• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تأملات في القران الكريم ح297 سورة الروم الشريفة .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تأملات في القران الكريم ح297 سورة الروم الشريفة

  بسم الله الرحمن الرحيم

 
وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ{26} 
تنعطف الآية الكريمة لتضيف (  وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) , الملكية المطلقة له جل وعلا , وتبين ايضا (  كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) , منقادون خاضعون لأمره .   
 
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{27}
تستمر الآية الكريمة في بيانها (  وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ) , الموجودات , (  ثُمَّ يُعِيدُهُ ) , بعد الفناء او الهلاك , (  وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) , اعادة الخلق اسهل من الانشاء , وكلاهما هيّن عليه عز وجل , (  وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) , الصفة العليا , فلا يوازيه او يدانيه شيء جل وعلا , (  وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) , وهو جل وعلا (  الْعَزِيزُ ) , القادر الذي لا يعجز عن الابداء والاعادة , (  الْحَكِيمُ ) , في خلقه وتدبيره . 
( عن الصادق عليه السلام ولله المثل الاعلى الذي لا يشبهه شيء ولا يوصف ولا يتوهم فذلك المثل الأعلى ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .  
 
ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ{28} 
تبين الآية الكريمة (  ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ ) , من جهة القرب , (  هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم ) , مماليككم , (  مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ ) , في الاموال وغيرها , (  فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء ) , متساوون , (  تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ) , كما يخاف الاحرار من بعضهم البعض , (  كَذَلِكَ نُفَصِّلُ  الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) , نوضحها ونبينها للذين يستعملون عقولهم في استنباط الافكار واستخلاص التجارب .    
مما يروى في سبب نزول الآية الكريمة ( كان سبب نزولها ان قريشا والعرب كانوا إذا حجوا يلبون وكانت تلبيتهم لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وهي تلبية ابراهيم والأنبياء فجاءهم ابليس في صورة شيخ وقال لهم ليست هذه تلبية اسلافكم قالوا وما كانت تلبيتهم قال كانوا يقولون لبيك اللهم لبيك لا شريك لك الا شريكا هو لك فتفرق القريش من هذا القول فقال لهم ابليس على رسلكم حتى اتي على آخر كلامه فقالوا ما هو فقال الا شريك هو لك تملكه وما يملكك الا ترون انه يملك الشريك وما ملكه فرضوا بذلك وكانوا يلبون بهذا قريش خاصة فلما بعث الله عز وجل رسوله انكر ذلك عليهم وقال هذا شرك فأنزل الله عز وجل ضرب لكم مثلا من انفسكم هل لكم مما ملكت ايمانكم من شركاء فيما رزقناكم فانتم فيه سوآء اي ترضون انتم فيما تملكون ان يكون لكم فيه شريك وإذا لم ترضوا انتم ان يكون لكم فيما تملكون شريك فكيف ترضون ان تجعلوا اليّ شريكا فيما املك ) . "تفسير القمي" .    
 
بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ{29} 
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة (  بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ) , اتبعوا ما مالت اليه اهوائهم من الشرك , من غير حجة ولا دليل او برهان , فأن العالم اذا مال مع هواه ردعه علمه , (  فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ) , لا هاد له على الاطلاق , (  وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ) , منقذين لهم من الضلالة ومخلصين لهم من العذاب المترتب عليها . 
 
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{30} 
تخاطب الآية الكريمة النبي الكريم محمد "ص واله" (  فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ) , تختلف الآراء فيها , فنذكر منها :   
1- مائلا إليه أي أخلص دينك لله أنت ومن تبعك . "تفسير الجلالين للسيوطي" . 
2- عن الصادق عليه السلام انه سئل عنه قال يقيم للصلاة لا يلتفت يمينا ولا شمالا . "تفسير القمي" . 
3- اي طاهرا قيل هو تمثيل للإقبال والاستقامة عليه والاهتمام به . "تفسير القمي في رأي اخر له" .
(  فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) , دينه , توحيده جل وعلا , الاسلام , (  لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ) , لا يغيره احد , (  ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) , المستقيم المستوي , الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف , (  وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) , استقامته , او توحيده .  
( عن الصادق عليه السلام انه سئل عنه عليه السلام ما تلك الفطرة قال هي الاسلام فطرهم الله حين اخذ ميثاقهم على التوحيد قال الست بربكم وفيهم المؤمن والكافر . 
عن الباقر عليه السلام قال فطرهم على التوحيد عند الميثاق على معرفته انه ربهم قال لولا ذلك لم يعلموا من ربهم ولا من رازقهم ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .  
 
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{31} 
تستكمل الآية الكريمة موضوع سابقتها الكريمة : 
1- (  مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ) : راجعين اليه تعالى مرة بعد اخرى , في امره ونهيه . 
2- (  وَاتَّقُوهُ ) : خافوه في اجتناب النواهي وغيرها .
3- (  وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ) : اداء الصلاة المفروضة والمحافظة عليها , ويلاحظ انها جاءت بعد الانابة والتقوى , لأنها لا تكتمل بدونهما .   
4- (  وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) : نهي , لا تكونوا مع المشركين في عبادة غير الله تعالى .  
 
مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ{32} 
تستكمل الآية الكريمة موضوع سابقتها الكريمة (  مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ ) , في اختلافهم بالمعبود , (  وَكَانُوا شِيَعاً ) , فرقا , يشايع كل منها امامهم الضال , (  كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) , كل فرقة منهم مسرورة بما لديهم , ظنا منهم انهم على الحق .   
 
وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ{33} 
تبين الآية الكريمة (  وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ) , في حالة اصاب الناس خطب ما "شدة" توجهوا الى الله تعالى بالدعاء , راجعين اليه مما كانوا يعبدون سواه , (  ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً ) , خلاصا من تلك الشدة , (  إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ) , عادوا الى شركهم وعبادتهم للأصنام وغيرها .     
 
لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ{34}
تستكمل الآية الكريمة الموضوع (  لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ ) , تهديد , (  فَتَمَتَّعُوا ) , بالرخاء وسعة الرزق وغيره , (  فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) , عاقبة امركم .  
 
أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ{35} 
تستمر الآية الكريمة في نفس الموضوع (  أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً ) , حجة وبرهان , (  فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ) , يأمرهم بالشرك عن بينه ودليل .   
 
وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ{36} 
تنعطف الآية الكريمة مضيفة مبينة (  وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا ) , نعمة من صحة او رزق او فتح من الفتوح فرحوا بها بطرا , (  وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ) , اما اذا اصابتهم  شدة بسبب شؤم شركهم ومعاصيهم يئسوا من الرحمة , ينبغي للمؤمن ان يشكر الله تعالى على نعمه , ويرجوه في الشدائد والملمات .   
 
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{37}
تستكمل الآية الكريمة الموضوع (  أَوَلَمْ يَرَوْا ) , اولم يتفكروا , يتدبروا , يتأملوا فيعلموا , (  أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ ) , يفتحه ويسهله ويوسعه على من يشاء جل وعلا حسب مقتضيات حكمته , (  وَيَقْدِرُ ) , ويضيقه على من يشاء , وفقا لمقتضيات حكمته جل وعلا , (  إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) , ان في ذلك التوسيع والتضييق دلالات على قدرته وحكمته ونفاذ امره جل وعلا , لمن يؤمن بالله تعالى ويدرك حكمته .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=68930
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 10 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29