهر على شاطيء الشعر بثوب شفاف أظهر مفاتن قصيدة الشعر المختزلة حد الإنفجار.
الإختزال الشعري.. هذا ما نحاول الوصول إليه عبر مجاميع شعرية متنوعة في الاجيال وفي سنوات الصدور حيث هناك أجيالا من السبعينات آخر من الذي تلاه وهذا قاعدة الشعر العراقي الذي ينبع من جيل لتواصل مع جيل آخر حيث يرتبط هؤلاء مع جيل الحرب والحصار أي شعراء ما بعد التسعين من القرن الماضي. وربما يشترك الجميع بمزايات شعرية لا تتوفر لغيهم من شعراء العالم وهذا ما اشرن إليه هنا في المدخل وهناك تفاصيل في المتن توضح المزيد. وأيضا لابد من الإشارة الى ان الشعر يبقى المنبع الوحيد الذي يسقي الجميع وان تعددت أنهاره.
 
 -2-
أينما يجد الشاعر نفسه شعريا فأنه يذهب الى ذلك الإيجاد ليخلق عالمه فيه واضعا أدواته في ذلك الإتجاه من أجل ان يوصل أفكاره او ربما قريبا منه ومؤسسا تفرده وان الشعر بعد هذا الإزدحام من طبقات الشعر لا ينفعه إذا كان مقلدا فأنه بكل تأكيد يضيع بين الأصوات المتشابهة مثل مجموعة عصافير في مساء ما على شجرة ما فأنك لا تعرف ايهم يضحك وأيهم يبكي او من وجد عشه ومن منهم أضاعه وهذا ينطبق على فريقين من الشعراء منهم مثل ما قال الراحل البريكان الشعر يحتاج حياة كاملة وهؤلاء هم الصادقون شعرا والباحثون عن جمرته وحينما يجدوها فأنهم يمسكونها فعلا بكل القلب وبالتالي فأن شعرهم يخرج على ورقة الشعر يخترق القلب وبين سطوره رائحة دم صادق والعكس منهم من هم لا ينطبق عليهم ما تقدم أسعد إنسان في العالم لصاحبه الشاعر كزار حنتوش هو من الشعراء الذين ينطبق عليهم ما تقدم وأقصد أصحاب جملة الشعر برغم بساطة مفرداته في كتابة القصيدة فأنه يجعلنا نشعر بصفاء الشعر ونراه مجسما ومختزلا الكثير من الزوائد الفائضة عن الحاجة برغم أنه يشتغل على المهمل واليومي معطية ابعادا كونية في التأويل ومن الصفات الشعرية لدى كزار حنتوش هذه التلقائية في تصوير عوالمه الشعرية وإختزاله موضوعاته في بناء قصائده التي تنبع من المألوف والغرائبي في ذات الوقت نحاول في هذه العجالة من الوقت والمساحة ان نسلط الضوء على ما تقدم ونأخذ من جموع قصائد أسعد إنسان في العالم سعادة واحدة من سعادته التي أوصلته الى ان يحتل المرتبة الأولى في العالم ويستحق هذا اللقب بإمتياز كزار حنتوش أسعد إنسان في العالم أهذه مفارقة ونحن نعلم عنه أنه من أتعس الناس في العالم من حيث الظروف والتسكع ولكن أنا معه بأنه كشاعر يستحق هذا اللقب وهذا النموذج إسكافي عفك ربما هو دليل مشاكس اعطاه الشاعر ليضاد المعنى في دلالة العنوان الرئيس للمجموعة الذي يناقض تماما في أثناء تنقلنا مع إسكافي عفك الذي أصبح مثالا لسوء الحظ بحيث أنه يضرب به المثل القائل:
قيم الركاع من ديرة عفك، هل الشاعر هنا يندب حظه الذي أسقط عليه من خلال تمثله للإسكافي الخالد الذكر لنر ماقاله في مطلع هذه القصيدة.
يامن أسرفت بأكل الجمر على ريب
وغصصت بجرعة ماء
لم لم تبتلع (الياء)
من إسم الحاج (كليب)
ولماذا تلتم كف زعيم (الشورجة) وجها لقفا
وتناديه: أيا عم أغثني
ان دلالة العنوان تنفتح على الموروث الشعبي الحكائي والشاعر دخل الى موضوعه في القصيدة من القاع الأسفل اي المسحوق بدلالة الإسكافي وهو أشبه الى القدم والحركة التي تنطلق به الى الأرض وفضاء الحركة وهذه الإشارة تعكس مرارة الشاعر إتجاه الواقع المعاش وذلك من دلالة العنوان وحكاية الإسكافي ومدينة عفك المذكورة سابقا..
لم تجد فتيلا كل قصائد (إبن الريب) ولماذا يا ذئب السبعينات تظل وحيدا تعوي ما من أحد سيقول (الحال سواء).
سيضيع الصوت رويدا
وتموت شريدا
كمغني (نهر بويب)
ان الشاعر هنا تقمص شخصية الإسكافي أسقطها على موضوعته برغم ان الفرق بين الحالتين شاسع وتطرف أي العوز هو القسام المشترك بينهم ذئب السبعينات إشارة الى الشاعر الذي يعرج الى السياب وهذه إشارة الى المأساة التي أصابت شاعر جيكور وهي نبوءة ربما تصدق مع حنتوش في المستقبل القريب.
وبعدها يعود الشاعر الى البطل الشعري السلبي يا إسكافي (عفك) إذا ما هي العلاقة بين السياب- حنتوش الإسكافي إذا هي مشكلة الفقر من ناحية والشعر من ناحية أخرى.
كانت في الشام لنا نخلة
قصوا كل جدائلها
كانت خلف مدينة "عبادان" لنا قرية
قلبوا عاليها سافلها
والآن خرجنا من مكة
ان الإختزال الشعري في هذه القصيدة ليس حصرا على الموضوع فقد وإنما يمتد الى جغرافية حركة القصيدة أيضا فأن المساحة الجغرافية تمتد من مدينة صغيرة ألا وهي (عفك) الى مدن أخرى يختزلها الشاعر من خلال وجود دلالة الغسم فقد يمتد به الى الشام عبادان مكة من الإحتفاظ بما ترمز إليه من المعنى ليس إعتباط وجودها داخل المبنى العام لموضوعة الشاعر التي لا تنتهي بإنتهاء القصيدة.
المقالة الثانية من كتاب الاختزال الشعري




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=6570
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 06 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3