• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : كيف تمسك بالنظام المعرفي داخل الفوضى .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

كيف تمسك بالنظام المعرفي داخل الفوضى

 ليس النسق بالضرورة ظاهر في مورفولوجيا النص..بل النسق هو مسؤولية القارئ في القبض على الوحدة والانتظام المعرفي وراء فعل الفوضى التي يمارسها الكاتب في تحايل على موانع المعرفة وسلطان المناهج..إنّ الإبداع لا يتحقق هنا إلاّ بإعلان الفوضى..وضخّ عناصر النسق البديل على دفعات وتفجير البنيان الفاسد للمعرفة بمفخّخات تقدحها عمليات استفزاز الأسس الوهمية لأنظمة المعرفة..إنّ العقل يتماهى مع معقوله..ويتطور مع ما ينتجه من أفكار..ثم عادة ما يستلب فيها فيصبح العقل ناطقا عن المعقول..والناظم ناطقا عن المنتظم..جدلية الناظم والمنتظم قد تنتهي بهيمنة المنتظم على ناظمه..نحن هنا أمام شكل من اتحاد العاقل والمعقول..يصبح العقل هنا من مقول معقوله ويأخذ معناه منه..ويبلى المنظوم ويفرض بلاه و"بلاويه" على العقل..ولا يبقى امام العقل الناظم إلاّ التّمرد والتحرر من التحشيد المناهجي، لأنّ المنهج أورغانون وليس هو الغاية الأنطولوجية للمعرفة..فالمتلقّي العاجز عن القبض على الوحدة داخل الفوضى هو قارئ غير ناجح..هذا ما علّمتنا وعوّدتنا عليه الطرائق التقليدية العقيمة قبل أن تصبح طرائق تحجب أكثر مما تنتج..إنّ للغة هنا أيضا علاقة بسياسة المفاهيم..لقد ألف النّاس لغة الإنشاء غير المعنية بصناعة الأفكار..فالأفكار تنتج داخل لعبة امتحان المفاهيم وتحريكها..مفهوم الصرامة المنهجية لا يعني التكلف على طريقة من يكتب شعرا فارغا ولكن بقافية مضبوطة الإيقاع..الفكر مناورة ومغالبة وثورة..وليس فعل تأثيث متأنّي..إنها جدل مستمر داخلي وخارج تتهشّم فيه المقولات وتنهار فيه بنيات وتبلى فيه مناهج وتولد أخرى..عبادة المناهج عائق ضد المعرفة..وعبادة المنهج الوحيد لا يقابلها إلاّ ضدذ المنهج وفوضوية العلم عند فيرابند..وتعددية المناهج وتحشيدها يوقفه البينمناهجية التي هي حصيلة تركيب..وأما مختاري فهو العبر مناهجية التي تحيلني إلى الأنطولوجي..الأنساق تكتشف..الوحدة العميق للفكر مهمّة القارئ وليس الكاتب..والانتظام الداخلي للفكر يتوزع بين أجزاء المقاربات..ولكن الجزء هنا يحمل بصمة الكلّ..إنّ من جهل فكرة الهولوغرام لن يفهم طبيعة النسق وكيف يمكن اكتشاف الوحدة في الكثرة..والكل في الجزء...إنّ المنظور الهولوغرامي للمعرفة والذي لم يدخله الكثيرون من الذين لا زالوا تائهين بين ثنائيات الكل والجزء..الوحدة والكثرة..هو الذي يمكننا من كيمياء إدراك النسق داخل الفوضى..فمن لم ير الوحدة الكلية والنسقية من خلال الجزء فهو لم يدخل بعد عصر المعرفة الهولوغرامية..في قراءة النص لا بدّ أن يكون للمقاربة الهولوغرامية دورا كبيرا في القبض على بنية النص..واحدة من مهام القارئ أن يمسك بهذه البنية..ولا يوجد نص مهما غرق في الفوضى أن يخلوا من بنية..إنّ الحديث عن أنّ نصّا ما هو خالي من بنيته أمر بالغ الخطأ..ففي ثنايا النص تكمن معالم النسق..وكل كلمة هي ناطقة عن البنية بكاملها..إنّ الانتظام الداخلي للفكر لا يبحث عنه في فوضى الكلمات ولا في مناورات النصوص، بل هو شيء عميق..نظام داخل الفوضى..القارئ شريك في استنباط البنية النسقية للخطاب..إنّ القرأن نفسه استعمل آيات في السورة الواحدة ينتقل من حدث لآخر ضمن رؤية كونية..ولكن هذا لا ينفي عنه البنية النسقية..ومن هنا أهمية التأويل..فالقرآن لم يستعمل مداخل وفصول وأقسام ومحاور وفقرات..بل آيات ناطقات، كل منها يحيل إلى النظام الداخلي والباراديم المؤطّر لحقائقه..في الشعر نفسه نستطيع القبض على البنية وبنية البنى..لم يقدم نيتشه نصوصا متمنهجة ولكنه عاقر كل المفاهيم وقدّم أعمق الأفكار...تستطيع أن تكتشف نظام الطبيعة الصامتة..ونظام الفوضى العارمة بقدر ما تكون قارئا جيّدا..فالقارئ مسؤول عن فهم النص وليس كاتبه فحسب..القارئ هنا شريك في تشكيل المعنى ...


 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=70921
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 12 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29