• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أسباب نشأة اللهجات وقفة مع التنوع و التعدد اللغوي .
                          • الكاتب : الشيخ ليث عبد الحسين العتابي .

أسباب نشأة اللهجات وقفة مع التنوع و التعدد اللغوي

  إن صراع البقاء و الديمومة لا يشمل الكائنات بما هي هي ، بل يتعداه إلى كل ما يتعلق بها ، لذا نجد ان ما يحدث بين الكائنات يحدث بين جزئية من الجزئيات التابعة لها .
فمثلاً : يحدث بين اللغات ما يحدث بين أفراد الكائنات الحية و جماعاتها من احتكاك و صراع و تنازع على البقاء ، و سعي وراء الغلب و السيطرة ، و تأتي نتيجة هذه الصراعات و الاحتكاك أن تتشعب و تتفرع اللغات  .
قال تعالى : (( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ )) سورة البقرة ، الآية (213) .
و قال تعالى : (( وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ )) سورة لبقرة ، الآية (253) .
و يمكن إجمال سبب انتشار اللغة بثلاثة أسباب رئيسية هي :
1ـ الغلبة بعد النجاح في صراع الغالب و المغلوب .
2ـ الانتشار بعد هجرة من الهجرات القسرية الكبرى .
3ـ توفر الأسباب المواتية لنمو جماعة ما و تمددها و تطورها و بالتالي هيمنتها .
فانتشار اللغة انتشاراً واسعاً يؤدي إلى تشعبها و انقسامها إلى لهجات مختلفة ، و لا يمكن لأحد أن يأتي و يقول : أن هناك دخل لقضية الجينات في اختلاف اللغة و تنوع اللهجات ، فالارتباط بين الجينات و اللغة ليس ارتباطاً مباشراً ، فليس هناك جينات مسؤولة عن اللغة ، لأن اللغة عامل من العوامل المكتسبة ، فلو أننا أخذنا طفلاً انكليزياً و أنشأناه في بلد عربي دون أن يسمع كلمة انكليزية فإنه سوف يتكلم العربية بطلاقة و العكس صحيح ، فالعلاقة بين الجينات و اللغة علاقة بعيدة عن ( علاقة التلازم الذاتي ) ، نعم ، إن للعوامل البيولوجية ، و العوامل الجغرافية ، دور مهم في تنوع اللهجات ، و حصول فروق في اللغات .
( ليس ثمة سبب للاعتقاد بأن للجينات أثراً على قدرة الفرد على التحدث بلغة دون الأخرى ، فإذا وجِدت مثل هذه الفروق فلا بد أن تكون ضئيلة حقاً . للإنسان المعاصر القدرة على تعلم أية لغة ، أما أول ما يتعلمه من اللغات فهو أمر يرجع لتاريخ ميلاده و موطنه . تشترك كل اللغات الحديثة في مستوى متساوٍ من تعقيد البنية فالجماعات العرقية التي تحيا في مستوى اقتصادي بدائي لا تتحدث لغة أكثر بدائية من لغة الجماعات الأثرى ، و إذا ما كان ثمة تفاعل بين الجينات و اللغات ، فإن اللغات هي التي تؤثر في الجينات ... )  .
إن عامل تغير الثقافة يعتبر من العوامل المهمة التي تؤدي إلى تغير اللغة ، فتعدد الفئات الثقافية و الاجتماعية داخل المجتمع يؤدي إلى التغير الحتمي في اللغة السائدة ( اللغة الأم ) ، فتنقسم تلك اللغة إلى لهجات ، و تعَّبر كل لهجة عن ثقافة فئة معينة ، و ذلك عن طريق ما تضيفه إليها تلك الفئة أو الجماعة من مفردات و مصطلحات خاصة فتصبح لهجتهم بعد ذلك لها سمتها الخاصة بها ، وفق نسق ثقافي خاص بهم .
كما و أن هناك سبباً أخر يعتبر من العوامل التي تساعد على نشوء اللهجة ، و الذي يطلق عليه علماء اللغة اسم ( المغايرة الفردية ) و التي تعني : أن كل إنسان له لهجته الخاصة ، و ان هناك لهجات في اللغة بقدر ما هنالك من أفراد يتكلمون هذه اللغة ، و علماء اللغة يقولون أن المجتمع الذي يتكلم أفراده لغة واحدة لا وجود له اطلاقاً  .
و المغايرة الفردية ليست تعمدية ، و لكنها طبيعية و عفوية ، فالطفل لا يمكن أن يولد صورة طبق الأصل لأبيه أو لأمه لا في الشكل و لا في الصوت و النطق و اللغة ، و هذه المغايرة جيلاً بعد جيل تترك أثرها في اللغة .
إن لغة المحادثة تتشعب في البلد الواحد أو المنطقة الواحدة إلى لهجات مختلفة تبعاً لاختلاف طبقات الناس و فئاتهم ، فتكون هناك مثلاً لهجة للطبقة الارستقراطية ، و أخرى للجنود ، و ثالثة للتجار ، و رابعة للرياضيين ، و خامسة للمعلمين ، و هكذا . و تنشأ هذه اللهجات نتيجة لما يوجد بين طبقات الناس و فئاتهم من فروق في الثقافة و التربية ، و نواحي التفكير و الوجدان ، و مستوى المعيشة ، و حياة الأسرة ، و البيئة الاجتماعية ، و التقاليد , و غيرها من أسباب مؤثرة .
ان التعدد الشكلي و اللوني و اللساني و الثقافي و المعيشي ما هو إلا عنصر تنوع و إثراء و قوة للحضارة البشرية ، و هو آية من آيات الله سبحانه و تعالى كما صرح بذلك القرآن الكريم .
قال تعالى : ( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِلْعالِمِينَ ) سورة الروم ، الآية (22) .

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=66443
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 08 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18