• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : سامراء...الروح والمدينة والشيخ الخطيب!! .
                          • الكاتب : د . صادق السامرائي .

سامراء...الروح والمدينة والشيخ الخطيب!!

 المدينة وعاء الفكر والروح وحاضنة الثقافة وآلة الوعي والإدراك الإنساني , ولا يمكن لصيرورة أن تتحقق وإبداعٍ أن يتجسد ويؤكد أصالته , من غير مدينة فاعلة في تنمية عناصره ومفردات أساسه ولبنات بنيانه.

 
ولكل مدينة شخصيتها ودورها الحضاري والإنساني , وكلما إختزنت ثراءً معرفيا وحضاريا أكثر , كلما كان لها الأثر الأعظم في بناء الذات الفردية والجمعية لأبنائها , وصياغة مناهج تواصلهم مع الحياة , لأن مَعينها الإقتداري يتناسب طرديا مع مكنوناتها الحضارية.
 
وسامراء مدينة عريقة بحضارتها ومعطياتها الريادية , وإبداعاتها العمرانية والثقافية المؤثرة في مسيرة الحياة  , فقد لمع دورها لأكثر من نصف قرن مشحون بالأمجاد الراسخة والأفكار القادحة , فما تيسر لمدينة مثلها في التأريخ أن تجتمع فيها قدرات أمة ذات إمتداد قاري , وكأنها كانت رأس مخروط الوجود البشري أيام سطوعها وتوهجها الإقتداري.
 
وفي سامراء ثورة روحية مستديمة حققت أبهى معاني الوحدة والألفة والأخوة الإسلامية , فمنذ أن وفد إليها الإمام العاشر (علي الهادي عليه السلام) , وهي تشعشع أنوارا روحية وقيما أخلاقية إسلامية , أوقدت مشاعل الرحمة والمحبة والمعاني الإنسانية , التي أنارت دروب الأجيال وكللت مسيراتهم بالإعتصام بحبل التصافي والإيمان , وبراية الوحدانية والمبادئ السماوية التي أنزلت على خاتم الرسل والأنبياء.
 
وقد نبغت في المدينة رموز ثقافية دينية مشهورة على مرّ تأريخها , وما خلت فترة من فتراتها إلا وظهر فيها رمز ديني , وعلاّمة يحمل رسالتها ومعانيها وأخلاقها الإنسانية المنيرة , وعلى مدى معظم عقود النصف الثاني من القرن العشرين , برز فيها عالم جليل أثّرَ في أجيال متعاقبة من أبنائها , بما حباه الله من العلم والمعارف الإسلامية النقية الصافية , ذات الدلالات الإيمانية والتطلعات الرحمانية المآخية والمآلفة الضامة الجامعة , التي تدعو إلى المعروف والإحسان , والتواصي بالسلوك الطيب القويم , والتفاعل بخلق جميل.
 
كان العلاّمة مربيا لغويا ودينيا , علّمَنا النطق السليم والإنتماء الصادق للدين , وفقهنا بآيات القرآن والحديث , وشرح لنا القيم الإسلامية الأصيلة السليمة , وسيرة الرسول الكريم والصحابة والأئمة وأعلام الدين , والأبرار الصالحين , فكان يسمو بنا روحيا وإنسانيا ويملؤنا فخرا بالدين , وحبا بلغة الفرقان المبين.
 
أذكره عَلما روحيا ومنارا تربويا ومَعينا فقهيا وينبوعا مَعرفيا إنسانيا , ومنذ الصِغر وفي مناسبات متعددة وكثيرة , كنت أنصت إليه وأتعلم منه  , وفي الصبا والشباب إستهوتني خطبه في صلاة  الجمعة الرائعة السليمة لغويا والثرية ثقافيا , فكانت تحفا إبداعية إسلامية تنويرية قلَّ نظيرها , لما تتميز به من قوة اللغة وجمال الأسلوب , وجودة الإلقاء وتأثير الصوت المتفاعل المنسجم مع الفكرة والمفردة المنطوقة المرسلة , وكأنها وهج مَعرفي يسعى لإمتلاك النواهي والقلوب.
 
وكان لعلامتنا الفقيه حلقات ذكر في الجامع الكبير عقب صلاة العشاء , وعندما نحضرها , كنا نحلق في فضاءات روحية سامية ذات إشراقات تنويرية , وتدفقات إيمانية تلامس جواهر الروح وتتوطن مكنونات الذات المتشوقة للإدراك الأعلى.
 
علاّمتنا الجليل هو الشيخ أيوب الخطيب (رحمه الله) , الذي توفي "يوم 24 محرم سنة 1420 هجرية , وهو مفسر وفقيه ونحوي , وإمام الجامع الكبير في سامراء , ومدير مدرستها الدينية , ورئيس رابطة علماء صلاح الدين , ونائب رئيس رابطة علماء العراق , وقد تتلمذ على يديه علماء لغة ودين"
 
رحم الله علاّمتنا وأستاذنا ومربينا الشيخ أيوب الخطيب , الذي كان مدرستنا الكبرى أيام الصبا والشباب , وندين له بالمعارف الدينية التي غرسها في قلوبنا , وبدوره في تهذيب أرواحنا وتطهير نفوسنا من الشوائب , وتزويدنا بمقومات الصلاح والفلاح ,  وللأجيال قدوتها , وما أروعه من قدوة حسنة طيبة منورة أضاءت دروب أيامنا



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=69866
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 11 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3