بسم الله الرحمن الرحيم
نبدأ بعناية الإمام عليّ (عليه السلام) الفائقة بالتاريخ واهتمامه البالغ بشأنه من نص ورد في وصيته الّتي وجهها إلى ابنه الإمام الحسن (عليه السّلام) كتبها إليه بحاضرين(1) عند انصرافه من صفّين، قال فيه: (أيْ بُنَيَّ إنِّي وَإنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إلَيَّ مَنْ أُمُوِرِهِمْ، قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أوَّلَهَمْ إلى آخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِهِ، وَنَفْعَهُ مَنْ ضَرَرِه).
والقرآن الكريم في آيات عديدة يشير الى دراسة احوال الامم السابقة وتاريخهم وأخذ العبرة من احوالهم وسيرتهم مع المصلحين المُرسلين من الله وهم الانبياء والاولياء
.
ومن المخجل جدا ان نقع في نفس الاخطاء التي وقعت بها الامم السابقة مع علمنا بها وهذا ما ادى بنا ( كمسلمين) الى هذا التشرذم والتناحر والتكفير والقتل والذبح والى آخره.
وفي هذا المقال نسّلِط الضوء على قوله تعالى في سورة الزخرف وهو قوله تعالى( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ) الزخرف/54.
ذكر صاحب #تفسير_الامثل في ذيل الآية المذكورة ما يلي :
وتشير الآية التالية إلى نكتة لطيفة، وهي: إنّ فرعون لم يكن غافلاً عن واقع الأمر تماماً، وكان ملتفتاً إلى أن لا قيمة لهذه القيم والمعايير، إلاّ أنّه: (فاستخف قومه فأطاعوه).
إنّ طريقة كل الحكومات الجبارة الفاسدة من أجل الإِستمرار في تحقيق أهدافها وأنانياتها، هي الإِبقاء على الناس في مستوى مترد من الفكر والثقافة والوعي، وتسعى إلى تركهم حمقى لا يعون ما حولهم باستخدام أنواع الوسائل، فتجعلهم غرقى في حالة من الغفلة عن الوقائع والأحداث والحقائق، وتنصب لهم قيماً وموازين كاذبة منحطة بدلاً من الموازين الحقيقية، كما تمارس عملية غسل دماغ تام متواصل لهذه الشعوب، وذلك لأن يقظتها ووعيها، وتنامي رشدها الفكري يشكل أعظم خطر على الحكومات، ويعتبر أكبر عدو للحكومات المستبدة، فهذا الوعي بمثابة مارد يجب أن تحاربه بكل ما أوتيت من قوّة.
إنّ هذا الأسلوب الفرعوني - أي استخفاف العقول - حاكم على كل المجتمعات الفاسدة في عصرنا الحاضر، بكل قوّة واستحكام، وإذا كان تحت تصرف فرعون وسائل محدودة توصله إلى نيل هدفه، فإن طواغيت اليوم يستخفون عقول الشعوب بواسطة وسائل الإِتصال الجماعية، الصحف والمطبوعات، شبكات الراديو والتلفزيون، أنواع الأفلام، بل وحتى الرياضة في قالب الإِنحراف، وابتداع أنواع الأساليب المضحكة المستهجنة، لتغرق هذه الشعوب في بحر الغفلة، فيطيعوهم ويستسلموا لهم، ولهذا كانت المسؤولية الملقاة على عاتق علماء الدين والملتزمين به - والذين يحيون خط الأنبياء الفكري والعقائدي - ثقيلة في محاربة برامج استخفاف العقول، فهي من أهم واجباتهم.
والطريف أنّ الآية المذكورة تنتهي بجملة: (إنّهم كانوا قوماً فاسقين)، إشارة إلى أنّ هؤلاء القوم الضالين لو لم يكونوا فاسقين ومتمردين على طاعة الله عزَّوجلّ وحكم العقل، لما كانوا يستسلمون لمثل هذه الدعايات والخزعبلات ويصغون إليها، فهم قد هيؤوا أسباب ضلالهم بأيديهم، ولذلك فإنّهم ليسوا معذورين في هذا الضلال أبداً. صحيح أنّ فرعون قد سرق عقول هؤلاء وحملهم على طاعته، إلاّ أنّهم قد أعانوه على هذه السرقة باتباعهم الأعمى له. نعم، كان هؤلاء قوماً فاسقين يتبعون فاسقاً.
وقال صاحب #التفسير_المبين الشيخ مغنية في ذيل الآية المذكورة ( ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ﴾: بأسورة من ذهب وما إليها من مظاهر وأكثر القادة في عصرنا حماة ألقاب ومظهر خلاب، دينهم إعلان، وإصلاحهم كلام بكلام ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا﴾: أغضبونا حقت كلمة العذاب على المجرمين ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا﴾: السابقين إلى الجحيم ﴿وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ﴾: عبرة وعظة لمن يأتي بعدهم.)
اذن المشكلة التي نمر بها هي ذات المشكلة التاريخية التي اراد الحكام ايقاع الشعوب بها في كل زمان ومكان. اما الحل فه بنشر الوعي والثقافة وهذا لا يتم الا بزرع حب التعلم في نفوس الناس لا سيما الاجيال الجديدة وطلب العلم ليس فقط في المدرسة وانما يتم بتوسيع مصادر العلم ووكذلك مطالعة الكتب المفيدة الفكرية بشتى انواع الفكر الديني والاجتماعي والسياسي الثقافي والكثير الكثير.
اذن هذه دعوة مني الانسان الفقير الى التعاون لنشر العلم وحب العلم وزرع حب المطالعة في نفوس الشباب فانها الحل الامثل لبروز حالة الوعي بين افراد هذه الامة والحمد لله رب العالمين.
22 محرم 1437
5/11/2015 |