أعلمُ أنَّ الحكيم يوصي أن تنحني حين تمر العاصفة فإذا هدأت فارفع رأسك قليلاً ، وأعلمُ ان الحديث ساعة يعلو صوت الرصاص لا يسمعه أحد وهو كمن يريد أن ينقش على ماء كتاباً أو يبني من الرمل قصوراً ، وأعلم أن رجال الثورات أو الإنقلابات حين يصلون للحكم فأول ما يجلدون آخر المتحدثين قبل نجاح الثورة لأن حديثه سيكون طرياً في ذاكرتهم فيستحق العقاب عليه ، وأعلم أيضاً أن من بين المسؤولين من أساء وفسد وولغ في المال العام ولوغ الكلاب دون وجه حق بل ولازال متنعماً من خزينة الدولة ولكني أراه اليوم معلقاً وناشراً أشد عبارات النقد والتجريح حول النظام السياسي بمجمله !!! أعلمُ أن الرعونة في السياسة هي أن تكون صادقاً تُعَبّر عما تعتقده أو تؤمن به ، وأعلم أن الانتحار السياسي يعني أنك نحرت الخداع في نفسك فلا سياسة من غير كذب وخداع . أدرك تماماً أن الجماعة البشرية لم تتخلص حتى اليوم من ظاهرة (المد الجمعي) أو ( التفكير الجمعي ) فإذا رميت على أحدهم حبلاً وظن أنه أفعى صاح هارباً أفعى أفعى فهرب من كان جواره وجوار جواره وكلهم يصرخون أفعى أفعى دون أن يراها منهم أحد ، ولا زلت أتذكر ذلك الشيخ الوقور الذي أرهقه المسير من الناصرية إلى كربلاء في عام ٢٠٠٦ في زيارة الاربعين فبدى عليه القتر والكدر وشعوثة الشعر حتى اذا وصل الى قرب باب الشهداء مد يده الى (سترته) ليُخرج ورقةً كان كتب عليها قصيدة يريد أن يخاطب بها معشوقه الحسين (ع) فصاح أحدهم ارهابي ارهابي فلم تنجلي الغبرة إلا وقد قُضِي على أنفاس الشيخ ضرباً و لكماً وطعناً ورفساً وحين فتشوا الرجل فلم يجدوا في جيبه سوى القصيدة فمضى الى ربه شهيداً . أعلم ويعلمُ غيري أن السرقة حرام قليلها وكثيرها كما المُسكِر حرام قليله وكثيره وأعلم أن عدداً من المسؤولين أسرف وسرق وأساء واستأثر ، وأعلم أيضاً أن فاعل الخير يعود اليه وفاعل الشر يعود عليه وعلى العامة فـ (الخير يخص والشر يعم ) كما يقولون ، أعلم كل ذلك ولكني أقول أليس من الضمير أن نسأل أنفسنا : من شارك في انتخابات ٢٠٠٥ أليس ٨٠٪ منا نحن ، من شارك في انتخابات ٢٠٠٩ أليس ٧٤٪ منا ؟ وفي انتخابات ٢٠١٣ أليس ٦٤٪ منا ؟ كم منا من سال لعابه لكارت موبايل أو بطانية أوسفرة الى ايران أوتعيين ابنه أو تعيين قريبه ؟ كم منا من سأل نفسه عندما يعين فلان احداً ( بالواسطة ) فذلك يستحق العقوبة لانه خالف قوانين الدولة أم يستحق المكافأة بان امنحه صوتي ؟ وعندما يوزع فلان أموالاً او يدعو الى عزائم وولائم أو يقيم مهرجانات ضخمة تكلف الملايين فذلك يعني فسادا أم يعني صلاحاً فكيف امنحه صوتي ؟ومن منا من سأل عن فلان وفلان ومن منا كلف نفسه عناء التقصي والاستفسار قبل أن يضع صوته الذي هو ضميره في الصندوق ؟ لا يعني ذلك أن ليس من حقنا أن نتظاهر حين لا يؤدي من انتخبناه واجبه لكن الواجب ايضاً ان نتذكر بأننا جزء من المشكلة وعلينا المراجعة ومن الواجب أيضاً أن نتذكر أن لنا سقفاً نستظل به جميعاً هو النظام العام فلا ندعه يسقط علينا فمريضك ومريضي لازالت هناك مستشفى تستقبله وطفلك وطفلي لازالت هناك مدرسة تعلمه مجاناً مهما كان عدد التلاميذ في الصف ولا زال لنا سوق نتسوق منه ولص يهاب اقتحام ديارنا ومركز شرطة يسمع شكوانا ، فهوناً هوناً ورفقاً رفقاً فرسالة المتظاهرين وصلت وتم قراءتها بإمعان واستجاب رئيس الوزراء للمطالب الكبرى والعمل جار على تحقيقها ، وكم من الثورات اُختطفت وتحول مسارها لأسوأ حال . وللحديث بقية والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل . |