• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : إغلاق باب الأجتهاد .
                          • الكاتب : الشيخ ليث عبد الحسين العتابي .

إغلاق باب الأجتهاد

 نسمع كثيراً عن قضية إغلاق باب الأجتهاد , و لقد كثر الكلام عنها بعلم و بغير علم , و بسبب و دافع و من دونهما , فما المراد من ذلك ؟ و ما حقيقة الأمر ؟
في الحقيقة إن هناك مدلولان لعملية إغلاق باب الأجتهاد هما :
أولاً : هو عدم إعطاءِ حُكمٍ في قضيةٍ ما ليس لها أصل , أو قاعدة , أو ما يقابلها , أو ما يشابهها في واحدٍ من المذاهب الأربعة , فلا مكان للمستجدات و المستحدثات لعدم وجودها في عصر النص , فكل جديد لابد و أن توضع عليه آلاف علامات الأستفهام .
الثاني : عدم الخروج عن قواعد المذاهب الأربعة إلى غيرها , و الأخذ بأساسياتها و إن أثبت العصر خطأ تلك القواعد و الأساسيات جملةً أو تفصيلاً , فلا إجتهاد خارج هذه المذاهب , و لا فوقها , و لا في قِبالِها أبداً .
فما الحقيقة في موضوع ( إغلاق باب الأجتهاد ) ؟
الحقيقة إن الجواب متشعب و يحتاج إلى عدة مقدمات , و إلى دراسة مستوعبة , و إلى الإستعانة بإقوال ذوي الأختصاص في المسألة لتأييد الأراء المطروحة في المسألة , لذا و كنصيحة للقارئ بأن عليه مراجعة الكتب المختصة بالمسألة ,لكن و بشكل إجمالي نقول :
إن الرأي الأول لا يقول به إلا دعاة السلفية , و من جمُد على النص ـ بحسب مدعاه ـ , و من حرم التطور بحجج جاء بها من عندياته , و هذه الفئة معينة و مشخصة , و لا تمثل المذهب السني بشكل عام , بل هي جزء منه , فلا يمكن تعدية الحكم الخاص بها إلى جميع المذاهب  . بل نجد الكثير من الفتاوى المستحدثة في المدرسة السنية و التي منها و على سبيل المثال : إنهم لا يقصرون في الصلاة في كثير من الأحيان إلا في البلدان البعيدة جداً , بحجة تطور وسائل النقل , و لإن أدوات النقل الحديثة تختصر الجهد و الوقت فلا قصر للصلاة و لا ترك للصيام عند القيام برحلة بين بلدتين و إن باعدت بينها عشرات أو مئات الكيلو مترات , و الكثير من المسائل الأخرى التي على هذا المنوال .
فالدكتور السوري ( مصطفى البغا )  يقول : (( الحقيقة أنه كلما كثر التطور كانت الحاجة إلى الأجتهاد أكثر إلحاحاً , فالتطور يعني ظهور مستجدات كثيرة في الحياة , و هذه المستجدات لا بد من معرفة الحكم الشرعي فيها ... فالتطور يجعل الحاجة إلى الأجتهاد ملحة أكثر من أجل إعطاء هذه المستجدات حكماً شرعياً , و ذلك لا يكون إلا عن طريق الأجتهاد , لإنعدام النصوص في هذه المستجدات , و بذلك ينحصر معرفة حكم هذه المستجدات بطريق الأجتهاد ))  .
كما و يقول الدكتور ( وهبة الزحيلي )  عن الأجتهاد : (( ... الاجتهاد أمر لا بد منه من أجل مواكبة تطورات الحياة , و معرفة حكم المسائل المتجددة ... و هذا إذاً يحقق مرونة هذه الشريعة و تلبيتها لحاجات الناس و موافقتها لما يحقق مصالح الناس في الزمان و في المكان ... ))  .
و يقول الدكتور ( محمد سعيد رمضان البوطي )  : (( ... تطور التشريع الوضعي يُفترض أنه بسبب تطور المصالح , و لا شك أن الشريعة الإسلامية تسير مع مصالح العباد , فإذا وجد من المصالح ما يقتضي تطور الأحكام الشرعية , فهذا سبب من أسباب مشروعية الأجتهاد ))  .
نعم الكل قد يتفق على ضرورة الاجتهاد , لكن الاختلاف يظهر في الآليات , و كيفية تحديد الموضوعات , و في التطبيقات , فهناك خلاف في التفصيلات لا في الأصل .
أما الرأي الثاني المُقيد لعملية الأجتهاد بالمذاهب الأربعة فقط  , فهو ما عليه الأكثرية , و من هنا جاء الحكم بعدم شرعية الكثير من المذاهب الأخرى  , فالدين عندهم محصور في هذه المذاهب الأربعة , و ما غيرها لا أساس له , بل ـ و بشكل عام ـ كفر و إلحاد .
و هذا هو أساس الخلاف , و محل الكلام , و أصل المشكلة , و هذا يعيدنا إلى الإستشهاد بكلام عبد الحميد الزهراوي و الذي يقول : ( هذا دين الله خاطب به المؤمنين , و كلف به العاقلين , فمن ذا الذي يحصر فهمه بالمتقدمين , ثم يحصره في الأربعة المشهورين )  .
فدعوات حصر الدين بالمذاهب الأربعة , و حصر أخذ العلم من كتب الصحاح فقط و بالخصوص ( صحيح البخاري ) لاقت نقداً لاذعاً من داخل هذه المذاهب فضلاً عن خارجها , فنجد القاضي محمد بن علي الشوكاني  يقول : ( إن الله قد تفضل على الخلف كما تفضل على السلف , و ربما كان في أهل العصور المتأخرة من العلماء المحيطين بالمعارف العلمية ما يقل نظيره في العصور المتقدمة )  .
و يقول الدكتور أحمد صبحي منصور عن حصر العلم بـ( صحيح البخاري ) : ( نحن لا نوافق على المقولة الشهيرة ؛ بأن البخاري أصح كتاب بعد القرآن )  .
كما و يقول الشيخ محمد رشيد رضا  عن ذلك أيضاً : ( ما كلف الله مسلماً أن يقرأ صحيح البخاري و يؤمن بكل ما فيه )  .
إذن فالقضية في حقيقتها ليست ( إغلاق باب الأجتهاد ) بل الحقيقة هي ( حصر الأجتهاد ) بأشخاص معينين , و مذاهب معينة .
إن الأجتهاد هو ( الأداة ) الفعالة في أيجاد الحلول لمشكلات التغير و التطور المتزايدة , فالأجتهاد في الحياة الإسلامية ضرورة من الضروريات المهمة , فهو أساس العقل , و أصل التفكير , و لا يمكن لمجتمع أن يتطور إذا كان يتمسك بعوامل الجمود , لذا فإن من أفضل أدوات التطور في المنظومة الإسلامية هو : ( الأجتهاد ) , و هو محكوم بضوابط شرعية , و عقلية تراعي ( الأنسان ) (Human  ) , و ( الدين ) ( Religion ) , و ( الأخلاق ) ( Ethics ) فيما تنطق به من أحكام .

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=67476
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 09 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 10