• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : قصه قصيره:سلاما ... دكتوره منال .
                          • الكاتب : علي البدر .

قصه قصيره:سلاما ... دكتوره منال

 (الى ملائكة الرحمه . الى كل اطباء العراق خاصة طلبتي الذين يذكرونني وهم وسط قاعات الدرس او في صالة العمليات او وسط ردهات المرضى متحملين التعب والسهر ومخاطر العدوى.)

حدقت في عيني لحظات فشعرت انها تود ان تقول شيئا لكنها ابتسمت وقالت:
- ياولدي. لقد صرخت بوجهك مره فجفلت ولم تدر ما تعمل فقد جعلتك تبكي خائفا واحسست بعدها انك لاتستحق وان الذنب ليست ذنبك.
وما الضير في ذلك؟ أنت امي وها انا اركع امامك وأخفض جناح كبريائي صاغرا اليك. امي يا أمي اه كم احبك. 
- ولكن .. ولكن..
- ولكن ماذا يا أمي؟
- هل تسامحني؟ بربك اغفر لي يا ولدي ولا تتردد.
- ما هذا يا امي؟ من يصدق ان تطلب الام من ابنها ان يغفر لها وهي التي تؤدبه وترعاه؟ أجل. قلت ذلك وانا أمسح دموعها وحاولت أن اغير من نفسيتها وقسمات وجهها لكن شابة دخلت باستحياء كملاك يحوم حول طفل وديع ليسقيه أملا فقده أو كاد أن يفقده. انها منال.. الدكتوره منال التي ما تحدثت لمريض الا وادخلت السرور في اعماقه . أجل..ابتسامة أزالت الهم الذي خيم علينا وأحال لحظاتنا الى بهجة احسست انها عصفت في اعماقي وافقدتني القدرة على الكلام. ولا أدري هل تكفي كلمة شكر لانسانة لم تهدأ لحظة ولم تمل من معالجة المرضى على امتداد ردهة طويله مهيبه.
- هيا يا خاله. قالت الدكتورة وهي تهمس بانسيابية ورشاقه. كل شيء جاهز. سأكون أنا وزوجي الدكتور مراد واطباء اخرون معك وأكون أنا والدكتور من أول المهنئين بعد العمليه وسنقدم لك باقة ورد جميله .
وكانت اللحظات لاتوصف رغم ان الدكتوره طمنتني لكن الخوف سري في أوصالي لان تلك الام الحنونه أحاطت بها الأمراض ، منها مزمن والاخر طاريء فاصبحت كائنا لا يقوى على الحركه بسهوله ولا أدري كيف ستزال القرحه من معدتها وهي بهذه الحال؟ رفعت رأسي الى السماء وقلت: يا الهي. لم أطلب منك شيئا في حياتي سوى امي.. أجل اريدها منك ياربي.. ولم أشعر بالعيون المبهورة حولي وهي ترمقني بنظرات ود وعطف وهي ترى دموعي وحسرتي على امي، وقد حاول اخي الكبير وابن عمي تهدئتي لكني ازددت قلقا عندما خرج أحد الأطباء مسرعا فنهض الجميع. ها دكتور بشر. فأجاب ستتحسن الامور . أدعوا لها . ولكن المفاجأه كانت اعظم عندما خرجت الدكتوره منال وقد بدى الارتباك عليها .
- دم .. نريد دم . ان المريضه تنزف وقد نفذ كل ما احضرناه. أرجوكم. دم نريد دم من يتبرع؟
بدأ قسم من الجالسين بالمغادره بينما تعذر صديق لي قائلا انه ضعيف ولا يتحمل ان يسحب دم منه رغم انه جاء لمطابقة دمه لدم امي النادر وكانت الدكتوره تعلم ان فصيلة دمي ودم أخي ليست o negative وهذا ما جعل الدكتوره تدخل خائبة الى صالة العمليات. خيم الصمت فأحال اللحظات الى دهور واسودت الحياة في عيني لكني تذكرت اني دعوت الله ، وطالما قالت امي ان الله أقرب الينا من حبل الوريد وسيبعث رحمته الينا. ولم أشعر بتلك اللحظات التي خرجت بها الدكتوره منال مبتسمه وهي تقول الحمد لله الحمد لله امك بخير، انها ام رائعه وقد احسست ان الملائكه تحوم حولها وتحرسها.
- والدم؟ أجل الدم ما أخباره. كما ترين لم يترع أحد فالقادرون عليه اختفوا عند الحاجه وقد احسست عندها باليأس يا دكتوره..
- لا تيأس. نحن الأطباء نعمل لاخر لحظة ولو كلفنا ذلك حياتنا. لقد أقسمنا بشرف المهنه أن نتفانى بخدمة شعبنا والانسانية جمعاء. لا تحزن ان الله معنا.. 
وكانت الفرحة لا توصف عندما بدت عربة مكسوة بغطاء ابيض ناصع واثنان من الممرضات وأدخلاها الى الغرفه وبكل رقه حملاها ووضعاها على السرير وغادرتا وعلامات التعب بادية عليهما. نظرت الى امي وهي تسحب انفاسها بهدوء وهي مغمضة العينين ثم جال بصري نحو الدكتوره منال فوجدتها مضطربة وكأن شيئا ما فاجأها. وضعت يدها على رأسها وخرت قرب السرير ساقطة ولم اسمع منها الا كلمات معدودات. مراد. مراد تعال أين أنت فأنا...... نهضت مسرعا من غير هدى صائحا: مراد دكتور مراد أين انت؟ دخل مراد مرتبكا فرأى زوجته على الأرض. انحنى عليها وفتح عينيها وسمع دقات قلبها وقال الحمد لله. كل شيء تمام. وبعد لحظات كان الأثنان يتحاوران باللغة الأنكليزيه لكنني استغربت لأثر دم وسط ذراعه الأيسرفقلت مستغربا:
- ما هذا يا دكتور؟ انه دم يبدو انك قد تبرعت منذ وقت قصير يادكتور!
- أجل وهذه الملاك التي سقطت الان قد وهبت دمها فرحة مطمئنه. لقد لاحظت تعبها وهي في صالة العمليات لكنها قاومت فانهارت أمامكم. انها الان سعيده وسيكون الطفل الذي في رحمها سعيدا لان امه واباه وهبا جزءا من دمهما لامرأة غريبه هي امك الطيبه.. 
- وأخيرا سرى دمكما الطاهر في شرايين امرأة لا تربطكما بها أية صلة. 
- سعداء. اننا سعداء لكنك لن تستطيع ان تحس بعمق سعادتنا الا عندما تكون طبيبا. أجل طبيبا....



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=68915
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 10 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19