• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : سلم الرواتب الجديد والإصلاحات .
                          • الكاتب : د . عبد الحسين العطواني .

سلم الرواتب الجديد والإصلاحات

على الرغم من توافر عدد من المقومات الرئيسة في النشاط الاقتصادي , ولاسيما في القطاعات الأساسية المتمثلة بالثروة النفطية , والقطاع الزراعي , وقطاع المعادن , إضافة إلى القطاع السياحي في العراق, إلا أن الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية يتسم بالقصور في الكفاءة الإنتاجية , ولعل ذلك يرجع إلى غياب سياسات واضحة وملائمة لبناء اقتصاد قوي يرتكز عليه البلد .
وتشير الأدبيات الاقتصادية إلى أن النمو الاقتصادي الذي حدث في ألمانيا , واليابان بعد أن دمرت الحرب العالمية الثانية معداتهما المادية , يرجع إلى الاهتمام بالعنصر البشري , وأدركت كثير من الدول النامية أهمية الموارد البشرية , والعراق شأنه باقي الدول الأخرى سعى إلى وضع سياسات وخطط لتنمية موارده البشرية من اجل النهوض بالاقتصاد الوطني , لكنها لم تفعل وفقا لعوامل التغيير والتطور , فالقيام بالدور الايجابي يحتاج إلى مؤسسات تتصف بالمهنية والموضوعية , فالمهنية تتطلب التمرس العملي والنظري والأخلاقي في العمل , ويتطلب العمل المهني التحلي بالمسؤولية الاجتماعية التي تفرض تخطي العوارض التي تقف في طريق الوصول إلى الحلول المرجوة , إما الموضوعية فتتطلب تشخيص مواطن الضعف الرافضة للإصلاح بصورة صادقة , ولابد من التأكد أن الموضوعية تعني تقديم الوقائع كما هي , ولكنها لاتعني الحياد لان الحياد يعني عدم اتخاذ موقف حتى من الأمور القيمية , أو الأخلاقية .
فالإصلاح لايمكن أن يكون شاملا , أو أن يتعلق بقطاع , ويترك قطاع أخر , ثم أن الأسس التي لايمكن أن يغض النظر عنها هي ضمانة العدالة , وفي مقدمتها العدالة بين العاملين في مؤسسات الدولة , وإرساء دولة القانون والمؤسسات لكي تعم الإصلاحات الهيكلية التي تهم المؤسسات والقوانين المسيرة لهذه المؤسسات .
السؤال هل نستطيع أن نشكل جبهة موحدة أمام هذه الظروف القائمة حتى نستطيع أن نقاومها بأسلوب موحد , فلا نرى أن هناك من يستحق أن يلقب بمسؤول ولا يسعى إلى الإصلاح ولا يسعى إلى التغيير , والمسؤول هو من كان يستهدف محاربة الفساد , وهو واجب مهم من واجباته , ومن واجبنا آن نقف وراءه ليس فقط لدعمه بشخصه , وإنما لنتفاءل بأن هناك في الحكومة من يدافع عن حقوق الشعب . وأحيانا لايمكن للشدة أن تحسم الموقف وتقضي على التيار المنحرف , ولذلك يتعين على الحكومة أن تتولى مسؤولية المجتمع , وان تتابع شؤونه ومصالحه , دون الوقوع في شرك العواطف , آو الخوف , آو العوامل الخارجية , وان تتعهد بالإخلاص والاهتمام بمصير المواطنين , من خلال ضبط أولئك الذين لا يقيمون وزنا للمبادئ والقيم , وإعطاء الشخصية الإنسانية لإفراد المجتمع , ومواجهة العقبات والتغلب عليها , ودعم المصلحين وتشجيعهم على مواصلة النشاط الدءوب بهدف خدمة مصالح الشعب وتطلعاته .
إما في واقع الأمر فان ما نمارسه الآن ونراه في العراق هو ليس إصلاح بل سيطرة لهؤلاء المستغلين الذين لا يتورعون عن نهب المال العام وتسخيره لمتعتهم ومصالحهم الخاصة, ويتركون أفراد الشعب خاوين لايجدون مايسد حاجتهم , فقد اخذوا من الإسلام مظاهره واجبروا الناس عليها , وابتعدوا عن حقائقها , وعليه يتطلب الحذر من هؤلاء وأتباعهم , فالنظام الإسلامي في إطار كفاحه للقضاء على أسباب الفقر والذي حدده بثلاثة أمور ب( قلة الإنتاج , وسوء التوزيع , والإسراف والتبذير ) مع رفضه لكل أنواع الفقر والفواصل الطبقية واستغلال الآخرين بل ويعتبر السكوت على ذلك منافيا للإسلام , لكونه يؤدي في النهاية إلى تعزيز الظلم ودعمه , أو جرأته فيجب عندها الوقوف ضده وان استلزم الضرر وتحمل الصعاب , حتى وان لم يؤد ذلك القضاء على الظلم بشكل كامل , وليس هناك من طريق لمواجهته سوى التغيير العام وفضح أعمالهم وتوجهاتهم الخطرة .
فالتظاهرات , والاحتجاجات , وحتى الثورات التي تحدث في المجتمعات وتطالب بالإصلاح , أو إسقاط الحكم غالبا ما يكون سببها عندما يستشري بها الفساد بأنواعه المختلفة في مؤسسات الدولة , في محاولة الشعب الارتباط بقضايا الواقع وأحداثه ومشكلاته ليحظى بفرصة التأثير ومعالجة هذه المشكلات , مع أن اختياره لهذا الطريق يدرك في الوقت نفسه المصاعب التي قد تعترض طريقه والمشكلات التي قد تثار حوله .
وأخيرا نحن نبارك كل التوجهات التي تهدف إلى الإصلاح , بل يجب على الجميع تأييدها ودعمها شريطة أن تكون بالاتجاه الصحيح , وتحقق العدالة الاجتماعية , ولكن الأمر سينعكس سلبا حينما يأتي سلم الرواتب الجديد ليستهدف شريحة الموظفين الصغار وفي الوقت نفسه يروج بأنه لتحسين رواتبهم , لنفترض أنه جاء من اجلهم , فهل أن إضافة ( 30 ) ألف دينار على الراتب الاسمي للدرجات الدنيا من (10 – 5 ) وإلغاء أو حسم من ( 30 – 60% ) من مخصصاتهم , تصب في مصلحة هؤلاء الموظفين , أو هي من بوادر الإصلاح؟ والآمر الأخر الذي يعاب إليه في السلم هو توحيد مخصصات الموظفين بمختلف الوزارات , ألم يكن إجحافا بحق البعض, نظرا لاختلاف طبيعة العمل من حيث المخاطرة , والمسؤولية , والجهد المبذول , والضغوطات الأمنية والبيئية , فعلى سبيل المثال لا الحصر كيف تتساوى مخصصات موظف الكهرباء الذي يقضي نهاره في حرارة الصيف , وبرودة الشتاء معلقا على أعمدة الخطوط , أو سحب القابلوات والأسلاك , اونصب المحطات الأرضية , وبقاءه لساعات متأخرة بعد الدوام الرسمي بل وحتى ليلا عندما تحصل عوارض طارئة في المنظومة الكهربائية, فضلا عن تعرضه للصعقات الكهربائية التي أودت بحياة الكثير, مع غيره ممن لايواجه نفس الظروف .
أملنا كبير بالسيد رئيس الوزراء حيدر العبادى قائد حزمة الإصلاحات أن يأخذ بنظر الاعتبار وضع الموظفين المعيشي , وان لاتركز الإصلاحات على تخفيض رواتب الطبقات الفقيرة , ونتمنى أن يكون البحث على آفات الفساد التي نهبت وسرقت عشرات المليارات من الدولارات داخل البلد وخارجه دون ملاحقة , وان تكون الإصلاحات الحقيقية وضع سلم لرواتب المسؤولين وتحديد مخصصاتهم المفتوحة , الذين يستهلكون نصف ميزانية الدولة , ناهيك عن الأموال الإضافية التي يحصلون عليها عن طريق استغلال مناصبهم في السلطتين التنفيذية والتشريعية , وان تكون الفروقات بين رواتب الطبقة العليا (طبقة القادة , وأعضاء البرلمان , والمسؤولين , والدرجات الخاصة ) وبين رواتب الطبقة المسحوقة ( الموظفين الصغار بما فيهم الأجور اليومية والعقود ) بنسب متقاربة , وليس (10) عشرة ملايين للطبقة الأولى , و ( 500 ) خمسمائة ألف للطبقة الثانية , وفي هذا السياق يمكن القول أن الإصلاح الذي ننشده يكاد يكون مستحيلا في وضعنا الحالي , وهذا فيه الكثير من الخطورة , إذ لم يرى بعين ثاقبة وأداة تحليلية جيدة .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=69531
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 11 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28