• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : محمد عز الدين الصندوق عاشق العلم والفن والفلسفة .
                          • الكاتب : د . رائد جبار كاظم .

محمد عز الدين الصندوق عاشق العلم والفن والفلسفة

تفتخر الامم والشعوب الحية والمتقدمة، بعلمائها ومفكريها وادبائها وفنانيها، وكل من له مساهمة فاعلة ومنجز ابداعي في الحياة الثقافية والمعرفية الانسانية، لان الحياة والمجتمعات والمؤسسات من دون ابداع ومبدعين لا قيمة لها.
 والاستاذ الدكتور محمد عز الدين الصندوق، احد العلماء العراقيين المبدعين الذين جمعوا بين العلم والفن والفلسفة.
والصندوق عالم ومفكر وفنان، ولد في بغداد، واكمل دراسته الجامعية الأولية في جامعة بغداد، كلية العلوم، قسم الفيزياء، وحصل على الدكتوراه من جامعة مانجستر في انكلترا عام 1990. وعمل في الصناعة والمجال الأكاديمي، وآخر مناصبه العلمية في العراق كان رئيساً لقسم هندسة الليزر والإلكترونيات البصرية في جامعة النهرين. كما سبق له وان كان أحد اعضاء الهيئة التدريسية في كلية بابل الحبرية للفلسفة واللاهوت، وعضو في لجنة فلسفة العلوم في بيت الحكمة.
يعمل الصندوق حالياً أستاذاً لتكنولوجيا الطاقة المتجددة للدراسات العليا في جامعة Surrey في إنكلترا، وعضواً في لجنة الفيزياء الهندسية في معهد الفيزياء في لندن. وعضواً في جمعية فلسفة العلوم البريطانية، واشرف الصندوق وما يزال على الكثير من طلبة الدراسات العليا في العراق وانكلترا.
الصندوق مهتم بالفكر الفلسفي منذ بواكير حياته الثقافية الاولى ، وبعد تخصصه في مجال الفيزياء الذي كان سببه الفلسفة لم يترك قراءة الفلسفة وممارستها . وقد ساهم في  الكثير من أنشطة قسم الفلسفة في كلية الاداب ـ جامعة بغداد منذ عام 1992 كما كان احد الكوادر التدريسية في قسم الفلسفة في كلية بابل للفلسفة و اللاهوت.
والصندوق متخصص في فيزياء البلازما "انتقال الجسيمات المشحونه" ومهتم بأساسيات ميكانيك الكم. وله العديد من البحوث المنشورة في مجال تخصصه. بالإضافة لنشاطه العلمي في مجال اختصاصه فهو مهتم بفلسفة العلوم، وانعكست دراساته العلمية على طروحاته الفكرية.
وللصندوق عدد كبير من المنشورات العلمية الأكاديمية والاعمال الفكرية باللغتين العربية والإنكليزية. الأسلوب العلمي يبدو جلياً في جميع اعماله الفكرية والفنية. وتتميز معظم اعماله بالجرأة وحداثة الفكرة وربما غرابتها.
فمن اعماله المميزة في مجال الفيزياء :
1ـ اقترح عام 1997 تعديلاً للصياغة النظرية لمعادلة عالم الفيزياء الأمريكي ديفد بوم (Bohm) التي اكتشفها عام 1949  والخاصة بالانتشار الشاذ للبلازما. حيث بين ان الكسر (1\16) قد يعود إلى التركيب الهندسي للمنظومة.
2ـ في عام 2007 قدم تفسيراً ميكانيكيا لفرضية الأمواج الثلاثة التي تفسر الجسيم الدقيق على ضوء التصور الموجي. كان النموذج الذي اكتشفه على شكل الترس Gear)). النموذج المقترح جاء متفقاً مع الفرضية وامكن استخدامه في اشتقاق المتجه الرباعي كما تعرفه النظرية النسبية الخاصة .
اما في مجال فلسفة العلوم والتكنولوجيا فقام بما يأتي:
1ـ  يعتقد الصندوق بأن الدلة الرياضية المعقدة (Complex function) التي تلعب دورا أساسيا في فيزياء الكم يعود مرجعها إلى عدم قدرة التجربة العلمية على المستوى الميكروئي (المتناهي الصغر) على تجاوز حدود ذلك العالم الصغير وليست ناتجة عن تركيب احصائي كما سبق وان طرحه دبرولي في الثرموداينمك الخفي .
2ـ استخدم النموذج الإحصائي لدراسة تطور العلوم عند العرب والمسلمين وقارنه بالنموذج الغربي. ويفسر التطور العلمي على أساس ارتباطه بالحرية الفكرية.
3ـ يعتبر فلسفة التكنولوجيا المرحلة الرابعة للفكر الإنساني الذي وضع تسلسله الفيلسوف الفرنسي اوغست كونت في مراحله الثلاث. فهو يعتقد بانحسار الإقبال على العلوم لصالح التكنولوجيا.
4ـ استخدم التشبية العلمي في دراسته للمجتمع البشري، حيث يرى ان المجتمع البشري مشابه لمائع البلازما. وهو بذلك يسير بنفس منحى عالم الفيزياء الأمريكي بوم. هذا النموذج يفسر الكثير من الظواهر الاجتماعية. يعتبر المجتمع كيان كلي (Holism) مترابط وما الظواهر الاجتماعية الا ناتج للتفاعلات الفردية.
اما في مجال الفن والرسم تحديداً فهو يشكل أحد وسائل التعبيرالتي يعتمد عليها الصندوق، بالإضافة للعلم والفلسفة، ولديه الكثير من الاعمال الفنية الرائدة التي وظف العلم والفلسفة في اعماله ، وشارك الصندوق في مجموعة من المعارض الفنية وفاز بالكثير من الجوائز التكريمية.
 
يعتقد الصندوق بان العلم يمكن ان يدرس كل شيء (ما عدا الميتافيزيقيا) لذا اهتم بمحاولة معرفة حدود المعرفة العلمية و تأثيرها الاجتماعي. و قدم عدة دراسات في الفيزياء و حدودها . ويؤكد على ان واقع الفيزياء الحديثة و منذ عشرينات القرن الماضي و حتى الان تعيش إشكالية تجاوز حدود المعرفة لما يعرف بدالة الموجة المعقدة. و هذه الإشكالية لعبت و تلعب دورا كبيرا في الفكر الفيزيائي المعاصر. حتى انها افرزت ما يشبة الاديولوجيا او (Paradigm) الذي سيطر على الفكر الفيزيائي. وتوقع الفيلسوف كارل بوبر (1902ـ1994م) بان علماء المستقبل قد يتحولون للعمل في مجال التكنولوجيا اكثر من الفيزياء. وقد درس الصندوق هذه الظاهرة و توصل الى ان عصر العلم يواجه صعوبات تقنية و منطقية تحد من النشاط العلمي الصرف (Pure science). وتوصل الى نتيجة مهمة جداً كما اشار لها بوبر وهي ان التكنولوجيا اليوم تبرز كنشاط بديل للكثير من العلوم والفلسفات .

   
لقد تبنى الصندوق قانون المراحل الثلاث الذي طرحه الفيلسوف الفرنسي اوغست كونت (1798ـ1857) الذي ينص على ان البشرية مرت بمراحل او حالات ثلاث في تفكيرها وهي :
1ـ الحالة اللاهوتية: هي الحالة التي اتجه فيها الفكر البشري إلى البحث في كنه الأشياء وأصلها ومصيرها، فتخيل وجود قوى غيبية خفية هي علة ما يحدث في العالم.
2- الحالة الفلسفية او الميتافيزيقية: وهي الحالة التي أصبح فيها الفكرالبشري يفسر الظواهر ليس اعتماداً على علل مفارقة أو قوى غيبية، بل اعتماداً على علل ذاتية يصور له الوهم أنها باطنية في الأشياء، في حين أنها ليست إلا معان مجردة مثل : العلة والقوة والنفس والماهية …
3- الحالة الوضعية او الواقعية : وهي الحالة التي بلغ فيها الفكر البشري سن الرشد وأصبح يدرك أن المعرفة المطلقة مستحيلة، وبدأ يكتفي بمحاولة معرفة الظواهر وما يربط بينها من علاقات - دون الاهتمام بعلل الأشياء وماهياتها- وصياغة هذه العلاقات في شكل قوانين.
ولا اعرف بالضبط ما هو موقف الصندوق من هذه المراحل عند كونت، هل هو يتفق معه بالكامل بشأنها ام لديه موقف آخر مغاير، ولكن الواضح ان الصندوق قد اضاف على هذه الحالات او المراحل الثلاث مرحلة جديدة لتطور الفكر البشري من خلال ادخاله التكنولوجيا كمرحلة رابعة. فحسب نموذج كونت كل مرحلة لها واقع اجتماعي مميز لها، و باعتبار التكنولوجيا المرحلة الرابعة عند الصندوق فان المرحلة الاجتماعية المصاحبة لها هي مرحلة العولمة.
العالم اليوم يقفز قفزات كبرى في التكنلوجيا تفوق المراحل السابقة من تاريخ الفكر والعلم والفلسفة، ولكنني اعتقد ان هذا التطور والتقدم لم يحصل لولا التقدم الكبير في مجالات العلم وفلسفة العلم، وهذا ايضاً يذكرنا بالنهضة الاوربية الكبرى في مجالات العلوم والفنون والآداب، وما احدثته بعد ذلك من ثورة صناعية وعلمية هائلة فاقت العصور والحقب التاريخية السابقة، ولم يكن هذا ليكون لولا التأثر الكبير بحركة العلم ونهضته في عصور تاريخية سابقة سواء في الغرب او عند العرب والمسلمين وازدهارهم العلمي والحضاري والفكري.
يكرس الصندوق اليوم اهتمامه الكبير لنشر ثقافة الاصلاح والتنوير والتغيير وغرس الوعي العلمي والفلسفي والفني في نفوس الكثيرين، سواء من خلال محاضراته ودروسه او بحوثه او دراساته او مقالاته او لوحاته الفنية الرائعة التي جسدت ذلك بصورة واضحة تجذب نحوها الكثير من المريدين.
 وقد وظف ووفق الصندوق في علمه وفلسفته وفنه بين كل هذه التخصصات الكبيرة والمثيرة، فهو مفكر عشق كل هذه المجالات والتخصصات التي تجمع بين العقل والحواس والعاطفة، وقليل ما تجتمع تلك الاهتمامات والتخصصات في انسان، وانشغالاته العلمية والبحثية والمختبرية الكثيرة لم تشغله وتفصله وتبعده عن التفكير الفلسفي ولا عن ريشة الفنان وزهو الوانه الجميلة.
  
ان وجود الصندوق حالياً في بريطانيا، جعله يعيش حالة من الدهشة الفلسفية،  لما يعاينه من تطور وتقدم علمي وفكري وتكنلوجي كبير في الغرب، ومن التخلف والتأخر الذي تعيشه الشعوب والمجتمعات العربية والاسلامية، بفضل السياسات المنحرفة من جهة والتطرف الديني وتنامي الحركات الارهابية والفكر الاصولي من جهة اخرى. ولذلك فهو دائم الكتابة، ناقداً ومحللاً ومعالجاً، لواقع المجتمعات العربية والاسلامية اليوم، ويذكرنا بالتاريخ الكبير لحضارتنا العربية والاسلامية وازدهارها المجيد في مجالات العلوم والفنون والفلسفة والآداب، والمواقف العقلية والتنويرية التي كانت سائدة في فترات تاريخية سابقة، ولكن بسقوط بغداد عام 656هـ ـ 1258م، انتقلنا الى مرحلة انحطاط وظلام دامس في تاريخنا العربي والاسلامي لم نخرج منه الى اليوم.
يقول الصندوق في مقال له عنوانه (الفكر المشوه والانتحار الاجتماعي) يبين فيه  واقعنا العربي اليوم مقارنة بالواقع الغربي المتقدم : (قام المفكرون الاسلاميون بتقييد الفكر ومنع المخ البشري من ممارسة دوره منذ القرن العاشر وحتى الان . لقد اتضحت الاعاقة الفكرية المزمنة الناتجه عن تلك القيود الحديدية بالتخلف الاجتماعي والحضاري الذي صاحب هذه المجتمعات خلال القرون الماضية ولحد لان. لقد ادى هذا الى توقف الانجاز العلمي والذي هو اساسا ناتج لمجابهة الطبيعة وتحدياتها كما تراجع تبعاً لذلك التراكم المعرفي لعدم وجوده اساساً. وهكذا قادت هذه القيود الحديدية الى اعاقة فكرية دائمة. هذه الاعاقة الدائمة الناتجة عن القيود الفكرية ولمدة قرون عدة ادت الى ما هو عليه من وضع في المجتمعات العربية الاسلامية من عدم القدرة على مجابهة التحديات على اختلاف انواعها.)
ومن الامور التي يشير اليها الصندوق في واقعنا العربي هي ان الفكر الديني هو الفكر المسيطر الوحيد على المجتمع خلال قرون مضت والى اليوم، لذا لم يظهر أي فكر بديل او إصلاحي على الساحة، وان ظهر فبصبغة دينية ايضاً، فقد كان الجامع او الكتاتيب او دور العبادة هي مصدر المعرفة الوحيد، اما بالنسبة لعامة الناس فكان الوعظ الديني مصدر معرفتهم الأساسي. لقد تجاوز الغرب هذه الحالة و تطورت دور المعرفة الدينية الى جامعات علمية تدريجيا نتيجة الإصلاح و التطور الفكري.
ان المجتمعات العربية الإسلامية سواء في الماضي او اليوم، تتربى على قبول الوعظ كمصدر معرفي جماعي، والوعظ يعني رفض الفكر النقدي و القبول و التسليم لما يقوله الواعظ، هكذا تربت هذه المجتمعات و حتى الآن. فكثير من الوعاظ حولوا الكثير من الاختصاصيين مثل الأطباء و المهندسين و المثقفين الى إرهابيين و قتلة. اما المجتمعات الغربية فهي تربي الأطفال في المدارس ومنذ نشأتهم على مناقشة المعلم و عدم تقبل كل ما يقال، وعلى الفكر النقدي والحوار والمناقشة، والفكر النقدي ـ من وجهة نظر الصندوق ـ يتم ارضاعه لهم اجتماعياً، وهذا ما جعل منهك اناس يتقبلون الافكار ويختلفون ويتحاورون اعتماداً على العقل والحجة والبرهان، دون اللجوء الى العنف والتطرف والالغاء والكراهية والتصفية.  
اننا اليوم بامس الحاجة الى ثورة علمية وفكرية وسياسية واصلاحية تنقذنا مما نحن فيه من جهل وهمجية وتطرف وكراهية، وهذا لن يكون الا بنقد الذات واصلاحها ومعالجة عيوبها، والتحاور مع الآخر، والاخذ باسباب التقدم العلمي والتكنلوجي المعاصر، وان نفتح عيوننا على العالم ونقتبس منه ما يؤدي الى تقدمنا وانارة حياتنا وتقدم حاضرنا ومستقبلنا، وهذا لن يكون الا بجو ملىء بالحرية والنقد والاختلاف.
   نعم اننا بحق نعد الصندوق عاشقاً للعلم والفن والفلسفة، وسلطنا ضوء بسيط على فكره وفنه وعلمه الكبير في هذا المقال، فهذا غيض من فيض، عسى ان نوسع ذلك في بحث مستقل في قادم الايام تفي حقه ومكانته العلمية والفكرية والفنية، وتكشف عن ريادته وابداعه الجميل وسعة افقه وخياله، في الساحة الفكرية والثقافية العراقية والعربية والعالمية.
     
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=70999
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 12 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29