• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هل الديمقراطية شفاء من كل داء؟ .
                          • الكاتب : محمد الحمّار .

هل الديمقراطية شفاء من كل داء؟

وراءنا 15 قرنا من الحضارة، إنجازا ودينا ولغة. إذن فالديمقراطية هي الدخيلة علينا. وهي دخيلة بالمقياس الزمني وبمعنى الضيافة والإضافة. وبالتالي فهي التي من المفترض أن تتأقلم مع ثقافتنا، ومنه مع لغتنا ومع ديننا ومع إنجازاتنا.
لكن الذي نلاحظه اليوم إنما هو نوع من "الاستبداد الديمقراطي" ( هذه العبارة استُعملت من طرف عصمت سيف الدولة) بالذات العربية المسلمة. وهذا راجع في اعتقادي إلى غياب البُعد الرّسالي في المحاور الثلاثة المذكورة أو بالأحرى في مستوى العلاقة بينها: في اللغة وفي التديّن وفي البرامج السياسية المستبطنة للإنجازات.
فما هو الحل الأجدى لاستعادة الأمة بُعدها الرّسالي في خطابها إلى العالم؟ أعتقد أنّ هنالك تمشٍ مُصحح للنظرة الخاطئة التي بمقتضاها أخذ ت شعوبُنا المتحررة مؤخرا الديمقراطية لكأنها غاية بحدّ ذاتها. وهذا التمشي ينطلق من توفر شرط الإيمان بأنّ الديمقراطية، ولو أنها ذات قيم وفكر، لا يمكن أن يطلق لها العنان كي تطغى على الذات، لكأنها هي الأصل لا الفرع.
إنّ الديمقراطية، إنتاج الحداثة، تصبح قيمة أصلية فقط لمّا تتأصل في الذات العربية المسلمة. وهل تأصلت فينا بعدُ؟ طبعا لا. إنها كالدواء المرغوب فيه لعلاج الجسم المريض، لكنها ليست الجسم. والذي يحصل الآن أننا نريد تناول الدواء بينما لا نعرف من أين نتناوله؛ من الفم أم عبر العضلات أم عبر الوريد. في الأثناء لا يتوفر لدينا إلا منهج التناول الجلدي الهلامي، وهو منهج من الضلال لأنه يجعلنا نركز جهودنا ووقتنا على مواصفات  الدواء بينما الجسم يبقى بعيدا كل البعد عن التماثل إلى الشفاء. 
فما المطلوب لتجسيد الحل؟ المطلوب معرفة من أين ينبغي تعاطي دواء الديمقراطية. والمعرفة لا تستوجب جهدا جهيدا، وإنما هي متوفرة لِمن قرأها من خلال الواقع: اللغة والدين والإنجاز السياسي. لكن هذا لا يعني حقن الديمقراطة في اللغة وفي الدين وفي الإنجازات؛ فلن يكون لهذا أيّ معنى مباشرٌ. إنما المعنى المباشر يتراءى  في كون مجموع العناصر الثلاثة تعتبر القاسم المشترك بين جل الناس في المجتمع. ولو أنّ هنالك المؤمن وغير المؤمن، فاللغة توحدهما؛ وإن لم توحّدهما اللغة علاوة على عدم التوحّد بالدين فالإنجازات ستوحدهما، وذلك بمقتضى حدّ أدنى من الأهداف المشتركة.
فللننظر إلى الناس. إنهم يميلون إلى القول "نحن لسنا ديمقراطيين" كلما استشعروا أنّ الديمقراطية عبارة على غول سَيفترسُ كيانَهم. إنهم يقولون ذلك لا بسبب أنّ القول مطابق للحقيقة، فهذا لا يعني شيئا في الحقيقة، وإنما لأنّ القدرة اللغوية لديهم والتديّن لديهم والقدرة على تصوّر إنجازات المستقبل لديهم ليست في وضعٍ يسمح لهم بتكريس السلوك الديمقراطي وبالاستغناء عن إبداء تعليق من ذلك الصنف.
وللننظر إلى اللغة الصادرة عن الناس في ضوء الفقر الثلاثي الموصوف. إنّهم يملؤون الفراغ اللغوي باللجوء إلى ملاذ من أصناف هجينة ولا أخلاقية وخطيرة من أهمها نذكر سب الجلالة وتعاطي بذيء الكلام؛ وهذا مؤشر على ورطة التديّن. ومنها اللغة الهابطة والعبارات السوقية، والكلام الفارغ (في كلمات الأغاني، وفي تبادل الرسائل على المواقع الاجتماعية مثلا)؛ ومنها استيراد المفردات الانكليزية والفرنسية؛ وأخيرا وليس آخرا تحريف اللغة العربية باللجوء إلى رسمها بالحروف اللاتينية، وهو انتحار لغوي وانتحار شامل مُتأتٍّ من الفراغ الرّسالي. وهذه كلها دلائل على أزمة اللغة.
 أمّا مجموع هذه القرائن الدالة على تورّط الناس في أزمة التدين وأزمة اللغة  فهي تُشكل مؤشر المؤشرات: المؤشر على غياب التصورات للإنجزات، وهو ما يُعبّر عنه في الساحة الإعلامية والسياسية بـ"افتقار الأحزاب إلى برامج" أوبـ"غياب البديل" (عن سياسة الحزب الواحد الأوحد مثلا، كما كان الشأن في تونس قبل الثورة).
إذن لن يكون هنالك معنى ملموسا لتعاطي دواء الديمقراطية إلاّ في حال يتمّ توحيد العناصر الثلاثة المعتلة. ويمكن الشروع في التوحيد حسب التمشي الآتي وصفه:
أ. رسم غاية وغايات تربوية و استراتيجية وسياسية واجتماعية وغيرها للمجتمع كافة، وبغير هوس حول المسألة الديمقراطية. أعني لكي لا ينفلت منّا مأرب الديمقراطية لا بدّ من تحديد، بصفة جماعية وتعددية، ما الذي سنفعله باللغة وما الذي سنفعله بالدين وما الذي سنفعله كإنجازات. 
ب. في باب التحديد الجماعي والتعددي لِما سنفعله باللغة ينبغي الإجابة عن الآتي: مَن سنخاطب، كيف سنخاطبهم، لماذا نخاطبهم. ويتطلب الأمر كنسا للجهاز اللغوي من أساسه، تكليما وتعليما، ثمّ إعادة تصميمه وبنائه على أسس توحيدية وعلمية صلبة.
ج. في باب التحديد الجماعي والتعددي لِما سنفعله بالدين ينبغي التفكير في الآتي: كيف سنصرّف العقيدة في الحياة، بالنظر إلى قابلية تصريفها في العلوم وفي الأعمال وفي السلوكيات، تكليما وتعليما، وذلك بالارتكاز على المنهاج الاجتهادي الاستقرائي الميداني ثمّ التأليف بين النتائج المتحصل عليها هكذا وبين الموروث الحيّ المتخلد بذمتنا بواسطة الاستنباط .
ختاما أتخلص إلى أنّ ظاهرة ما يُعبّر عنها اليوم بـ"علاقة الدين بالسياسة" ستظهر بوجهها الحقيقي: مشكلة فوقية سطحية هُلامية، مفتعلة بمقتضى عدم توفر رؤية مناسبة إلى مشكلاتنا الأصلية. وإذا ما حصل الإجماع المنشود حول فكرة توحيد عناصر اللغة والدين والإنجاز، سوف لن يبقى هنالك مشكل اسمه الدين والسياسة. بل الذي سيصح قوله أنّ السياسة، مِثل الإسلام، عمل وسلوك، وأنّ اللغة موقف سياسي وسلوك، إذن فالإسلام تعدّد في اللسان وفي الأداء العملي. وهل هنالك حالة شفاء أفضل من هاته التي يمكن أن نسجلها نتيجة التداوي بالديمقراطية؟
محمد الحمّار
باحث في استراتيجيات التغيير
 

كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : الدينــــقراطي من : العراق ، بعنوان : الحل في 2011/06/16 .


تحية طيبة

لن ينتهي الصراع بين الدين والسياسة الا بأعتماد مبدأ فصل الثروة الوطنية عن السلطة وجعلها بيد الشعب المطروح من قبل التنظيم الدينــقراطي





  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=6723
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 06 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29