• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مصطلح الإرهاب بين حقيقة الوضع و تهافت الاستعمال .
                          • الكاتب : الشيخ ليث عبد الحسين العتابي .

مصطلح الإرهاب بين حقيقة الوضع و تهافت الاستعمال

    ان المدقِق في مصطلح ( الإرهاب ) سيلاحظ و من حيث الفهم الأولي غموضاً واضحاً من حيث الوضع العام له . و كذلك سيلاحظ ـ و هذه المرة بدقة أكبر ـ تهافتاً استعمالياً واضحاً لهذا المصطلح .
و يمكن أن نبين هذه الملاحظات بالنقاط التالية :
1ـ الغموض الواضح في حقيقة هذا المصطلح الناشئ من خلال : ( اختلاف اللغات ، و اختلاف الأديان ، و اختلاف الثقافات ، و تباين العقائد ، و تباين الأيديولوجيات ) .
فبعد أن أصبحت اللغة ( الإنكليزية ) و بسبب انتشارها الواسع لغة التخاطب العالمي ( Global Language ) بهذا السبب انتقلت الدول الناطقة بالإنكليزية لتمسك زمام إدارة العالم و تنشر ثقافتها الخاصة عن طريق اللغة ، فأصبح المرء لا يستطيع أن يولي شمالاً أو جنوباً إلا إذا تكلم الإنكليزية . 
    إن مأساتنا الكبرى في تعاملنا مع مصطلحات اللغات الأجنبية بشكل عام ، و المصطلحات الإنكليزية بشكل خاص هو الوقوع في أخطاء تجاوزت الترجمة و التي تتغافل ـ بقصد أو جهل ـ عن إبعاد المصطلح في اللغة و الثقافة التي كُتب فيها.
2ـ تعدد التعريفات للإرهاب : فلقد تعددت التعريفات بشكل ملفت للنظر مما سبب إرباكاً واضحاً لكل قارئ ، بينما من المتعارف ان من شأن المصطلحات أنها : جامعة للمعرف و مانعة من دخول الأغيار .
3ـ عدم وفاء مصطلح ( الإرهاب ) للمعاني الداخلة تحته : فموارد ( الإرهاب ) أوسع من أن تحصر تحت هذا اللفظ ، ذلك لأن ظواهر العدوان واسعة ، و متعددة الجوانب ، و مختلفة الطرق و الأساليب . 
4ـ التباين في تحديد المصطلح من حيث الفهم أو التطبيق ، سواء أكان ذلك عن عمد أو لا .
فنجد في أبحاث القسم الفيدرالي لمكتبة الكونغرس الأمريكي ما نصه : ( تتنوع تعاريف الإرهاب على نحو واسع ، و عادة تكون غير ملائمة ، حتى باحثي الإرهاب غالباً يهملون تحديد الاصطلاح ... و بالرغم من ذلك ربّ عمل ينظر إليه في الولايات المتحدة بحسبانه عملاً إرهابياً لا يرى كذلك في بلد آخر ، و نوع العنف الذي يميز الإرهاب عن غيره من أنواع العنف كالجرائم العادية ، أو عمل الجيوش في أوقات الحروب يمكن أن يُحدد بعبارات تجعله معقولاً )  .
و هنا تقع الازدواجية القاتلة لكثير من المفاهيم الغربية بشكل عام ، و للمفاهيم الامريكية بشكل خاص ، و هنا يمكن أن نذكر الملاحظات الآتية :
أولاً : نجد غزواً يرافقه عنف يؤطر بإطار الدفاع عن النفس و حفظ أمن الدولة الفلانية ، و الجماعة الفلانية ، و نرى دولاً و منظمات دولية تؤيد ذلك و لا تعتبره عنفاً أو ارهاباً أبداً .
و أكبر مثال على ذلك ما تفعله إسرائيل مع الفلسطينيين ، و مع لبنان ، و في الوقت الحاضر مع سوريا ، بل و حتى مع العراق و افغانستان ، و دول أخرى .
( فمشروع المقاومة الجهادي بدأ يفرض وجوده بالتحدي الأكبر للعدو الصهيوني بلا منازع ، و لدرجة حتى الأحزاب الفلسطينية غير الإسلامية بدأت تتبنى مشروع المقاومة الإسلامية الجهادي ، و أصبحت ثقافة الشارع الفلسطيني ثقافة استشهادية عامة و شاملة ، مما جعل آرييل شارون يفشل في تنفيذ وعوده في القضاء على الانتفاضة في مئة يوم ، فمضت سنوات و لم تمت ثقافة الاستشهاد و لم تتوقف في إنتاج قوافل الاستشهاديين . تجذّر المشروع الجهادي بحيث أصبح ثقافة عامة في الشارع الفلسطيني ؛ يعد سبباً أساسياً من أسباب دفع الصهاينة ، و عبّر لوبيهم في الإدارة الأمريكية إلى احتلال العراق و البدء بخطوات هجومية شاملة انطلاقاً من ساحة هذا البلد )  .
ثانياً : نجد احتلالاً و تجاوزاً يؤطر بإطار حفظ الأمن العالمي ، أو ما شاكل ذلك .
و مثاله ما تحججت به امريكا سابقاً في غزواتها الطائشة الكبرى في أمريكا الجنوبية ، و أسيا . و ما صنعته كذلك في غزوها لأفغانستان ، و العراق .
( لعل القول بأن أمريكا ذهبت لاحتلال العراق و اسقاط نظامه الصدامي الديكتاتوري لتدمير أسلحة الدمار الشامل ، هو استخفاف بعقول الناس بعد انكشاف كذب التقارير الاستخبارية و اعتراف المسئولين الأمريكيين و على رأسهم بوش الأبن بهذا الكذب و بخداعهم للأمريكيين و للرأي العام . فالدوافع الأمريكية لهذا الزحف العسكري يرتبط بمشروع أمريكا الكوني و لا يرتبط بالعراق و المنطقة فحسب ... )  .
ثالثاً : نجد قتلاً و إبادات عرقية و مذهبية تؤطر بإطار حفظ المكون الفلاني ، أو الحفاظ على الدين الفلاني .
و هذا ما أورده التاريخ في مذابح أمريكا للهنود الحمر ، و ذبح المغاربة على يد الفرنسيين ، و ذبح الأرمن على يد الأتراك . كل ذلك وسط إبادات عرقية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً تجاوزت كل الحدود و التصورات .
رابعاً : نجد قتلاً و تمثيلاً و تشريداً يندى له الجبين يؤطر بإطار إقامة دعائم الدين القويم و ذلك على يد جماعات ضالة ، مدعومة من دول استكبارية .
و هذا ما شهدناه و نشهده في سوريا بالتحديد ، و كذلك في العراق ، من قطع الرؤوس ، و شق الصدور ، و أكل القلوب ، كل ذلك باسم الدين الإسلامي !؟ 
إن مسألة تشويه الإسلام تعتبر من أهم المسائل التي شغلت أعدائه ، و بالخصوص عند من يعتبرون الإسلام منافساً لهم ، و بانه قد أخذ منهم مكاسبهم و أراضيهم .
لقد بدء الصراع مع الدين الإسلامي صراعاً حربياً تقليدياً ، ثم انتقل إلى صراع فكري و بإهداف و وسائل خبيثة .
لقد كان أكثر هذه الوسائل تأثيراً هو من خلال ضرب الإسلام من الداخل ، لتبيين التناقضات الداخلية فيه من خلال تأجيج الصراعات بين الفرق الإسلامية ، و كذلك وصمه بالإرهاب من خلال إظهار ما يفعله بحق الآخرين ممن لا يدينون به !
لقد ظهرت جماعات و فرق كثيرة على طول التاريخ أدت هذا الدور بجدارة ، و شوهت الدين الإسلامي ، و نجحت بذلك ، حتى وصم الدين الإسلامي بالإرهاب ، و أصبح يعرف بدين القتل ، و الترهيب ، بل دين كل اللاإنسانيات في جميع الكون ، و قاد هذا الدور في تاريخنا المعاصر النحلة الوهابية  ، و من ثم تنظيم القاعدة  ، و أخيراً و ليس آخراً تنظيم داعش  .
( لقد أصبح الإرهاب مشكلة تواجه العالم كله ، فما من بقعة من بقاع الأرض إلا و طالها شر الارهابيين ، لقد آذى الارهابيون العالم كله ، فعكروا مشاربه ، و ضيقوا مساربه و حرموا بني البشر من نعمة الأمن ، لقد تجاوز الارهابيون القتلة المدى يوم أعطوا لأنفسهم صلاحية قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، و صلاحية أخذ أموال الناس و إتلافها بغير حق ، و ترويع عبيد الله الذين يعيشون في أرضه و تحت حمايته و بدون مبرر )  .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=67860
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 09 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29