• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نعم.. لقد مات رياض!! .
                          • الكاتب : فالح حسون الدراجي .

نعم.. لقد مات رياض!!

مات رياض قاسم الشاعر والكاتب الجميل، والإنسان الأكثر جمالاً من كل مواهبه المشعة بالجمال، والصديق الرائع حد الدهشة في بساتين الروعة المستحيلة..
 
مات أبو أزل في مستشفى اليرموك في خميس الأسبوع الماضي.. وقد يستغرب الكثير من القراء تأكيدي على موت إنسان يتحتم موته في أية لحظة، ويأتي أجله، مهما كان هذا الإنسان عظيماً خارقاً،  عنيداً، ومشاكساً ليومه المحتوم!!
 
وجوابي: أن هذا التأكيد لم يأت لإقناع الآخرين بموت رياض فحسب، إنما لإقناعي انا أيضاً. فأنا أكثر الناس حاجة لهذا التأكيد رغم إيماني المطلق بأن:
 
 (كل انسان بالدنيا يمرَّه الموت ..
 
 وكل شجره الكُبر بيها الخريف تموت .. 
 
وكلشي بها الحياة يموت.. كلشي يموت ..
 
 بس موتك أشكن بيه) !!
 
وسبب شكي بموت رياض- أستغفر الله - ذلك أن الرجل الذي عبر حاجز الخامسة والسبعين من عمره بنجاح ساحق، رغم الأحزان والأوجاع، والأسى الذي مشى معه كتفاً الى كتف لأكثر من نصف قرن، ورغم كل الأمراض التي عبرت معه هذه الحواجز الشاقة كمرض السكري والضغط، وداء الملوك وغيرها، ورغم تعرضه للسجن مرتين بلا سبب.. ورغم مرور أكثر من ربع قرن على حياته الموحشة وسريره البارد لا سيما وهو المعروف بوفائه الخرافي لحبيبته أم أزل، التي مضت الى أبديتها تاركة أبا ازل وحيداً فريداً، إلاَّ من حنانه الفذ لبناته، وضحكته التي تكسر له وحدانيته.
 
 أقول ان كل هذه الأوجاع، وغيرها من تلك التي لم أذكرها، لم تضعف صورة وجوده القوي في ذاكرتي، ولم تهز (كيان) ضحكته العالية التي تزرع الثقة في أذن كل من يسمعها، فيعتقد السامع أن الحياة (لونها بمبي.. وأنا جمبك وأنت جمبي)..كما تقول الراحلة سعاد حسني.. بحيث ظل رياض في قناعاتي عصياً على الذبول..
 
لذلك - ولا أعرف لماذا - كنت أظن، أو أشعر أن يوم رياض قاسم بعيد جداً، وقد عمق عندي هذا الظن، او الشعور، أنه زارني في مقر الجريدة قبل عشرة أيام مع صديقه الأقرب لروحه (أبو رمزي)، بعد فراق دام أكثر من عشرين سنة. وطبعاً فقد دخلت ضحكته مبنى الجريدة قبله، فنهضت لأستقبله مع صديقه، وقبل أن أحتضن رياض، إحتضنني هو، وعانقني بقوة، فشممت فيه رائحة الوفاء، والصدق، والمحبة الحقيقية، والنقاء الثر. لقد شممت بأبي ازل رائحة الزمن الجميل والعبق الزكي، حيث كنا نعمل في جريدة واحدة سوية قبل أكثر من ثلاثين عاماً، ونلتقي كذلك في المقهى المقابلة لجريدة الجمهورية كل يوم انا ومكي الربيعي وسعدي السبع ومحمد جبير وحسن عبد الحميد ومحمد شاكر السبع وغيرهم، وكنا نلتقيه أنا ومكي الربيعي كلما ضرب الجوع في بطوننا، أو ضرب الكأس في خيالنا، فنهرع اليه لنستدين منه، وطبعاً لم نكن نعيد له دينه إلاَّ (بالطاگة باگة) كما يقولون..
 
نعم لقد شممت في أبي أزل تلك الرائحة التي لم أشمها منذ مدة غير قصيرة.. بعد ان تغير الكثير من فرسان ذلك الزمن.. سواء أكانوا من الزملاء، أم الأصدقاء! ولم يعد لتلك الرائحة وجود في هذه الأيام النتنة..
 
وحين جلس رياض وأبو رمزي في مكتبي بالجريدة، (طفت الكهرباء فجأة)، فخرجنا من المكتب بعد أن إستثمر رياض هذا الإنقطاع، ليطلق تعليقاً او تعليقين من تعليقاته اللاذعة.. مفجراً ضحكة مجلجلة سُمعَت في كل أركان البناية.. 
 
ثم خرج الصديقان الطيبان من الجريدة، على أمل ان يأتيا في الأسبوع المقبل لنكمل اللقاء. وفعلاً إتصل بي الحبيب رياض في الموعد المحدد، ليخبرني عن الموعد، لكني إعتذرت له بسبب سفري خارج بغداد.. فحددنا اللقاء في يوم السبت، لكن رياض مات يوم الخميس.. فكيف لي ان أصدق انه مات؟!



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=67193
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 09 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3