• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التجني الاكبر للسيد حسن شُبَّر – الحلقة الخامسة .
                          • الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي .

التجني الاكبر للسيد حسن شُبَّر – الحلقة الخامسة

 حزب الدعوة الإسلامية وأحداث 1969م:
يمكن فهم حقيقة موقف حزب الدعوة الإسلامية من تحرك المرجع الديني الأعلى السيد محسن الحكيم (قده) ضد السلطة العفلقية سنة 1969م من خلال أمرين :
الأول : إلتزام حزب الدعوة الإسلامية بمبدأ المرحلية ، فالحزب في تلك الفترة كان يمر بالمرحلة الثقافية التي لم تكن تسمح له بالتدخل في الأمور والمواقف السياسية(67).
الثاني : تمسك قيادة حزب الدعوة الإسلامية بالمبدأ القائل بـ (قيادة الحزب للأمة مع الإستفادة في ذات الوقت من المرجعية كواجهة للعمل الإسلامي ومن الطاقات التي تملكها لدعم التيار الإسلامي في المجتمع)(68).
وقد أختلف حسن شبَّر مع الشهيد الحكيم (قده) في أمر هو قول الشهيد الحكيم (قده) : ( وأنسحبت القيادة من تعهدها بالقيام بتظاهرات عندما يقوم البعثيون بالتحرش بالمرجعية )[69]. فيرد عليه حسن شبَّر بأن والده السيد محسن الحكيم (قده) هو الذي رفض ذلك وقال : ( يجب أن تبقى الدعوة مستترة ولا يكشفون أنفسهم )[70] أو ( ينبغي أن يكون حزبكم مكتوماً أي مخفياً )[71] ( ينبغي أن يبقى حزبكم مخفياً ) كما نقله مصدر آخر[72].
ومن الواضح أنه لا تعارض بين ما ذكره الشهيد الحكيم (قده) وبين ما نقله حسن شبَّر عن السيد محسن الحكيم (قده) ، والأستاذ صلاح الخرسان ينقل النصين[73] بإعتبارهما جزئين واقعين من الأحداث لا تعارض بينهما كما فهمه هو أيضاً.
فمن الواضح جداً من خلال قراءة النص الذي حسن شبَّر في ص (24) إنَّ قيادة الحزب أقترحت على السيد محسن الحكيم (قده) الظهور العلني وقيادة الإنتفاضة ضد السلطة ولو أدى الأمر إلى التضحيـة بمائة شخص من كوادر الحزب ، فجاء رفض السيد محسن الحكيم (قده)لهذا الأمر لأن واجهة العمل الإسلامي يجب أن تبقى محصوراً بالمرجعية ولكن تم الطلب من الحزب تسيير المظاهرات دعماً للمرجعية في حال تعرضها لخطر السلطة ، وحصل الإتفاق على هذا إلا إنَّ الحزب لم يفِ بوعده وهو ما ذكره الشهيد الحكيم (قده).
لم يستطع الحزب أن يتخلص من ركيزة ( قيادة الحزب للأمة بدلاً من المرجعية ) ولأن الحزب لم يكن مستعداً للتخلي عن مرحلته الثقافية إلا تحت عنوان تطبيق هذه الركيزة ، لذلك فقد رفضت قيادته مقترح تنظيم البصرة في إعلان عصيان مدني شامل في جميع أنحاء العراق[74]، واتجهت إلى تهدئة الموقف.
كان يمكن لقيادة حزب الدعوة أن تقوم بالتظاهرات وإبراز الدعم الجماهيري للمرجعية العليا دون أي ظهور أو دعاية للحزب في تلك الظروف حتى لا يحصل تفتيت للجهود غير إنَّ قيادة حزب الدعوة متمسكة بضرورة قيادة الحزب للأمة وليس المرجعية.
هناك نقطة هامة أخرى ، فمن منطلق إيمان قيادة حزب الدعوة الإسلامية بأن تكون قيادة الأمة هي للحزب وليس للمرجعية العليا ، نجد الحزب يبتعد عن المرجعية العليا ، فبعد ترك الشهيد الصدر (قده) لحزب الدعوة الإسلامية لم يحاول الحزب المذكور الإلتفاف حول قيادة أي مرجعية أخرى ، ولا يوجد أي دليل على إلتفافه حول مرجعية السيد محسن الحكيم (قده) أو أو مرجعية السيد الخميني (قده) بعد قدومه إلى العراق سنة 1964م ، حيث إلتقى وفد من حزب الدعوة الإسلامية معه[75]. وقد رضخت قيادة الحزب المذكور إلى طلب الشهيد الصدر (قده) بوجوب أن تكون القيادة للمرجعية الدينية وذلك حين عرضت على الشهيد الصدر (قده) التعاون سنة 1979م[76] من أجل تجاوز أخطاءها في أحداث سنة 1969م.
يضاف لذلك إنَّ مبادرة حزب الدعوة الإسلامية بتصعيد المواجهة مع السلطة المبنية على أساس أنَّ ( المبادرة بمثل هذا التحرك ستكبح جماح السلطة )[77]، قد رُفِضَتْ من قبل السيد محسن الحكيم (قده) ولكن تم الطلب من الحزب المذكور ( التحرك إذا تم التحرش بالمرجعية )[78]من قبل السلطة ، ولكن قيادة الدعوة لم تقم بالتحرك المذكور ، فمن لا يتحرك لصد عدوان السلطة كيف يمكنه التحرك لبدء مواجهة ضد السلطة !
لقد بيَّنت الوقائـع التي حدثـت إنَّ السيد محسن الحكيم (قده) كـان محقـاً فيمـا ذهب إليه ، يقـول الأستاذ صلاح الخرسان : ( وهناك نقطة جوهرية أخرى كانت وراء إحجام الإمام الحكيم عن  تثوير الوضع في العراق وهي عدم إستعداد الشعب العراقي آنذاك ـ وبفعل تراكمات الماضي ـ للتضحية ولو بأقل القليل من أجل قضيته وإقامة البديل الذي يرتضيه على أنقاض النظام القائم ، ويشير الإمام السيد محسن الحكيم إلى ذلك بالقول "لو كنت أثق بأن الناس يتحركون فإنني سأفتي بالجهاد ضد السلطة ولكن أخشى أن أفتي بالجهاد ولا يترتب على ذلك أثر فعلي ويذبح بعض الناس " ، وقد صدق ما توقعه الإمام وظهرت دقة تشخيصه عندما إنفضّتْ الجموع الغفيرة عن مقر إقامته ببيان واحد صدر عن السلطة )[79].

بداية الخلاف بين حزب الدعوة الاسلامية والمرجعية الدينية:
الظاهر ان بداية الخلاف بين حزب الدعوة الاسلامية وبين المرجعية الدينية يعود الى العام 1963م عندما تولى المهندس الشهيد محمد هادي السبيتي (رحمه الله) قيادة الحزب المذكور بعد انسحاب السيد مرتضى العسكري (قد) من قيادته وتجميده لعضويته فيه. فقد تمكن الشهيد السبيتي (من رسم خط سير الدعوة وفق متبنيات فكرية وتنظيمية وسياسية لم يكن – بعضها على الاقل – موضوع إجماع أو قبول من لدن آباء الدعوة المؤسسين ورموزها البارزين سواء الذين هم داخل التنظيم أم خارجه)(80). وكان الشهيد السبيتي يؤكد (على ان العمل السياسي والحزبي يحتاج الى اختصاص وإن الحوزويين رغم تضلعهم بعلوم الشريعة فقهاً واصولاً وتفسيراً وغيرها ، لا يملكون هذا التخصص ، وكان يعكس رأيه الذي لم يحد عنه خلال النقاشات التي كانت تدور مع كبار علماء الدعوة الذين حمّلوا السبيتي بدورهم مسؤولية اهمال الدعوة لفكر أهل البيت في نشراتها بإعتباره منظر الحزب وقائده)(81).
وهذا التوجه بكل تاكيد مخالف لرأي المرجعيات الدينية وفي مقدمتها مرجعية السيد محسن الحكيم (قده) ومرجعية الشهيد الصدر كما بيّنا سابقاً.

فتوى تحريم الأنتساب:
بشعةٌ هي محاولة حسن شبَّر في تضليل القاريء والإستخفاف بعقله ، فتحْتَ عنوان ( الحكيم يستمر في ظلمه وتشويهه لحزب الدعوة الإسلامية ) ص (68) نقرأ الشيء الكثير من تلك البشاعة ، فهو ينقل كلام للشهيد الحكيم (قده) حول رأي الشهيد الصدر (قده) في العلاقة بين الحوزة والأحزاب الإسلامية فيحددها بالآتي :
1.         الحوزة العلمية بتشكيلاتها وتنظيماتها تمثل القيادة الأساسية للعمل الإسلامي.
2.         إستقلالية الحوزة بتشكيلاتها وتنظيماتها عن العمل المنظم الخاص (الأحزاب الإسلامية).
وإذا بحسن شبَّر يرد على هذا الكلام بأن يشير لفتوى تحريم الشهيد الصدر (قده) الإنتماء للأحزاب الإسلامية على طلبة العلوم الدينية في الحوزة العلمية ثم يستند إلى كلام للسيد كاظم الحائري (دام ظله) حول إحتماليات فتوى الشهيد الصدر (قده) المذكورة فيقول السيد كاظم الحائري (رعاه الله) مخاطباً السيد الشهيد الصدر (قده) في رسالة بعث بها إليه : إنَّ المحتملات عندي أربعة :
1.  أن يكون المقصود بهذه الكلمة لحاظ مصلحة في أصل ذكرها ونشرها كتقية ، ....
2.  أن يكون المقصود بهذه الكلمة أولئك العلماء والطلاب المرتبطون بمرجعيتكم وإنْ اقتضت المصلحة إبرازها على شكل العموم.
3.   أن يكون المقصود بهذه الكلمة فصل طلاب الحوزة العلمية في العراق عن العمل الحزبي درءاً للخطر البعثي الخبيث عنهم ، الذي يؤدي إلى إبادتهم.
4. أن يكون المقصود بها فصل جميع الحوزات العلمية في كل زمان ومكان عن العمل الإسلامي ....
 
وذَكَرَ أنَّ الشهيد الصدر (قده) وافق على الإحتمالات الثلاثة الأولى دون الأخير[82].
وفي هذه النقطة أحيل الأمر إلى للقاريء الكريم فهل يجد في موضوع الإحتمالات الأربعة وجواب الشهيد الصدر (قده) أي تعارض مع كلام الشهيد الحكيم (قده) ؟ هل الإحتمالات الثلاثة الأولى تعارض كون الحوزة العلمية هي القيادة الأساسية للعمل الإسلامي !؟ وهل تعارض تلك الإحتمالات وجواب الشهيد الصدر (قده) موضوع إستقلالية الحوزة بتشكيلاتها وتنظيماتها عن العمل الحزبي ؟!
إنَّ معنى إستقلالية الحوزة العلمية هو أن تكون قيادة العمل الإسلامي هو للمرجعية الدينية وحسب نظرية الشهيد الصدر (قده) الذي تبنى نظرية ولاية الفقيه العامة ، فإن القيادة حين تكون الأمة الإسلامية محكومة للطاغوت هو للمرجعية الدينية وبذلك تكون الأحزاب الإسلامية منقادة للمرجعية الدينية فينتظم أمر العمل الإسلامي. يقول الأستاذ صلاح الخرسان : (ومما لا شك فيه إن إصرار السيد الحائري على تأكيد المعاني التي وردت في رسالته إنما يعود إلى خشية الدعوة من أن يفسر حكم الإمام الصدر على إنه تحريم لعموم العمل الحزبي الإسلامي لذلك جرت محاولات من قبل الدعوة لإيجاد مخرج لهذا الإشكال وذلك بربط أسباب الحكم بإرهاب السلطة في حين إنَّ ذلك العامل لم يكن إلا سبباً ثانوياً في قيام الإمام السيد الصدر بإصدار هذا الحكم الذي بني على ضوء نظريته في المرجعية الصالحة والتي تشترط إستقلال طلبة العلوم الدينية عن الدائرة الحزبية وتحرص على بقائهم في إطار الدائرة الإسلامية العامة )[83].
وأما ما أدعاه حول كلام الشهيد الصدر (قده) الذي نقله السيد محمود الهاشمي (دام ظله) : ( إنَّ كلمتي التي أصدرتها حول إنفصال الحوزة عن العمل الحزبي قد إنتهى أمدها) ، فقد حصل هذا بعد أن أذعنت قيادة  حزب الدعوة الإسلامية وسلمت قيادتها للشهيد الصدر (قده) [84] وحسن شبَّر نفسه يذكر في هامش ص (72) إنَّ تلك الكلمة للشهيد الصدر (قده) كانت بتاريخ 21-22/5/1979م.
فالشهيد الحكيم (قده) كان يتكلم عن الخط العام لحركة الشهيد الصدر (قده) فيما كان السيد كاظم الحائري (دام ظله) يتحدث عن الحكم الفقهي الذي أصدره الشهيد الصدر (قده) بتحريم الإنتماء للأحزاب الإسلامية على طلبة العلوم الدينية.
على إننا نشكك بأن الشهيد الصدر (قده) هو الذي أجاب عن سؤال السيد الحائري (دام ظله) ، بل نشكك بالقيمة العلمية لهذا السؤال وذلك بسبب ما يحتويه من تلاعب بالألفاظ حيث تم الإشـارة إلى "الحكم الفقهي" الذي أصدره الشهيد الصدر (قده) بتحريم الإنتماء إلى الأحزاب الإسلامية من قبل طلبة العلوم الدينية بأنها "كلمة"[85] ولا نعرف معنى فقهي لهذه الـ "كلمة" ، مع إنَّ الحكم الفقهي يلزم العمل به جميع المؤمنين المكلفين بناءاً على الولاية العامة للفقيه ولا يخص مقلدي المجتهد الذي أصدره فحسب كما هو حال "الفتوى الفقهية".

الهوامش:
 [67]   حزب الدعوة الإسلامية ، حقائق ووثائق – ص162.
[68]   المصدر السابق – ص164.
[69]   المصدر السابق – ص271
[70]   المصدر السابق – ص262.
[71]   المصدر السابق – ص162.
[72]   حزب الدعوة الإسلامية ، حقائق ووثائق – ص162.
[73]   المصدر السابق – ص163.
[74]    الرد الكريم ـ ص70 و 71.
[75]   حزب الدعوة الإسلامية ، حقائق ووثائق – ص206.
[76]   المصدر السابق – ص262 .
[77]   المصدر السابق – ص205.
[78]   المصدر السابق – ص265.
[79]   الرد الكريم ـ 76.
[80]   حزب الدعوة الإسلامية ، حقائق ووثائق – ص118.
[81]   المصدر السابق – ص198.
[82]   المصدر السابق – ص200و201.
[83]   المصدر السابق – ص207.
[84]   المصدر السابق – ص197و198.
[85]   المصدر السابق – ص205.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=66506
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 08 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18