• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الغدير : مقاربة بين البعد التاريخي والواقع .
                          • الكاتب : الشيخ ليث الكربلائي .

الغدير : مقاربة بين البعد التاريخي والواقع


الغدير 18 من ذي الحجة يوم الولاية ؛ الولاية التي لا يمكن اختزالها بزمان او مكان لأنها نبض قلب متيم وتأريخ أمة حافل بالعطاء والحب والوفاء ؛ فالوجود بأسره لا يمكنه اختزال الحب وانما يساوقه لذا فيوم الغدير انما هو من جهة بمثابة الرمز والنصب للتذكير والاحتفاء ومن اخرى حجة دامغة تداهم القلوب القاسية في كل عام .
قبل 1426 سنة أوْقف النبي صلى الله عليه واله ركب الحجيج في القفار ليعلن وصيته التي وعاها الهجير ودونتها الرمضاء وشهدتها الشمس ؛ لكن لم تعها القلوب القاسية ولم تدونها الاقلام المرتابة ولم تشهدها الكيانات المأزومة التي ترتقب يوم رحيل هذا الداعية الذي على الاقتاب لتعيد امجاد الجاهلية ومفاخرها .
الا ان تلك القفار لم تخل من انفس زكية انبرت لتحمل الوصية الالهية فلم تنحتها على صحائف البردي فحسب بل على صفائح القلوب البيضاء " من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار "
تلك الثلة الطيبة حفظت وصية نبيها جيلا بعد جيل حاملة اياها وهنا على وهن وفصالها عشرات القرون من التضحية وانهار الدم التي تحدوها قوافل الشهادة .. فكم تجرعت من مآس وغصص ونكبات وهموم اذ لم يتوانى الاخر لحظة عن تكفيرها وتجريمها واباحة دمائها وحرماتها " فعلى مر التاريخ كم من ارواح ازهقت ودماء سفكت وقلوب ارهقت واجسام صلبت ورؤوس على الاعواد رفعت بكتها يتاماها بل بكتها الرحمة ونعتها الحقيقة ورثتها المروءة " كل ذاك لا لجريرة غير الحب والولاية اللذان هذا يومهما بل عيدهما .
مع ذلك يحكي لنا التاريخ كيف ان بغداد كانت تزدان كل نواحيها بمظاهر الفرح والبهجة و السرور وتوزيع قطع الحلوى يوم الغدير حين لم يكن الشيعة يمثلون اكثر من 10% من سكانها وحين كان الطواغيت يقطعون الالسن والايدي على الولاية .
10% وفي ظل هكذا ظرف عصيب كانت قادرة على قول كلمتها وبقوة وهكذا استمر الحال حتى آل الامر الينا في عصر تضاعفت فيه النسبة اضعافا وفتحت الحرية اوسع ابوابها وتطور الاعلام والتواصل ايما تطور ومع ذلك يبدو اننا لم نغتنم الفرصة بحجمها وبحجم عددنا وامكانياتنا بل شيئا فشيئا حولناها الى مجرد حدث تأريخي نؤدي بذكراه الزيارة ونزعم تجديد البيعة .
هل هذا هو عيد الله الاكبر الغدير ؟! هل هذه هي النعمة التي تمت بالولاية ؟! .
نعم أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم حثونا على الزيارة ووجهونا الى الابتهاج والسرور واعلان الفرح في هذا اليوم ولكن هلا تساءلنا عن ماورائيات ذلك : هل ارادوا صلوات الله عليهم من الزيارة مجرد التواجد في الغري ؟! ومن الفرح مجرد توزيع الحلوى واقامة المحافل ؟!
ام انهم صلوات الله عليهم ارادوا بذلك ان يجمعونا على نهج الامام علي صلوات الله عليه وما ادراك ما نهج الامام علي ؟!!
أليس هو القائل : " الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق " اليس هو القائل : " والله لو اعطيت الاقاليم السبعة بما تحت افلاكها على ان اعصي الله في نملة اسلبها جلب شعيرة ما فعلته "
الم يقل : " الا وان امامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعامه بقرصيه ؛ الا وانكم لا تقدرون على ذلك ولكن اعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد "
وقال ايضا : " هيهات ان يغلبني هواي ويقودني جشعي الى تخيّر الاطعمة ولعل بالحجاز او اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع .. أأقنع من نفسي بأن يقال : هذا أمير المؤمنين . ولا اشاركهم في مكاره الدهر واكون اسوة لهم في جشوبة العيش " .
هذا قيض من فيض وسيرة الامام عليه السلام في التعامل مع قاتله ابن ملجم اشهر من ان تذكر .
هذا هو نهج الامام علي صلوات الله عليه هو الانسانية بابهى واكمل صورها ..
فاين نحن من هذه الاخوة وقد مزقتنا الانتماءات السياسية ونفاق الاحزاب شر ممزق حتى جعلتنا لقمة سائغة لكل من هب ودب بل تجاوزنا ذلك الى التكفير والتفسيق والتشهير .
واذا كان الامام صلوات الله عليه لا يستبدل الكون بسلب جلب شعير من نملة فكيف بمن سرق الانسانية والبسمة من شعب كامل ومن ثم يقيم المحافل يوم الغدير
ولا اريد ان اتكلم عن نهجه في الحكم ونهج حكامنا لان المقاييس كلها ستخذلني اذ فاق البون بينهما اي مقياس .
فترانا والحال هذه على ماذا نبايع ؟! وعلى ماذا نجدد البيعة في كل عام ؟! هل نبايع على الولاية ؟! وهل تصح الولاية مع كل هذا الجفاء والابتعاد عن المنهج ؟ منذ متى كانت الولاية مجرد لقط كلام وادعاءات فارغة ؟! اليست الولاية لا تعني شيئا اخر غير المنهج ؟! وهل كل هذه الدماء والتضحيات عبر التاريخ كانت لاجل شيء اخر غير المنهج ؟! اليست الولاية هي المحبة ؟! اليس برهان الحب طاعة الحبيب ؟
اذا هلا حاسبنا انفسنا كم مرة بايعنا وكم مرة نكثنا ؟!!
ثم ماذا عن الساسة وطغاة الاحزاب الذين قادوا التشيع من نكبة الى اشد منها هل يبايعون في كل عام ايضا ؟ يال سخرية القدر
والامر لا يقتصر على الغدير فحسب بل هكذا بدءنا بقولبة الشعائر بقالب تاريخي محض وهكذا بنينا بينها وبين واقعنا جدارا صلبا وبتنا ننطلق في تعاملنا معها بدوافع اجتماعية اكثر مما هي دينية انسانية!! فافرغناها من الواقع .
ولكن لا زال الامل يحدونا ما دام هناك من يبذل الغالي والنفيس لاجل تصحيح المسار متمثلا بالمرجعية العليا في النجف الاشرف وما دامت الارواح متلبسة بملكة العطاء وما دامت الانفس تتشح شيئا من الصفاء .
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=68149
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 10 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19