• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : قراءة في كتاب : نظرات في التقية للمؤلف جعفر البياتي .
                          • الكاتب : د . حميد حسون بجية .

قراءة في كتاب : نظرات في التقية للمؤلف جعفر البياتي

عنوان الكتاب: نظرات في التقية
اسم المؤلف: جعفر البياتي
الطبعة الأولى 1431
مجمع البحوث الإسلامية
  التقية في أصلها الفطري أن يتقي الكائن البشري ما يحذر. وقد أصبح ذلك من وفرته وشيوعه(أشبه بالبديهيات التي لا نقاش في جوهرها). ولو تأملنا حياة الكائنات البرية والبحرية وغيرها لوجدنا ما يدهش من ممارسات لهذه الكائنات ألهمها الله إياها دفاعا وهجوما: لتتقي وتحذر أو توهم وتوقع فريسة في فخ .
   ولقد استعمل الأنبياء التقية كثيرا في مواضعها، وكما أمرهم الله. فقد قال رسول الله(ص): (إنا-معاشر الأنبياء-أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم). ومن أمثلة ذلك تحريم الخمر والتدرج في تحريمه، والتورية في الحرب. وقد تكون التقية بين مسلم وكافر، وبين مسلم ومسلم، وبين مؤمن ومؤمن. فالإيمان درجات، فلا ينبغي لأصحاب كل درجة أن يطلعوا أصحاب الدرجة الأدنى على ما لا يعرفون، لئلا يحملوهم ما لا طاقة لهم به.
    ويعود تاريخ التقية الى اللحظة التي شعر الإنسان فيها بالخطر على نفسه بسبب من معتقده، وعندما عرف أن المواجهة ستنتهي الى أمر لا تحمد عقباه. ومع تطور الحالة الاجتماعية، أصبحت التقية حالة استثنائية مؤقتة، تقتضي إظهار الموافقة واستبطان المخالفة، تهيئة وانتظارا للفرصة المناسبة لتقبل الحقائق. وقدم الدين التقية للأنبياء والأولياء لتطبيقها في سننهم. وقد أكدها القرآن الكريم في نصوصه الشريفة. فهي موجودة قبل الإسلام، وهي من السنن التشريعية التي شرعها الله منذ خلق آدم عليه السلام.
  وكان أول من استعمل التقية النبي شيث-هبة الله-(ع) خشية من بطش قابيل حينما انتقلت له وصية أبيه بعد قتل أخيه هابيل على يد قابيل-حسدا منه حين خصه آدم بالعلم- وقد جاءه قابيل مهددا، (فاستخفى  هبة الله بما عنده من العلم لتنقضي دولة قابيل). ويقول الإمام الصادق (ع): (ولذلك يسعنا في قومنا التقية؛ لأن لنا في ابن آدم أسوة).
  وعمل النبي إبراهيم (ع) بالتقية في ثلاثة مواقع-كما يقول البخاري-: في قوله تعالى(واتخذ الله إبراهيم خليلا)(النساء|125) وقوله(إني سقيم)(الصافات|89) وقوله(بل فعله كبيرهم)(الأنبياء|63). وكذلك عندما سأله فرعون عن زوجته سارة، قال هي أختي. لذلك قال الإمام الصادق (ع): (عليك بالتقية فإنها سنة إبراهيم الخليل (ع)...وان رسول الله إذا أراد سفرا ورى بغيره).
 واستعملها يوسف (ع) في قوله: (أيتها العير إنكم لسارقون)(يوسف|70).  واستعملها موسى (ع). فهو لم يكن خائفا على نفسه وإنما من غلبة الباطل على الحق. وذكر القرآن الكريم مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه، وهو حزقيل، وكان نجارا، وهو الذي صنع لأم موسى التابوت حين ولدت موسى. وقد أظهر أمره بعد أن انتصر موسى على السحرة. كما عملت بالتقية امرأة مؤمن آل فرعون التي كانت تخدم بنات فرعون. وعملت بها آسية بنت مزاحم زوجة فرعون حتى قتل فرعون امرأة مؤمن آل فرعون.
   ومارس التقية عيسى (ع) في مواطن. كما استعملها شمعون الصفا أحد حوارييه الذي أرسله عيسى (ع) عندما كُذب الرسولان وضربا: (...إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث...)(يس| 14). فدخل شمعون البلد متنكرا، وعاشر حاشية الملك، فأنسوا به. وعاشر الملك فأنس به، حتى أنه عندما كان يدخل الملك لعبادة الصنم كان يدخل معه. ثم كلمه بقضية الرسولين السجينين.
  وعن الإمام العسكري (ع) نقلا عن رسول الله صلى الله عليه وآله(إن الأنبياء إنما فضلهم الله على خلقه أجمعين بشدة مداراتهم لأعداء دين الله، وحسن تقيتهم لأجل إخوانهم في الله).
     وكان أبو طالب (ع) كمؤمن آل فرعون يكتم إيمانه. قال الإمام الصادق (ع): (إن مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف، أسروا الإيمان وأظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرتين).
       وفي الإسلام، مرت التقية بمرحلتين: الأولى في زمن الرسول(ص) إذ كان من أشهر ما عرفت به تلك المرحلة موقف أبي طالب وحصار الشعب وتعليق صحيفة المقاطعة وقضية عمار بن ياسر الذي نزلت بحقه آية التقية: (...إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...)(النحل| 106).  والثانية بعد وفاته، وقد اقترنت بأهل البيت (ع) وشيعتهم الذين جرت عليهم الكوارث والنكبات والآلام. فكني علي ابن أبي طالب بأبي زينب إيهاما لأعدائه، وإرواء لأوليائه.
      ويستدل العلماء بأربعة أدلة على التقية: الأول آيات القرآن الكريم، والثاني الحديث الشريف(ويشمل حديث الرسول وأحاديث أهل البيت) والإجماع والعقل.
  ولدى أهل السنة، إضافة الى القرآن الكريم والحديث النبوي، هنالك الحقيقة الواقعية والحقيقة الفقهية، فقد(افترشت التقية مساحات واسعة في حقل المسائل الفقهية وأبوابها العديدة، متوغلة في العبادات والمعاملات...).
  وثمة تساؤل: هل أن التقية سند للشيعة أم عليهم؟ تعتبر التقية سندا للشيعة لما لاقوه من مظلومية بعد النبي الى يومنا هذا. وقد هيأ خصوم الشيعة القول لأهل السنة: لا تصدقوا الشيعة فهم يعتقدون بالتقية،(والتقية هي الكذب والخداع، وعلماء الشيعة يكذبون ولا يعتقدون بالقرآن، بل عندهم قرآن آخر).
  بيد أن التقية سيرة العقلاء مع المتسلط والحاكم، عند مصادرة الحريات. فهم يدارون الظالم للتخلص من شره. وهي عند الشيعة حكم شرعي من عترة النبي (ع) لشيعتهم. وهي جزء من تعاليم الإسلام كما في الآية 106 من سورة النحل والآية 28 من سورة آل عمران.
 على أن من التقية ما يحرم عندنا ولا يجوز بحال، إذا ترتب عليه قتل شخص آخر مثلا. (فعلى الشيعي أن يتحمل هو القتل ولا يسببه لغيره، فلا تقية في الدماء) بينما يفتي كثير –من فقهاء غير مذهبنا- لمن يقلدهم بالتقية لنجاة النفس حتى لو سبب ذلك قتل الغير. 
  ولدى البخاري والبيهقي والسيوطي والنووي والسرخسي وغيرهم من علماء السنة، -نقلا عن الحسن البصري- التقية (جائزة للمؤمن إلى يوم القيامة). والفرق أن الشيعة يحتاجونها أكثر بسبب ما يعانونه من ظلم. لكن بعض المتعصبين من علماء الوهابية يظنون أنها جائزة مع الكفار وليس مع المسلمين.
     والفوارق بين التقية والنفاق كثيرة: من اختلاف في الباطن، فالتقية استبطان للإيمان والتقوى بينما النفاق استبطان للكفر والفسوق والفساد؛ واختلاف في الظاهر، فالتقية هي حالة حذر وترقي وحيطة بينما النفاق ليس فيه أي حذر؛ واختلاف في السبب والنية والهدف، فصاحب التقية ألجأته الضرورة والخوف ليحافظ على نفسه بينما المنافق يتظاهر ليوهم.  وفي الحكم الشرعي، التقية على أقسام خمسة من حيث حكمها التكليفي: الواجبة والمحرمة والمستحبة والمكروهة والمباحة بينما النفاق كله محرم ومذموم؛ وفي المصير الدنيوي التقية تأتي بالخير والسلامة في الدين والنفس بينما النفاق ذلة وازدواجية وشيطنة وفساد للإيمان.
    فلماذا يخلط بين التقية والنفاق؟ الأسباب هي إما جهلا لمعنى التقية وإما تعصبا وإما قصورا عن فهم أقسامها وإما تشنيعا على الشيعة.
  أما أقسام التقية، فتقسم إما باعتبار الحكم: وهي أما واجبة أو مستحبة أو مباحة أو مكروهة أو محرمة، والمحرمة تقسم الى التقية في الدماء والتقية في الإفتاء والتقية في القضاء والتقية المفسدة والتقية بلا ضرورة والتقية في شرب الخمر وبعض الموارد الأخرى.
         أو باعتبار الأركان(وهي المتقي والمتقى منه وما يتقى عليه وما يتقى به)، فهي قسمان: تقية الفاعل وهو المتقي، وتقية القابل وهو المتقى منه.
   أو باعتبار الأهداف والغايات والأسباب، ويكون تقسيمها الى: التقية الخوفية والتقية الكتمانية والتقية المداراتية والتقية الإكراهية.
 وختاما، يقول الإمام الصادق عليه السلام لأبي عمرو الكناني-أحد أصحابه- (يا أبا عمرو، أبى الله إلا أن يُعبد سرا....أبى الله عز وجل لنا ولكم في دينه إلا التقية). 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=67796
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 09 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28