• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ما كان صلاح الدين عراقيا ولكن من أكراد لبنان! .
                          • الكاتب : ياس خضير العلي .

ما كان صلاح الدين عراقيا ولكن من أكراد لبنان!

الطفلان هما(صلاح الدين بن نجم الدين آيوب , صاحب بعلبك وصابر العمر ,من أبناء عشائر جبل الهرمل), وماقاله أبوه عنه لأمه (سأصحب ولدنا لميادين القتال يوم بلغ العاشرة ) , في قصة للكاتب حبيب جاماتي عن وفاء صلاح الدين الآيوبي لرفيق عمره كما كان يسميه من الطفولة الى أن أصبح الحارس الشخصي الى وفاتهما بنفس اليوم صابر العمر , وهذه القصة بأختصار سأسردها وهي تثبيت بأحداثها التي تتكلم عنه من طفولته لوفاته ولم تذكر مروره بالعراق يومآ , ومعلوم  أن العراق وعاصمته بغداد كانت هي مركز الخلافة الأسلامية وتحكم منها الحجاز وباقي أمصار العالم الأسلامي , والقصة كما هي بين أيديكم اطلعوا عليها واحكموا _
 
القتال على أشده , والصراع رهيب , وضروب الفروسية من الناحيتين متلاحقة , وكفة المعركة تتأرجح بين كر وفر تميل ساعة لهذا الفريق وساعة الى الفريق الأخر , كان ذلك في سنة 576للهجرة , الموافق للسنة الميلادية 1180و يوم داهم الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي سلطان الديار الشامية والمصرية جيشآ من الأفرنج يقوده ملك القدس بلدوين الرابع , كان قبل بضعة أيام قد نصب كمينآ لكوكبة من الفرسان العرب وأفناها عن أخرها فأسرع السلطان لأخذ بثأر رجاله قبل أن تبرد دماءهم فوقع الأصطدام بين الجيشين , في بلدة مرجعيون بجبال لبنان الجنوبية , لم يكن عدد المقاتلين كثير آ من الجانبين ولكن وجود الملكين في مقدمتهم حولوهم جميعهم الى أبطال , فأبوا ألا أن تكون المعركة حاسمة فاصلة فحولوها الى كجزرة كست أشلاءهم الأرض وصبغتها الدماء بحمرة قانية وفي غمرة  المعمعة أخذت عين صلاح الدين منظرآ طار له قلبه هلعآ في صدره فقد رأى الخطر يحدق بواحد من فرسان حرسه المقربين أليه , كبت به فرسه فأوشك أن يهوي عنها وأحاط   به بثلاثة  من رجال بلدوين شاهرين سيوفهم تأهبآ للفتك به , أصيب الفارس بضربة سيف في كتفه وقبل أن تدركه الضربة الثانية كان صلاح الدين قد وثب بثلاث ضربات صائبات و فأنقذ الرجل من موت محقق وعانقه عناق الرئيس لمرؤوسه والمتبوع لمتابعه بل عناق الصديق لصديقه والأخ لأخيه و ولكن السلطان أصيب أيضآ في ذلك الأشتباك في جرح في زنده الأيمن من ضربة سيف سددها أليه واحد من الثلاث قبل أن يصاب بدوره , واختلط دم الجريحين في ذلك العناق الأخوي وتم الأخذ بالثأر من تلك المعركة فقد أنجلت عن أحراز العرب  المسلمون أنتصارآ رائعآ ووقوع بعض القواد الأفرنج في الأسر فأفتداهم الملك  بالمال , وتهادن الفريقان وكفا عن القتال لدفن القتلى ونقل الجرحى في مكان أمين , في بيت منعزل عن مشارف مرجعيون جلس صلاح الدين بجوار الفارس الذي أنقذ حياته في المعركة , وراح يواسيه بنفسه ناسيآ أنه مصاب مثله بجرح يتطلب الأسعاف والعناية , قال الفارس الجريح وهو يلثم اليد التي دفعت عنه الموت بضربات السيف الثلاث , أن حياتك يامولاي لأغلى من حياتي بكثير , فكيف تعرضها للخطر من أجلي ؟
 
وهي الذخيرة الثمينة  التي تفديها شعوب مصر والشام بالمهج والأرواح , فأجاب صلاح  الدين وأرتسمت على محياه أمارات الغبطة والأمل و مافعلت أنا اليوم ياصابر غير مافعلته أنت بالأمس مرتين , ويلذ لي الآن أن أستعيد معك تلك الذكريات الحلوة التي عشنا حوادثها معآ جنبآ الى جنب يارفيق العمر .
 
وفي سكون الليل على ضوء السراج الزيتي , بينما الجنود المنتشرون في البلدة وحولها , يأخذون قسطهم من الراحة أستحقوها في بطولتهم أو يتغنون بأناشيد قومهم على أنغام الناي , عاد الجريحان بالذاكرة الى الوراء أعوامآ عديدة الى عهد الطفولة  في مدينة بعلبك في لبنان يوم كان يتولى شؤنها  نجم الدين أيوب والحروب قائمة حولها على قدم وساق في المدينة طفلان لايفترقان , ألعابهما مشتركة بينهما , يخرجان معآ في مغامرات جريئة خلال الجبال والوديان , وينتصر الواحد منهما للأخر في كل مشاجرة يشتبك فيها مع أطفال المدينة , والطفلان هما (صلاح الدين بن نجم الدين أيوب , صاحب بعلبك , وصابر العمر من أبناء العشائر في جبل الهرمل ), أنهما بالرغم من صفر سنهما دائبان على التمرين المتواصل على أستخدام الأسلحة من كل نوع السيف والقوس والسهم  والرمح والخنجر والفأس , أما سمعا نجم الدين يقول يومآ لزوجته أم صلاح الدين ( سأصحب ولدنا الى ميادين القتال  يوم يبلغ العاشرة ) !
 
أنهما أذن يستعدان للقاء ذلك اليوم ليرافق أباه وصابر العمر ليلحق بصديقه الصغير , فخرجا ذات صباح الى الهضاب المحيطة بالمدينة  وقضيا نهارهما في رشق السهام  ومطاردة طيور الحجال فوق الصخور ولما أنهكهما التعب وشعرا بالجوع والظمأ عولا على العودة وأستلقيا في ظل شجرة وارفة , لأستعادة أنفاسهما وتجديد قوامهما , وفجأة طلع عليهما ذئب أغبر و فاغر الفم , بارز الأنياب , وثب على صلاح الدين وأنشب مخالبه في ذراعه , وفي اللحظة ذاتها كان صابر العمر قد أستل خنجره وبسرعة البرق أغمد نصله في عنق الوحش الهائج ودار صراع عنيف بين الطفل المدافع عن رفيقه والذئب الذي ارتد نحوه , وقد ضاعف الآلم هياجه ولما افاق صلاح الدين من ذهوله كان الوحش صريعآ عند قدميه و وصابر العمر يواصل طعنه بخنجره , فقد أضحت ثيابه حمراء و وتعانق الصديقان الصغيران وأختلط دماء جرحهما في ذلك العناق الأخوي , لم ينسى صلاح الدين ذلك اليوم الذي أنقذ فيه صابر العمر حياته , في هضاب بعلبك , بلغ الطفلان العاشرة فأصطحبهما نجم ادين أيوب , معه الى الميادين وأشتركا في القتال جنبآ الى جنب مع الكبار و بلغا سن الشباب , وطور الفتوة  , فأزدادت روابط الألفة والتعاون بينهما توثيقآ وبقي صابر ملازمآ لصلاح الدين ملازمة الظل في أيام السلم وأيام الحرب على السواء , تزعزع عرش الافاطميين في مصر , فتطلع اليه سلطان الديار الشامية نور الدين محمود وأوفد الى الديار المصرية واحدآ من خيرة قواده أسد الدين شيركوه الذي أصطحب أبن أخيه الشاب صلاح الدين يوسف و فوجد صابر العمر نفسه في مصر مع صديقه , مات شيركوه  فخلفه صلاح الدين وتولى الوزارة وقيادة الجيش , ثم قضى على الخلافة الفاطمية وخدمه الحظ فمات نور الدين في وقت واحد , وخلا الجو للأيوبي لكي يحقق حلمه وهو الأستيلاء على الحكم في البلدين , كان ذلك في سنة 567 للهجرة , الموافقة لسنة 1171ميلادية , وكان صلاح الدين في الرابعة والثلاثين من العمر , وبدأت للعيان بسرعة مواهبه العجيبة وتجلت آيات نبوغه وراح يقطع المراحل واحدة بعد واحدة بقدم ثابته وعزم لايعرف الكلل  الى الأوج , الذي شاءت الأقدار أن ترفعه أليه , زحف على سورية بعد أن أظمئن على سلطته في مصر وتوالت المعارك  وتتابعت معها الأنتصارات فكان رفيقه الأمين الى جانبه حارب معه في دمشق وحلب وفي اللاضقية وحمص وحما وفي بيروت وصيدا ويافا وعسقلان , كان صابر العمر يعنى براحة السلطان ويسرج له الفرس بيده ويسهر على أعداد الطعام له , ويشحذ له الأسلحة ويصونها وفي معركة حمص بين صلاح الدين وفوات المواصل بقيادة سيف الدين غازي في سنة 1174ميلادية حدث أن توغل صلاح الدين كعادته في صفوف المقاتلين وأبتعد عن رجاله الحرس وأصيب جواده بسهم فسقط على الأرض وفرسه تحته  وتعذر عليه الخلاص فما نجا السلطان من الموت أختناقآ في ذلك اليوم ألا بفضل رفيقه الملازم له صابر العمر الذي أنقذه من ورطته , قال صلاح الدين لصديقه وهو يضحك مما حدث ( لم تكن لميتة تحت جثة حصان لائقة بمن يقود الجيوش في الميادين ياصابر ) , فتعانق الرجلان واختلطت ضحكتهما في ذلك العناق الأخوي مرتان أنقذ فيهما صابر العمر حياة الملك الناصر صلاح الدين , مرة في بعلبك ومرة في حمص وهما الحادثتان الذان جعلا السلطان يقول لصابر يوم أنقذه بدوره بمعركة مرجعيون , ( مافعلت أنا اليوم ياصابر غير مافعلته أنت بالأمس مرتين ) , تلك هي الذكريات التي أستعادها الرجلان في لبيت المنعزل على ضؤ السراج في سكون الليل , وأستأنف صلاح الدين حروبه وغزواته في جبهتين لتوحيد ماتبقى من الديار الشامية تحت سلطته من ناحية لأستخلاص ماتبقى من أرض فلسطين في أيدي الأفرنج من ناحية أخرى.
 
وظل صابر العمر على ملازمته للبطل الذي وقف له حياته وربط مصيره بشخصه وكان صلاح الدين يكرردائما قوله لصابر ( لقد وفيت نحوك ديني مرة واحدة فمازلت أنت صاحب الفضل ) وفي مجالسه مع عظماء الدول وقادة الجيش كان صلاح الدين يكثر من الأشارة الى وفاء صابر وأخلاصه ويسميه ( رفيق العمر ) , ومضيت الأعوام وحقق صلاح الدين أحلامه وبلغ أهدافه , وأنشأ في الشرق الأدنى دولة عظيمة تنوعت مفاخرها وتعددت أمجادها وترامت في الأتساع حدودها وكتب له النصر في معركة حطين في سنة 583 هجري الموافقة لسنة 1187 ميلادية فدخل بيت المقدس وحوصر البقية الباقية من الأفرنج بباقي المدن الساحلية , فأنصرف الى تدبير الشؤون الأدارية والتجارية والصناعية للدولة , وعرض على صابر العمر في أي حاضرة من حواضر الدول فأعتذر رفيق العمر ورجا السلطان ان يتركه على حاله صديقآ وملازمآ وخادمآ , وأجابه صلاح الدين الى رجاءه في سنة 589 للهجرة الموافق لسنة 1193ميلادية كان الملك الناصر صلاح الدين في عاصمته الشامية دمشق وكان السلم مخيم على أرجاء الدول والرسل يروحون ويجيؤن بين المدينة الزاهرة الزاهية وعواصم الشرق والغرب على السواء وفي بيت صغير متواضع  على مقربة من قصر السلطان الباذخ كان صابر العمر قد أستقر وحيدآ لاأهل ولازوجة ولاأبناء حوله , ظل يعيش من أجل السلطان , الذي ظل من ناحيته يغمره بعطفه ولايخرج من العاصمة دون أن يسمح له أن يكون بين ركابه وحاشيته , قال صابر العمر ذات يوم لصلاح الدين والقلق والأضطراب باديان على وجهه ( أنك تعلم يامولاي أنني ممن يصدقون الأحلام ويجيدون تفسيرها ولقد طالما بعث ذلك أبتسامة على شفتيك ووصفته بأنه أوهام في أوهام ولكنني بالأمس حلمت حلمآ أزعجني فقد رأيتك في المنام عائدآ من رحلة صيد ووجهك شاحب والعرق يتصبب من جبينك فقلت لي أن الرحلة كانت شؤمى عليك وأنها ستكون الأخيرة ) ,فأبتسم الملك الناصر وقال لصاحبه ( ومامعنى هذا الحلم ياصابر؟ ) و أجاب الرجل ( معناه يامولاي مطابق لما حلمت به وقد علمت أنك خارج الى الصيد في صباح الغد و أفلا تصغي ألى نصيحتي وتهدل عن عزمك ؟) و فابتسم صلاح الدين أيضآ وقال ( لقد حلمت أنا أيضآ بالليلة الماضية بأنني كنا أعاتب نفسي بأحد مجالسي وعلى مسمع من رجال حاشيتي فقلت لهم _ أنني مدين لك بالحياة مرتين  فقد كنت لط وفيآ مرة واحدة وبقي علي أن أكون مرة ثانية  وستكون المرة الثانية يوم يصيبك لاسامح الله  أذى و فأذا أدركك الموت قبلي  لحقت بك وأذا أدركني قبلك كان موتي تصفية لديني أليك) وسكت الملك الناصر ومزق صابر العمر السكوت بقوله (وهذا أيضى يامولاي حلم لايبشر بالخير فأستحلفك بالله بأن تلزم قصرك غدآ ولاتخرج الى الصيد وأذا فعلت فأنني سوف اتخلف عن مرافقتك للمرة الأولى في حياتي وسوف أقضي يومي في المسجد الأموي أصلي وأتذرع الى الله بأن يحفظك ويبعد عنك الشر والأذى ) ,وللمرة الأولى خرج صلاح الدين في رحلة لم يكن فيها رفيق العمر صابر العمر في ركابه ظل أسبوعين يطارد الغزلان والطيور في البراري والجبال شرق العاصمة دمشق وكان يصحبه أخوه الملك العادل ونخبة من الفرسان والرماة وعاد من رحلته أصابته الحمى الصفراء فلزم فراشه وأسرع صابر العمر الى قصر السلطان وكان قد قضى تلك الأيام في الجامع لايغادره لافي النهار ولا في الليل
 
, تمتم صلاح الدين قائلآ ( هاقد تحقق حلمك ياصابر فياليتني أصغيت لنصيحتك وعملت بها ) و فأجاب صابر _(عسى الله يامولاي أن يحول دون تحقيق حلمك أنت ) و وتعانق الرفيقان وأختلطت أنفاسهما  غي ذلك العناق الأخوي تحقق الحلم الثاني فقد عاد صابر العمر الى بيته مصابى بالحمى الصفراء مثل سيده وقد أنتقلت أليه العدوى منه وفي السادس والعشرون من صفر سنة 589للهجرة في أثناء النهار مات صابر العمر وهو يذكر أسم صلاح الدين ويرجوا له الشفاء وفي السابع والعشرون من صفر لفظ الملك االناصر الأيوبي أنفاسه الأخيرة وفي السادسة والخمسين من العمر لم يترك ملآ ولاعقارآ ولكنه ترك مجدآ خالدآ وأسمآ لاتزال حروفه ترن في أذان التاريخ وكان بموته وفيآ لصديقه مرة ثانية فقد مات ( رفيق العمر) في النهارولحق به السلطان في الليل , اما الرفيق المتواضع الذي لازمه في حياته ولم يفارقه ألا في يوم موته والذي رفض المال والمناصب ومات في بيت صغير فقد نسي الناس أسمه ولايعرف احد في أي بقعة من المدينة الكبيرة يرقد رقاده الأخير .
 
وبذلك الرجل صلاح الدين لم يولد بالعراق ولم يزوره ولم يكن يعيش لافي الشمال ولا الوسط منه وحسب ماورد بالرواية لسيرة حياته من خلال صديقه .
 
الصحفي العراقي
 
ياس خضير العلي
 
مركز ياس العلي للأعلام_صحافة المستقل



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=6592
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 06 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29