• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الحرکة الاخبارية - الحلقة الثانية .
                          • الكاتب : محمد كاظم الحميداوي .

الحرکة الاخبارية - الحلقة الثانية

اسباب ظهور الحركة الاخبارية 
--------------------------------
طُرحت في كلمات الباحثين اسباب متعددة لظهور هذه الحركة يمكن اجمالها بمايلي :
الاول : التاثر بالفلسفة الحسية .
اعتمد بعض الباحثين على الالتقاء بين الاخبارية و الفلسفة الحسية الاوربية في الموقف السلبي من العقل لطرح احتمال فحواه تأثر المحدث الاخباري محمد امين الاستربادي –رحمه الله – بتلك النزعة التي اشتد عودها على يد جون لوك (ت 1704م (.
وربما يتم دعم هذا الرأي بالتعاصر الزماني بين الداعي الاخباري الاستربادي وفيسلوف المدرسة الحسية فرنسيس بيكون (ت 1426م ) الذي مهد الطريق للتيار الحسي الفلسفي ,مع الاخذ بنظر الاعتبار متانة العلاقة بين ايران والدول الاوربية في ذلك الوقت .
يعتقد السيد الشهيد الصدر –قد- ان الحركة الاخبارية في الفكر العلمي الإسلامي أحد المسارب التي منها تسرب الاتجاه الحسي إلى تراثنا الفكري, رغم انها اسبق زماناً من التيار الفلسفي الحسي الاوربي , ولولا ان الاخبارية نشأت في بيئة مؤمنة وضمن فضاء ديني صرف لأمكن ان تكون نهاياتها كنهاية الفلسفة الحسية التي ألغت قيمة الادلة العقلية في التدليل على وجود الله تعالى وبالتالي جردت الالهيين من اقوى اسلحتهم لاثبات وجود الخالق تبارك وتعالى .
, يقول –رحمه الله – في المعالم ص45 :
....) وقد سبقت الاخبارية بما تمثل من اتجاه حسي التيار الفلسفي الحسي الذي نشأ في الفلسفة الاوروبية على يد جون لوك المتوفي سنة (1704) م و دانيد هيوم المتوفي سنة (1776) م، فقد كانت وفاة الاسترابادي قبل وفاة جون لوك بمئة سنة تقريبا، ونستطيع أن نعتبره معاصرا ل‍ فرنسيس بيكون المتوفي سنة (1626) م الذي مهد للتيار الحسي في الفلسفة الاوروبية. وعلى أي حال فهناك إلتقاء فكري ملحوظ بين الحركة الفكرية الاخبارية والمذاهب الحسية والتجريبية في الفلسفة الاوروبية، فقد شنت جميعا حملة كبيرة ضد العقل، وألغت قيمة أحكامه إذا لم يستمدها من الحس. وقد أدت حركة المحدث الاسترابادي ضد المعرفة العقلية المنفصلة عن الحس إلى نفس النتائج التي سجلتها الفلسفات الحسية في تأريخ الفكر الاوروبي، إذ وجدت نفسها في نهاية الشوط مدعوة بحكم اتجاهها الخاطئ إلى معارضة كل الادلة العقلية التي يستدل بها المؤمنون على وجود الله سبحانه، لانها تندرج في نطاق المعرفة العقلية المنفصلة عن الحس. فنحن نجد مثلا محدثا كالسيد نعمة الله الجزائري يطعن في تلك الادلة بكل صراحة وفق لاتجاهه الاخباري، كما نقل عنه الفقيه الشيخ يوسف البحراني في كتابه الدرر النجفية، ولكن ذلك لم يؤد بالتفكير الاخباري إلى الالحاد كما أدى بالفلسفات الحسية الاوروبية، لاختلافهما في الظروف التي ساعدت على نشوء كل منهما، فإن الاتجاهات الحسية والتجريبية في نظرية المعرفة قد تكونت في فجر العصر العلمي الحديث لخدمة التجربة وإبرازأهميتها، فكان لديها الاستعداد لنفي كل معرفة عقلية منفصلة عن الحس، وأما الحركة الاخبارية فكانت ذات دوافع دينية، وقد اتهمت العقل لحساب الشرع لا لحساب التجربة، فلم يكن من الممكن أن تؤدي مقاومتها للعقل إلى إنكار الشريعة والدين...).
اقول: صحيح ان هذه الاستنتاجات ورغم بعض نقاطها المثيرة لا تعدو ان تكون في النهاية مجرد حدس لا يمكن الاعتماد عليه لبناء تصور موثوق به عن التأثر المفترض الا ان الغموض الذي يلف التكوينة الفكرية الاولى و وطبيعة الجغرافية التي ينتمي اليها المحدث الاسترابادي – رحمه الله- وتحركه المدروس والذي يظهر من اختياره بيئة غير شيعية لبلورة افكاره و نشرها ربما ضماناً لعدم ردة الفعل المحتملة فيما لو اختار بيئة شيعية خالصة , وهكذا طرح ارائه بعد وفاة استاذه ,فضلاً عن لسان التشنيع ضد رموز المذهب الشيعي ,واخيراً الطفرة الفكرية الفجائية التي طفت بسببها الحركة الاخبارية بشخص داعيها الاسترابادي على السطح دون اي مقدمات ضرورية اعتدنا ملاحظتها في التغيرات المعرفية الكبرى والتي ابرزها السير التدرجي الجزئي للأفكار التي تقتضيها ضروروات القناعة و التأسيس وصولاً الى اكتمال التصور النهائي التي من غير المنطقي ان تأتي فجأة وبشكل دفعي دون سوابق قد تسجلها تأليفات او مناقشات تبرز ملامحها كلاً او بعضاً . 
كل هذا وغيره فتح لدى الباحثين باب الشك على مصراعيه في امر المحدث المذكور –رحمه الله-, فانطلقوا وراء استنتاجات تفتقر بالنهاية الى شواهد حاسمة .
 
الثاني : التدخلات السياسية .
يعتقد بعض الباحثين ان ثمّة بواعث سياسية تقف وراء ظهور المدرسة الاخبارية أفرزتها تضايق الحكام الصفويين من سعة دائرة نفوذ المؤسسة الفقهية ومزاحمتها السلطة الرسمية في شؤونها واهتماماتها .
يقول الدكتور جودت القزويني (.... يمكن القول ان المذهب الاخباري كان ردة فعل لتدخل المجتهدين بالسياسة لان الاخباريين حاولوا الظهور بمظهر المحافظة على الاصالة النظرية الشيعية وفقاً للنصوص الواردة عن الائمة او المنسوبة لهم التي تحث أتباعهم للابتعاد عن العمل السياسي او تبرير تصرفات الحكام وهم بذلك حاولوا ضمانة صورة الفقيه وتنزيهه عن الشبهات التي تلتصق به من دوافع المتغيرات السياسية ). المرجعية الدينية العليا عند الشيعة الامامية- جودت القزويني –ص177 
وهذا الرأي وان كان لا يخلو من قوة سيما مع الالتفات الى طبيعة التكوينة الفكرية للمدرسة الاخبارية التقليدية وتحفظها تجاه العمل السياسي ,وطبيعة السلطة وميلها –عادة – الى الاستحواذ والهيمنة وابعاد اي مزاحم لها في شؤونها واهتمامتها ,بيد ان هذا كله ينبغي ألا يكون على حساب البواعث الفكرية والفقهية الخالصة فان الصراع بين الاتجاه العقلي – الاخباري بمعناهما العامين ليس وليد الحقبة الزمنية التي ظهرت فيها الحركة الاخبارية بل يمتد الى عمق التأريخ الاسلامي حيث جدلية الرأي والحديث . على ان هذه الحركة استقطبت في صفها علماء كباراً عاصر بعضهم مؤسسها او باعثها الميرزا الاستربادي كصاحب كتاب الوافي المشتمل على الاحاديث التي جاءت في الكتب الاربعة والمعروف بملا محسن فيض الکاشاني( ت 1091 هـ ) والذي كان اولاً ذا نزعة فلسفية صوفية ثم صار اخبارياً متطرفاً حتى قال عنه المحدث البحراني –قد- في ترجمته من لؤلؤة البحرين :
)وهذا الشيخ كان فاضلاً محدّثاً أخبارياً صلباً كثير الطعن على المجتهدين ولاسيّما في رسالته (سفينة النجاة) حتى أنّه يفهم منها نسبة جمع من العلماء الى الكفر فضلاً عن الفسق مثل ايراده الآية (يا بني اركب معنا) أي ولا تكن مع القوم الكافرين، وهو تفريط وغلو بحت).
وهکذا اصحاب الموسوعات الحديثية الکبرى التي ظهرت أواخر القرن الحادي عشر وخلال القرن الثاني عشر امثال : الشيخ محمد باقر المجلسي قدس سره المتوفي سنة (1110) ه‍ صاحب كتاب البحار وهو أكبر موسوعة حديثية شيعية ، والشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي قدس سرة المتوفي سنة (1104) ه‍, صاحب موسوعة الوسائل , وغيرهم , نثق ان منهجهم الاخباري جاء نتيجة معطيات فكرية دفعتهم للايمان به والاعتقاد انه امتداد للمدرسة الشيعية الاولى التي كانت على عهد الائمة –ع- .
نعم يمكن ان تكون التدخلات السياسية التي تحدثنا عنها وعن مقتضياتها من العوامل المساعدة على نمو هذه الحركة والتمكين لها وبالتالي توظيفها في اضعاف مدرسة الاجتهاد التي كان امتدادها الاجتماعي والسياسي مقلقاً للحكام الصفويين والا فهل من باب المصادفة مثلاً ان تكون الجغرافية الايرانية في ذلك الوقت محلاً لظهور غالب الموسوعات الحديثية الشيعية التي شكلت رافداً اساسياً لادامة المدرسة الاخبارية ؟!
على انه تبقى نقطتان تضعفان الاتكاء على العامل السياسي لتفسير بروز المدرسة الاخبارية تتلخص في :
اولاً: ان السلطة السياسية لم يؤثر عنها حتى عند من يتبنى هذا التفسير سعياً حثيثاً ملحوظاً لفرض الرؤية الاخبارية على الواقع الشيعي بتجلياته العلمية والاجتماعية واضعاف خصومها الاصوليين الى حد ابعادهم عن هذا الواقع بدرجة معتد بها سيما وان الاتجاه الاخباري قد مر بدورات زمانية كان فيها هو المهيمن على الساحة الشيعية حتى قيل ان الوحيد البهبهاني –قد- وهو الشخصية الرئيسية في انهاء الهيمنة الاخبارية ولقب بالمجدد كان أول امره اخبارياً,او لا اقل حضر درس المحدث يوسف البحراني -قد- لبعض الوقت عندما حط رحاله لاول مرة في كربلاء المقدسة ( مقدمة الفوائد الحائرية لاستاذنا الشيخ محمد مهدي الاصفي –قد-ص43) ,مما يعني ان السطوة كانت في ذلك الوقت للمدرسة الاخبارية بلا منازع ,وهي هيمنة لم يلحظ في تفسيرها دعم حكومي استثنائي على اعتبار انه قد ( شجع الشاه عباس الاتجاهات النظرية المتناقضة حتى أخذت تتصارع فيما بينها على أساس المتبنيات الفكرية في محاولة تمكنها من النشاط دون ان يسود تيار على غيره .....) المرجعية الدينية العليا ص175
ثانياُ: ان هذا التصوير يجعل من تدخلات الفقهاء في العمل السياسي باعثاً اساسياً لردة الفعل الاخبارية بيد انه يغفل ان المدرسة الاخبارية نفسها قد أًبتليت بهذ التدخل والى حد كبير ولو في وقت متأخر عن ظهور مؤسسها الميرزا الاسترابادي ,ولعل حياة الشيخ المجلسي –قد- صاحب البحار و سيرة المحدث الجزائري تصلح شاهدين على ذلك .
قال الشيخ يوسف البحراني –قد- في ترجمة العلامة المجلسي :
(...وهذا الشيخ كان إماماً في وقته في علم الحديث وسائر العلوم، شيخ الاسلام بدار السلطنة اصفهان، رئيساً فيها بالرئاستين الدينية والدنيوية..... وقد كانت مملكة الشاه سلطان حسين – لمزيد خموله وقلّة تدبيره للملك – محروسة بوجود شيخنا المذكور، فلما مات انتقضت أطرافها، وبدأ اعتسافها، وأخذت في تلك السنة من يده بلدة قندهار، ولم يزل الخراب يستولي عليها حتى ذهبت من يد)
وقال –رحمه الله- عن السيد نعمة الله الجزائري –قد- ‏:‎).... وكان هذا السيد فاضلاً محدّثاً مدققاً واسع الدائرة في الاطلاع على أخبار الإمامية، وتتبع الآثار المعصومية، كان كثير الصحبة للأكابر والسلاطين، عزيزاً عندهم، وقد طعن عليه بذلك بعض فضلاء من تأخر عنه).



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=70040
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 11 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20